مقالات خارجية

هل يحمي القانون الدولي قوارب اللاجئين من الإعادة القسرية؟

د. وسام الدين العكلة

لا شك أن هناك أسباب عديدة تدفع الكثير من طالبي اللجوء السوريين إلى المغامرة بقوارب متهالكة أو غير صالحة للإبحار ينشدون بها أوروبا للوصول إلى ما يعتقدون أنه بر الأمان والحل الأمثل لمشكلاتهم التي يعانون منها، كالظروف الاقتصادية القاسية وفقدان الأمل بالتوصل إلى أي تسوية سياسية أو انتهاء الحرب في سوريا، والتضييق على الشباب ومطاردتهم للالتحاق بالجيش أو الميليشيات من خلال فرض التجنيد الإجباري، وسياسات الهجرة وأنظمة التأشيرات الصارمة التي تتبعها العديد من الدول، وضعف برامج إعادة توطين اللاجئين الذين يعيشون في ظروف شديدة القسوة داخل المخيمات وخارجها، الأمر الذي يدفع الكثير من هؤلاء إلى الهجرة غير الشرعية وإلقاء أنفسهم في أيدي شبكات الاتجار بالبشر، وغالباً ما يواجه معظم هؤلاء رحلات محفوفة بالمخاطر عبر ركوب قوارب مطاطية تنتهي أغلبها بالإعادة القسرية من قبل قوات خفر السواحل اليونانية بعد تجريدهم من كل ما يحملونه، والتهديد بإغراق قواربهم في حال أصروا على الاقتراب من الشواطئ اليونانية.

تعتبر اليونان مجرد طريق لعبور اللاجئين إلى دول غرب أوروبا، ويكاد المرء يجزم بعدم وجود لاجئ واحد يريد البقاء على الأراضي اليونانية، خاصة وأن ظروف اللاجئين في اليونان باتت معروفة للجميع بمدى السوء الذي وصلت إليه. وبالرغم من ذلك هناك العديد من التقارير الحقوقية التي أكدت على ارتكاب قوات خفر السواحل اليونانية، بالتعاون مع الوكالة الأوروبية لحماية الحدود والسواحل “فرونتكس”، انتهاكات قانونية، وتصرفت بطريقة عدوانية غير مبررة ضد قوارب تحمل نساء وأطفال في بحر إيجة من خلال تعريضها لمخاطر الغرق، عبر استخدام أدوات حادة لإغراقها مع الركاب، وإطلاق النار عليها لإجبارها على العودة إلى السواحل التركية. كما استنكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية، ومنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش الطريقة التي تتعامل بها السلطات اليونانية مع القوارب التي تقل اللاجئين معتبرة أن ذلك يخالف القوانين والمواثيق الدولية.

ويبدو أن التصرفات اليونانية تتماشى مع سياسات بعض دول الاتحاد الأوروبي التي تدعم نهج إعادة قوارب اللاجئين بالقوة أو على الأقل تتسامح معه، بالرغم من أن الأخير أعلن قبل أيام إيقاف مساعداته المالية لليونان وفتح تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها قوات خفر السواحل اليونانية و”فرونتكس”، وطالب أثينا بضرورة إيجاد آليات أخرى لتنفيذ مهمات مراقبة مستقلة تحترم حقوق الإنسان.

هذه الانتهاكات تثير تساؤلات حول وجهة نظر القانون الدولي تجاه مسألة إعادة السلطات اليونانية قوارب اللاجئين بالقوة وتحت التهديد بإغراق الأشخاص الذين على متنها، وهل يمكن مقاضاة السلطات اليونانية وقوات “فرونتكس” على هذه الانتهاكات أمام المحاكم الأوروبية أو الدولية؟ 

لا يوجد في القانون الدولي مصطلح يتحدث عن الإعادة القسرية لقوارب اللاجئين، ويبدو أن هذا المصطلح يتم تداوله سياسياً، لكن هناك التزامات أساسية وقديمة العهد في القانون الدولي وقانون البحار تتضمن ضرورة تقديم المساعدة للأشخاص الذين يعانون من محنة في البحر. وتنص المادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على أن تطلب كل دولة من سفنها “تقديم المساعدة لأي شخص يوجد في البحر معرض لخطر الضياع، والتوجه بكل ما يمكن من السرعة لإنقاذ أي أشخاص في حالة استغاثة إذا أُخطر بحاجتهم إلى المساعدة”. كما تضع الاتفاقية واجباً على الدول لتشغيل خدمة بحث وإنقاذ فعالة والتعاون مع الدول المجاورة. في حين تعترف الاتفاقية الدولية لحماية الأرواح في البحر لعام 1974 والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحريين لعام 1979 بهذا الالتزام بتقديم المساعدة. كما تنص المادتين 31 و33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 على امتناع الدول عن معاقبة اللاجئين الذين يدخلون أراضيها بدون إذن، وطرد اللاجئين أو ردهم بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياتهم أو حريتهم مهددتين فيها. من جانبها تقضي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 بعدم جواز إخضاع أي إنسان للعقوبة أو المعاملة المهينة للكرامة.

مع ذلك لا توجد نصوص قانونية تلزم الدول بفتح موانئها لاستقبال اللاجئين أو الأشخاص الذين تم انقاذهم، ويبدو أن الأمر يعود لتقديرات كل دولة على حدة، والقانون المطبق على الأشخاص الذين يتم انقاذهم ضمن المياه الإقليمية اليونانية -على سبيل المثال- هو القانون اليوناني. لذلك إذا اُرتكبت انتهاكات غير قانونية ضد قوارب اللاجئين من قبل موظفي خفر السواحل فيمكن للضحايا اللجوء إلى المحاكم اليونانية للتأكد من امتثال هؤلاء للقوانين المعمول بها وخاصة في مجال حقوق الإنسان، وإذا تم استنفاد الإجراءات القانونية الوطنية، يمكن الطعن أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وهذا يعني أن اللاجئين الذين يتم احتجازهم في المياه الإقليمية لليونان يصبحون خاضعين للولاية القضائية اليونانية لأغراض حقوق الإنسان، التي يجب على السلطات اليونانية احترامها وحمايتها. وتشمل هذه الحقوق منح الأشخاص إمكانية الوصول إلى إجراء يحدد وضعهم كلاجئين، وضمان عدم وجود طرد جماعي لهم، وهو ما ذهبت إليه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2012 في قضية “هيرسي جمعة وآخرون” ضد إيطاليا، حيث رأت المحكمة أن السلطات الإيطالية انتهكت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بعدم فحص الوضع الفردي لملتمسي اللجوء، عندما قامت بإعادتهم بشكل جماعي إلى ليبيا، وجاء القرار في صالح ملتمسي اللجوء حيث منع الحكومة الإيطالية من إعادة هؤلاء وتعويضهم. وفي عام 2014، أصدرت المحكمة الأوروبية أيضاً قراراً في قضية “شريفي وآخرون” ضد إيطاليا واليونان بشأن معاملة المهاجرين غير النظاميين الذين ذهبوا من اليونان إلى إيطاليا ثم أعيد ترحيلهم إلى اليونان مع خشية أن يرحّل كل منهم لاحقاً إلى بلده الأصلي. وقضت المحكمة بأن البلدين انتهكا المادتين 3 و13 من اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية والبروتوكول الرابع الملحق بها.

في ضوء ما سبق يتبين وجود قصور في تنظيم مثل هذه الحالات بنصوص صريحة في قانوني اللجوء والبحار. ومع ذلك يمكن القول إن تهديد القوارب التي تحمل اللاجئين من قبل السلطات اليونانية واستخدام العنف ضدها لإجبارها على العودة إلى المكان الذي قدمت منه – غالباً الأراضي التركية- يعتبر بمثابة انتهاكاً لقواعد القانون الدولي، ويمكن للضحايا المتضررين اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، ولا يمكن لأي دولة أوروبية أن تدفع بأنه يجب إعادة هؤلاء إلى تركيا لأن الأخيرة بلد آمن أو الاعتداد بالاتفاقيات الثنائية، لأنه لا يوجد أي التزام في القانون الدولي (يلزم الشخص) بطلب اللجوء في أول دولة آمنة ينتقل إليها الشخص بعد خروجه من بلده الأصلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى