مقالات

عن الانتخابات التركية وانعكاساتها على القضية السورية

نتيجة لعدة عوامل أهمها استضافة تركيا لملايين اللاجئين السوريين واستحواذها على النصيب الأكبر من القرار السياسي للمعارضة السورية ينتظر السوريون بمزيد من الترقب نتائج الانتخابات التي تستعد تركيا لإجرائها منتصف شهر أيار القادم؛ كونها تشكل اختبارا صعبا لحزب العدالة والتنمية وتحالفه الحاكم، خاصة مع التنبؤات التي يظللها عدم اليقين الذي أشاعه الزخم الانتخابي. ورغم أن رضى السوريين عن توجهات حزب العدالة والتنمية قد تراجع في الآونة الأخيرة نتيجة لما بدر من الحكومة التركية في الأشهر الماضية من تصريحات وتلميحات، بل وبعض اللقاءات التي تشير إلى إمكانية تطبيع العلاقات مع النظام السوري، إلا أن أهواءهم مازالت مع حزب العدالة والتنمية كون المنافسين المحتملين لطالما عبروا عن مواقف متطرفة تجاه اللاجئين السوريين، وعن رغبتهم بتطبيع العلاقة مع النظام السوري دونما قيد أو شرط.

الانتخابات الرئاسية

وفق الدستور التركي تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معًا في نفس اليوم، وفيما تحوم الشكوك حول إمكانية فوز الائتلاف الحاكم بالأغلبية النيابية تبدو الانتخابات الرئاسية محسومة لصالح الرئيس التركي الحالي “رجب طيب أردوغان”، وذلك لعدة اعتبارات أهمها: عدم وجود شخصية سياسية في الأوساط المعارضة قادرة على منافسة الرئيس “أردوغان” بشكل فعلي، والإرث السياسي الكبير الذي يمتلكه، بالإضافة إلى الخبرة الواسعة في قيادة المنافسة الانتخابية والكاريزما التي يتمتع بها. أما بخصوص تراجع شعبية الرئيس التركي نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فهذه قد تظهر تأثيراتها في الجولة الأولى من الانتخابات. أي، قد لا يتمكن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” من الفوز من الجولة الأولى كما حصل في المرة السابقة، إلا أن ذلك لن يستمر للجولة الثانية عندما يكون الناخب أمام خيارين لا ثالث لهما.

الانتخابات البرلمانية

ينزع الفاعلون في النظم السياسية الهيراركية إلى القفز إلى قاطرة المرشح الرئيسي أو الفائز الراهن، ويحاول هؤلاء زيادة مكاسبهم أو تقليل خسائرهم بالانحياز للطرف الأقوى. هذه القاعدة السلوكية تعني أن معطيات الواقع التي تعكسها استطلاعات الرأي والإحصائيات التي تظهر اليوم قد تتعرض لكثير من التغيرات في الأيام والأسابيع القادمة، وهنا يمكن القول إن المقدرة على الإقناع وإظهار الثقة بالفوز سوف تكون عاملا حاسما في ترجيح كفة أحد الأطراف. وعند الحديث عن المقدرة على الإقناع تبدو كفة الائتلاف الحاكم هي الأرجح نتيجة لتماسك كتلته في مقابل تحالف ظهرت عليه ملامح الهشاشة منذ الأيام الأولى للإعلان عنه، وبالإضافة لعوامل أخرى إعلامية ولوجستية ومالية ونفسية، يُتوقع ألا تحمل الانتخابات التركية القادمة أي تغيير يذكر. ورغم ذلك، يبقى عنصر المفاجأة حاضرا فيما يخص الانتخابات النيابية.

أثر الزلزال

لم تكن التوقعات الأولية بأن تخلق الكارثة التي أحدثها زلزال “كهرمان مرعش” حالة من الغضب والاستياء الشعبي في مكانها، بل على العكس من ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “تيم” زيادة شعبية الرئيس أردوغان 3% مقارنة بشهر كانون الثاني 2023. ويبدو أن فشل التوقعات بأن تؤدي الكارثة إلى استياء شعبي من الحكومة التركية مرتبط بعدة عوامل، أولها ما تشير إليه دراسات نفسية سابقة أُجريت على توجهات الناخبين في مناطق الكوارث؛ خلاصتها: إن آخر اهتمامات الشخص الذي تعرض للكارثة هو إجراء تغييرات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، لم يلاحظ الأتراك أن الحكومة فشلت في إدارة الأزمة، ولم يبخل الرئيس التركي في إطلاق وعود قوية فيما يخص تعويض المتضررين. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة أن 98% من المباني التي دمرها الزلزال بُنيت قبل العام 1999، أي قبل عامين من تأسيس حزب العدالة والتنمية. فضلًا عن أن الزلزال لم يدمر أي مبنى من المباني التي نفذتها شركة “توكي” للإنشاءات التابعة للدولة والمسؤولة عن إعادة الإعمار.

ماذا عن السوريين لو فازت المعارضة؟

تدعي المعارضة التي تسعى لهزيمة أردوغان أنها لا تسعى للوصول إلى السلطة فحسب، بل تسعى لتغيير النظام السياسي وإدارة اقتصادية مختلفة جذريا عن إدارة أردوغان، وتعد بتبني نهجا مختلفا كليا عنه في السياسة الخارجية. وفي هذا الصدد يمكن القول إن الاعتقاد بأن المعارضة قادرة على الالتزام بكل ما بدر عنها من وعود وعهود اعتقاد خاطئ، فالتصريح من موقع المعارض يختلف جذريا عنه من موقع المسؤولية، وخاصة فيما يتعلق بالسوريين وقضيتهم، فإعادة اللاجئين بالطريقة التي يتصورها البعض هي فكرة مستحيلة التنفيذ، إلا إذا قررت حكومة المعارضة أن تتحدى المجتمع الدولي وشرائعه، ويمكن هنا أن نذكر القارئ بموقف الحكومة اللبنانية وعجزها عن إعادة اللاجئين السوريين رغم وجود الرغبة. أما بخصوص التطبيع مع النظام السوري فليس أمام الحكومة التركية طريقا تسلكه سوى الطريق الذي بدأت الحكومة الحالية بسلوكه، وإلا اتهمت بالسذاجة والغباء. بل يمكن القول في هذا الصدد: إنه في حال كانت توجهات الحكومة الجديدة نحو الغرب قد يصبح ملف التطبيع أكثر تعقيدا.

إن تخوف الإنسان من التغيير الذي هو طبيعة بشرية، ووجود قناعة لدى المواطنين الأتراك بأن الدولة والتحالف الحاكم الحالي هم الأكثر كفاءة في معالجة تداعيات الزلزال، خاصة مع وجود تجارب إيجابية في حوادث سابقة، سوف تدفع الأتراك للإبقاء على الوضع الراهن. ورغم وجود احتمال لعنصر المفاجأة فيما يخص الانتخابات النيابية، إلا أن التغيرات بخصوص القضية السورية وقضية اللاجئين سوف تكون محدودة، ولكن رغم ذلك، فمستجدات الموقف التركي ومواقف الدول الإقليمية تدعو إلى القلق وتضع السوريين أمام موقف واحد: لا بد من التحرك بكل طاقاتهم وبالسرعة القصوى لإنقاذ قضيتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى