مقالات

مجلس عسكري أم جيش منظم؟

استحوذت الأخبار والمعلومات حول المجلس العسكري المزمع تأسيسه برئاسة العميد المنشق مناف طلاس اهتماما مبالغا فيه من الشارع الثوري، ولعل الملفت للانتباه أن الأغلبية تعاملت مع هذه الفكرة أو المعلومة على أنها مشروع للحل في سوريا جاء بناء على توافق دولي. لذلك، انقسم الشارع بين مؤيد ومعارض، وحول هذا دارت السجالات.

انطلق الأمر في بدايته كفكرة (تشكيل مجلس عسكري) يعمل البعض على تحويلها إلى واقع، أو إلى كيان أو جسم كباقي الأجسام المحسوبة على الثورة، لكن طبيعة النقاشات التي أثيرت حولت هذه الفكرة لما يشبه الإشاعة، انطلقت ولم يعد بالإمكان إيقافها. فرغم أن الذين أثاروا هذه الفكرة قالوا وكرروا وأعادوا الكرة أن الموضوع لا يعدو عن كونه طرح ذاتي لا أحد خلفه سواء من القوى الدولية أم القوى الإقليمية، ورغم أن القوى الدولية والإقليمية منها من أنكر علمه بهذا المجلس، ومنها من لم يسمع به حتى الآن. مازالت بعض السجالات تدور حول مدى نجاعة حكم العسكر. بين من يرفضه رفضا قاطعا، ومن يروج له محاولا إقناع الآخرين بأنه الحل الأمثل في المرحلة القادمة.

رغم ذلك، فالطرح الأساسي لفكرة المجلس العسكري ليس ببعيد عن طبيعة السجالات التي تدور، فالفكرة في أساسها ترى أن مجلس الحكم الانتقالي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254 يفضل أن يكون مجلسا عسكريا وليس مدنيا، باعتباره مناسبا أكثر لطبيعة المرحلة. إذن، فالإشكال الرئيسي يكمن في كون السجال إنما يدور حول فكرة مطروحة للتنفيذ فيما لو قررت الأطراف الفاعلة في الملف السوري تطبيق القرار 2254 كما تفسره الأغلبية. أي، بعد تخلي روسيا عن تفسيرها الخاص لهذا القرار، وهو أمر حسب الواقع على الأرض بعيد المنال، وكحد أدنى، بعيد المنال في المدى المنظور.

رغم التسطيح الشديد في تناول الموضوع، إلا أنه يثير تساؤلات عدة تحتاج إلى التوقف عندها، ولعل أهم هذه التساؤلات يتوجه نحو تصور البيئة التي سوف يمارس فيها مجلس الحكم الانتقالي عمله فيما لو تم التوصل إلى تلك اللحظة، سواء كان هذا المجلس عسكريا أم كان مدنيا، خاصة وأنه من المفترض أن يكون مجلسا مشتركا مشكلا من أطراف الصراع. فلنتصور مثلا أن المجتمع الدولي توصل من خلال توافقات معينة إلى ضرورة تطبيق القرار 2254، وأجبر رأس النظام على التنحي، وشُكل مجلس الحكم الانتقالي وأوكلت إليه مهمة إدارة المرحلة الانتقالية. والسؤال المهم هنا: أي نوع من النفوذ سوف يكون لممثلي قوى الثورة؟ وأي بيئة تلك التي سوف يعملون فيها؟ وما مدى مقدرتهم على مقارعة الطرف الآخر الذي يمتلك كل شيء، سواء من ناحية الحنكة والخبرة، أو من ناحية التحكم بمؤسسات الكيان السياسي القائم؟

في الواقع، كل التصورات من هذا النوع إذا كانت مبنية على أسس علمية وعقلية ومنطقية توحي بالتشاؤم، فالقضية في النهاية: هي ذهاب مجموعة من الأشخاص للعمل في مؤسسات مهيمن عليها من قبل الشريك المفترض، فالحالة سوف تكون أشبه بمباراة في أرض الخصم وبين جمهوره وبلعبة هو يتقنها ويتفوق بها. وهذا يعني أن الفريق الذي يمثل النظام سوف يبتلع الفريق الذي يمثل قوى الثورة، ومن ثم: رويدا، رويدا؛ سيشعر الناس أنهم كانوا ضحية كذبة كبرى اسمها “الحل السياسي”، وأنهم عادوا بحريتهم إلى أحضان النظام، وإن كان برأس مختلف. وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه يجب رفض الحل السياسي، بل يعني أنه يجب الاستعداد له من أجل ولوجه بقوة.

عندما تذكر القوة، من الطبيعي أنه أول ما تستحضره الذاكرة هو القوة العسكرية، وهذا طبيعي، فما الذي يمكن أن يعطي جهة ما القوة في مثل هذه الحالة أكثر من القوات العسكرية؟ من هنا، فالمضي قدما في عملية مأسسة الجيش الوطني السوري بخطوات مدروسة ومتسارعة للوصول به إلى مستوى الجيش الاحترافي المنظم يعتبر البديل الأكثر مردودا، والفكرة الأكثر نضجا، لأنها الفكرة الوحيدة المتاحة التي يمكنها أن تخلق من خلال تطبيقها واقعا جديدا بإمكانه أن يوحي بإجابات حول التساؤلات السابقة تكون أكثر تفاؤلا.

فرق كبير بين أن يكون لدى قوى الثورة مؤسسة عسكرية مؤهلة للانخراط الفوري في الكيان السياسي الجديد الذي يمكن أن ينبثق عن الحل السياسي، وبين أن يكون لديها قوى مبعثرة أغلب الظن أنه سوف يطلب تفكيكها إن لم تكن على درجة كافية من التنظيم، أو إعادة إدماج عناصرها فرادى في المؤسسة العسكرية للنظام في أحسن الأحوال. وفرق كبير بين أن يكون لديك مجموعة من الأجسام التي تفتقر إلى القوة الفعلية، سواء كانت أجساما عسكرية أم مدنية، وبين أن يكون لديك جيش منظم. أي، قوة يحسب لها حساب سواء في السلم أم في الحرب. وفرق كبير بين المشاركة الفعلية المدعومة بقوة فعلية، وبين المشاركة التي هي في أحسن الأحوال مشاركة بطعم الاستسلام. وهنا يجب التذكير أن قوى الثورة هي الجهة الوحيدة التي تعاني من هذا الضعف. أي، عدم وجود قوة منظمة فعلية على الأرض يمكن الاستناد إليها عند التفاوض وعند الحل. لذلك، لا يستغرب -إن استمر الأمر على هذا المنوال- أن تكون قوى الثورة هي الحلقة الأضعف في أي معادلة يمكن أن تصاغ للحل مستقبلا.

خلاصة القول: إن توجه قوى الثورة نحو العمل المؤسسي وعلى رأسها الجيش الوطني يجب أن يتحول إلى هدف يسعى الجميع إلى تحقيقه، لأنه الضمانة الوحيدة لتلافي الهزيمة بشتى أنواعها، فالجيش الاحترافي المنظم هو صمام أمان الثورة سواء بالحرب أم بالسلم، وحول هذا فليتكلم المتكلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى