مقالات

هل يستغل النظام السوري الضعف الأمريكي؟

عندما يكون الحديث عن الولايات المتحدة، فهو حديث عن نظام ديمقراطي. أي، نظام سياسي يخضع لقيود في مجال توظيف الموارد لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، ويثير موضوع الضوابط معضلة النظم الديمقراطية في صنع السياسة الخارجية، وفي هذا الصدد يقول حامد ربيع: إن النظم الديمقراطية تتسم بعدة خصائص تحد من فعالية السياسة الخارجية. أهم هذه الخصائص هي مراجعة ومحاسبة الحكام، والمساواة السياسية بين المواطنين من حيث إمكانية تولي وظائف إدارة السياسة الخارجية بصرف النظر عن معتقداتهم السياسية، وحرية المواطن في النشاط الخارجي دون رقابة من الدولة، وحق المواطن في الحصول على المعلومات وهو ما يفرض مبدأ العلنية الذي يتعارض مع فعالية السياسة الخارجية.

باختصار، يمكن القول إن تورط أمريكا في حربي العراق وأفغانستان وفشل أمريكا فيهما، قد خلق مزاجا عاما معاديا للحرب يشبه إلى حد بعيد ذلك المزاج الذي أعقب حرب فيتنام. وما حصل بعد حرب فيتنام التي انتهت عام 1975، أنه منذ ذلك الوقت لم يتجرأ رئيس أمريكي على التورط في حرب مماثلة إلى أن جاء جورج بوش واتخذ قراره بغزو العراق. والمقصود هنا: الحروب الممتدة التي تضطر فيها الولايات المتحدة لزج أعداد كبيرة من الجنود في الأعمال القتالية على الأرض. ونتيجة لأن حرب العراق حديثة العهد، فقد تعرض الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” لضغوط شديدة، ولقي معارضة واضحة لدى مشاركته الحلفاء في الحرب الليبية بالرغم من أنها كانت مشاركة خجولة واقتصرت على الأعمال الجوية.

وهكذا، تماشيا مع المزاج العام، أصبح ينظر للأفكار المنادية بالتصعيد غير المحسوب العواقب على أنه خطيئة. وعلى سبيل المثال، عندما أقال ترامب أحد صقور إدارته مستشار الأمن القومي “جون بولتون” ذكر إن بولتون يريد أن يورط أمريكا في حرب مع إيران، وذكرت “نيويورك تايمز” أن ترامب ظل يشتكي منذ فترة طويلة سراً من أن بولتون كان على استعداد لإدخال الولايات المتحدة في حرب أخرى. وفي نفس السياق، وبعد أن قامت القوات الأمريكية بتصفية الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” تخوف الكونجرس من أن تتورط الإدارة الأمريكية في حرب مع إيران، ووافق الكونغرس الأمريكي، بشكل نهائي على قرار يحد من صلاحية الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” بإجراء عمل عسكري ضد إيران.

رغم أن الولايات المتحدة صاحبة أقوى ترسانة عسكرية في العالم، ويعززها أقوى اقتصاد في العالم. إلا أنها ليست كلية القدرة، وها هي اليوم تسحب قواتها من أفغانستان بطريقة لا يمكن وصفها إلا بالهزيمة النكراء. من هنا يمكن القول: إن الولايات المتحدة منذ عهد أوباما حتى نهاية عهد ترامب تمر بحالة ضعف شديد، وبالتحديد، على مستوى اتخاذ القرار بالتدخل العسكري، وحالة الضعف هذه، كان النظام السوري وحلفاءه قد اكتشفوها منذ زمن بعيد، وهو ما دفعهم لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد الثوار في أكثر من موقع. ومنذ زمن بعيد يلمح مسؤولو النظام السوري بما يسمونه المقاومة للوجود الأمريكي في سوريا، ومحاولات النظام السوري التواصل مع العشائر العربية في المناطق التي تتواجد فيها القوات الأمريكية لم تتوقف، في محاولة لخلق نوع من البيئة الأمنية المضطربة التي تهدد حياة الجنود الأمريكيين، فالنظام السوري يعتقد أنه في حال تمكن من إلحاق بعض الخسائر البشرية بالقوات الأمريكية سوف يتسبب بانسحاب هذه القوات في ظل عجز أمريكي عن شن حرب شاملة، وعدم مقدرة على تحمل الخسائر بالأرواح.

على مبدأ: “يصفع الذّئب جبهةَ اللّيث صفعاً …. إن تلاشَت أنيابُه والأظافر” قد يعتقد النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيين أن اللحظة مناسبة للإيعاز لبعض العملاء بتنفيذ بعض الاعتداءات على القواعد الأمريكية، وهذا إن حصل سوف يضع الإدارة الأمريكية في موقف محرج. لكن الاعتداء الذي تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام منذ بضعة في حقل العمر أتى من مناطق تمركز الميلشيات الإيرانية غرب نهر الفرات، وهو ما يمكن تفسيره على أنه فشل من قبل النظام والإيرانيين في تجنيد العملاء الذين لديهم الاستعداد لتنفيذ هجمات عسكرية. ولعل هذه الفكرة لا تجانب الصواب، خاصة إذا علمنا أن القوات الأمريكية تستقر في مناطق تسيطر عليها “قسد” الموالية للولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة تعلم جيدا أن النظام السوري وحلفاءه يخططون لمثل هكذا أعمال. أي، هي محتاطة لمثل هكذا تصرفات، وهي في هذا السياق يمكنها أن تنفذ بعض الضربات الوقائية تجاه الميليشيات الإيرانية، لكنها لن تستطيع فعل ذلك في حال كانت الأعمال العدائية من داخل المناطق التي تسيطر عليها قسد.

ما يزيد من احتمالات التحرش بالقوات الأمريكية أن الروس والأمريكان على ما يبدو قد توصلوا لنوع من التفاهم غير المعلن بخصوص القضية السورية، وهو يثير حفيظة النظام السوري والإيرانيين ويدفعهم لارتكاب بعض الحماقات التي من شأنها أن تخلط الأوراق.

الأمريكيون من جهتهم وجهوا رسالة واضحة بقولهم: لن ننسحب من سوريا وقواتنا باقية هناك، وهو ما يعني: إننا جاهزون لكل احتمال، فهل يغامر النظام السوري والإيرانيون بالاعتداء على القوات الأمريكية، أم يؤجلون هذه الفكرة إلى موعد آخر، فالإدارة الأمريكية الجديدة تبدو أكثر حزما تجاه الملف السوري من الإدارتين السابقتين رغم تصريحاتها المحدودة بخصوص القضية السورية، لكنها عندما كانت تصرح كانت تعبر عن استراتيجية مختلفة، وإن لم تتضح ملامحها بعد. ولكن، بالعموم، يمكن القول إنها تبدي الكثير من الالتزام بما تصرح به، كما أنها تسخِّر الموارد اللازمة لتحويل القول إلى فعل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى