مقالات

فواعل سورية.. رقعة واحدة وأزمات مختلفة 3-3 “الثورة.. وأزمة الجغرافية”

انطلقت الثورة في عام 2011 برؤية غير مكتملة لجهة الاستحقاقات التي يمكن أن تواجهها، فالنماذج الذي استقت منها الثورة السورية رؤيتها لمسارها المحتمل مقتبس من مسار الثورات العربية، والقائم أساسا: إما على استنساخ التجربة التونسية والمصرية بمظاهرات تملء الشوارع والساحات، يليها تنازل عن السلطة من قبل الرئيس والبدء بمرحلة انتقالية. أو بتدخل خارجي يرعى مرحلة انتقالية كما حدث في ليبا، ولكن مسار الثورة السورية كان مختلفا وأكثر امتدادا زمانيا، فلا هي حصلت على تنازل الحكام عن السلطة، ولا الغرب تدخل لإسقاط النظام. وحتى جغرافيا، شملت تداعيات الثورة السورية الغالبية العظمى من الرقعة الجغرافية السورية، ومع الانتقال الاجباري للمسار الثوري من الحالة السلمية إلى الحالة العسكرية باتت سورية أمام حالة صراع مسلح ” حرب داخلية ” بين أطراف الصراع في سورية، وضمن هذه المعادلة باتت أطراف الثورة تسيطر على مساحات جغرافية لا يستهان بها من المساحة السورية تختلف تقديراتها ما بين 50% الى 70% من المساحة الجغرافية السورية في عام 2013.

الخريطة التالية تظهر واقع السيطرة في سورية في آذار عام 2013

طبعا هذه السيطرة لم تشمل أبرز المدن والحواضر السكانية، ولكنها أرخت بظلالها على كاهل قوى الثورة لجهة مسؤولية إدارة هذه المناطق. خاصة، أن قوى الثورة لم تمتلك مقدرات دولة وحتى الفترة التي سيطرت فيها بعض الفصائل الثورية على بعض مصار الطاقة في سورية (النفط والغاز) فقد تم التعامل مع هذه المقدرات بنموذج أمراء الحرب حيث لم يتم الاستفادة من هذه المقدرات في بناء نظام حوكمي واضح، ومع ذلك فإن السيطرة الجغرافية وخاصة الامتداد المتصل الذي شمل خمسة محافظات وهي: اللاذقية وادلب وحلب والرقة والحسكة ودير الزور، سمح لقوى الثورة بأن تشكل وزنا سياسيا لا يستهان به، وقد تزامن ذلك مع سيطرة لقوى الثورة على مناطق حساسة محيطة في دمشق في الغوطتين الشرقية والغربية مع إمكانية الامتداد الجغرافي وصولا  لدرعا، هذه السيطرة سمحت لقوى الثورة بقدرة مناورة مقبولة نسبيا حيث لم تعتبر سقوط منطقة معينة أو مدينة عاملا خطيرا على وضع الثورة السورية حيث يمكن تعويض هذه الخسارة بمنطقة جغرافية أخرى، ومع ظهور تنظيم داعش انحسرت منطقة سيطرة قوى الثورة بشكل ملحوظ، وأتى التدخل العسكري الروسي في أيلول عام  2015 ليزيد من حدة انحسار سيطرة قوى الثورة الجغرافية، وحتى عملية القضاء على داعش لم تستفد منها قوى الثورة، حيث كان المستفيد الأكبر هي قوات سورية الديموقراطية التي سيطرت على حوالي 30 % من مساحة سورية مع سيطرة على أهم موارد سورية النفطية مما ساعد قوات سورية الديموقراطية على بناء نموذجها الإداري والعسكري وبمساندة أمريكية، وعليه باتت قوى الثورة وخاصة بعد حسم النظام مع حلفاءه الروس معارك حلب الشرقية والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ودرعا؛ محصورة في رقعة جغرافية ضيقة في الشمال الغربي في سورية وأتت العمليات العسكرية الأخيرة من قبل النظام والروس خلال عامي 2019 و 2020 على ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي لتخفض بشكل ملحوظ من المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها قوى الثورة، ورغم أن قوى الثورة استطاعت مع تركيا توسعة رقعتها الجغرافية من خلال عملية نبع السلام بقيت منطقة نبع السلام منطقة منفصلة جغرافيا عن باقي مناطق السيطرة لقوى الثورة مما يخفض من القيمة السياسية لهذه السيطرة فيما لو كانت كل المناطق متصلة جغرافيا. وعليه، باتت قوة الثورة مع نهاية عام 2020 تسيطر على حوالي 11% من مساحة سورية، وهي منطقة الشمال الغربي ومنطقة نبع السلام ومنطقة التنف التي تخضع للتحالف الدولي مع وجود كتلة سكانية كبيرة خاصة في منطقة الشمال الغربي، وقد نشر مركز جسور للدراسات خريطة تظهر نسب سيطرة القوى على الأرض، وهي على النحو الآتي:

  1. حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها التي تم تسجيلها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عند (10.98%)
  2. حافظ النظام السوري على نسبة سيطرته التي تم تسجيلها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عند (63.38%).
  3. حافظت قوات سوريا الديمقراطية على نسبة سيطرتها التي كانت قد سجّلتها منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عند (25.64%).

وبطبيعة الحال لم يعد لتنظيم داعش أيّة سيطرة عسكرية على الأرض السورية منذ شباط/ فبراير 2019.

وعليه باتت قوى الثورة محصورة جغرافيا مما يقلل من خيارتها السياسية المستقبلية، فلم تعد خسارة منطقة جغرافية لها تداعيات محدودة على الثورة. وإذا ما انتقلنا باتجاه جبهة إدلب نرى أن إدلب المدينة باتت على مسافة حوالي 10 كم من خط الجبهة العسكرية. وبالتالي، فمركز المحافظة والمدنية التي تشمل أكثر من مليون نسمة باتت مهددة بشكل مباشر، والأمر أيضا ينطبق على مدن رئيسية تخضع لقوى الثورة كالباب واعزاز، ورغم أن الوجود العسكري التركي المباشر يشكل ضمانة نسبية لهذه المدن وللسيطرة الجغرافية لقوى الثورة، ولكن ذلك لا يلغي بان أزمة الجغرافية باتت ترخي بظلالها على واقع الثورة السورية وخاصة أن تعديل هذا الواقع يفوق مقدرات قوى الثورة حيث أن المعادلات الدولية هي الحكامة الفعلية اليوم للسيطرة الجغرافية في سورية.

لمتابعة الجزء الثاني من السلسلة:

https://nmaresearch.com/?p=2227

لمتابعة الجزء الأول من السلسلة:

https://nmaresearch.com/?p=2202

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى