مقالات

كورونا لا يصيب الشياطين

قبل أيام قليلة، وزارة الصحة لدى النظام السوري تدعو المواطنين إلى التقيد بالإرشادات الوقائية اللازمة محذرة من موجة وبائية جديدة، وبعدها، تعلن الجهات الرسمية لدى النظام إصابة بشار الأسد وزوجته بفيروس كورونا، وأن الاثنين سيتابعان عملهما خلال قضائهما فترة الحجر الصحي المنزلي التي ستستمر إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. جاءت هذه الأخبار والليرة السورية تشهد انخفاضا بقيمتها وصل لأرقام قياسية، والأوضاع المعيشية والاقتصادية في حالة يرثى لها.

عندما تصبح الكذبة مكررة، وخاصة من قبل نظام امتهن الكذب، تصبح الكذبة ممجوجة. لذلك، قوبل الخبر بمزيد من التهكم والسخرية، وذهب البعض إلى محاولة العثور على الغرض من وراء هذا الادعاء. وذهبت معظم التوقعات باتجاهين اثنين؛ أولهما أنه محاولة لاستعطاف جمهوره المحبط كمقدمة لحملة انتخابية، وثانيهما أنه محاولة للتهرب من بعض الاستحقاقات الملحة.

لا شيء مستبعد، ورغم موجة التهكم والاستهجان التي أطلقها الشارع الثوري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن نظام الاستبداد لديه إيمان مطلق بغباء السواد الأعظم من حاضنته، كما أن رأس النظام – على ما يبدو – لديه هوس باستغباء الناس، وأغلب الظن أنه يشعر بالمتعة والألمعية عندما يمارس تلك الألاعيب السخيفة. لذلك، هو لن يتوقف عنها، ولن يفقد الأمل بنجاعتها على مستوى جمهوره كحد أدنى.

     يمكن الجزم أن مسرحية الترشح للرئاسة قد اكتمل نصها وبدأت فصولها بالعرض، فبالتزامن مع إعلان إصابة رأس النظام وزوجته بفيروس كورونا، كشفت وسائل إعلام النظام عن انطلاق ما وُصف بالفعالية الوطنية لإنجاز ما أسموه: “أطول رسالة حب في العالم”، وهي عبارة عن لفافة قماش يصل طولها إلى ألفي متر، وستحملها سيارة وتحيط بها أربع عشرة فتاة، ستنطلق من مقر قصر الرئيس في جبل قاسيون لتجوب جميع المحافظات السورية ثم تعود مرة أخرى إلى دمشق مع توقعات بجمع ما يقارب 2.5 مليون توقيع، وسيُطلب بعدها تسجيل هذه الرسالة في موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

بعد أن تنهي اللفافة رحلتها تكون فترة النقاهة التي أمضاها رأس النظام بالضحك والسخرية من مؤيديه قد انتهت، فيخرج البطل الذي هزم كورونا على جمهوره خروجا أشبه بصعود أبطال الملاكمة إلى الحلبة، حيث الاستعراض والإثارة؛ مقدما مادة دسمة يقتات عليها إعلامه. ولا بأس إن صاحب ذلك أو تبعه تحسن بسعر الليرة السورية، وبعض الفتات هنا وهناك.

على مستوى البيئة الإقليمية والدولية واضح أن المهمة تكفلت بها روسيا، وها هو وزير خارجيتها سيرجي لافروف يقوم بجولة في المحيط، ويتواصل هنا وهناك ليحصل على بعض المواقف والتصريحات التي لا يمكن تفسيرها غير أنها مباركة معلنة بترشح رأس النظام لرئاسة سوريا مرة أخرى.

هذا فيما يخص جمهوره وما يخص البيئة الإقليمية، ولكن ماذا عن البقية، ماذا عن المتمردين؟ أولئك الذين خانته السبل لتركيعهم، وجعلهم كالباقين يصفقون لمن قتلهم وجوعهم ودمر وطنهم. أولئك الذين يصفونه بصفاته الحقيقية بعد تحررهم من العبودية والخوف، أولئك الذين يؤرق السفاح وجودهم. أولئك الذين لطالما قال النظام لجمهوره الخائف: انظروا إلى من يتمرد على سلطتي وجبروتي كيف تكون حالته.

في الآونة الأخيرة، وبعد أن ارتبط الجانب الروسي بكثير من التفاهمات، وبعد تعرضه لكثير من الضغوط؛ يبدو أن خطوط التماس قد ثُبّتت إلى حد ما، وبدأت المناطق الخارجة عن سلطة النظام تشهد نوعا من الاستقرار النسبي، وأصبح واضح للعيان أن الأوضاع المعيشية لسكان المناطق الخارجة عن سلطة النظام أفضل من أوضاع سكان المناطق الخاضعة لسيطرته. وحتى الحالة الأمنية في تلك المناطق تعتبر مستقرة إلى حد ما إذا ما قيست بزمن القصف والحملات العسكرية التنكيلية.

تحطيم الآخر ليصبح أدنى مرتبة منك هو البديل الوحيد المتاح أمام النظام السوري في ظل عجزه عن النهوض بمستوى أدائه، والتحضيرات بهذا الشأن هي الأخرى بدأت تتوضح ملامحها، فروسيا كررت تصريحاتها بأن جبهة النصرة تحضر لاستفزاز كيميائي جديد في إدلب وريفها، وتم توجيه تهديدات للقوى الكردية لوقف تصدير النفط إلى المناطق المحررة، وقصفت المنطقة التي يكرر فيها النفط حول مدينة الباب، وأعلن النظام عن فتح ممرات آمنة إلى مناطقه في محاولة لتضليل الرأي العام، والآن، يتم التحضير لمؤتمر في لبنان لعودة اللاجئين والمهجرين السوريين بهدف إقامة الحجة وتقديم المبررات لما هو آت.

ما هو آت لا يمكن التنبؤ بتفاصيله، لكنه سيكون نتاج ومحصلة لتفكير وتخطيط خبيث وحاقد، ومع اقتراب موعد التمديد لقرار مجلس الذي يتيح للمنظمات الدولية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون موافقة النظام، يعود للذاكرة تصريح بشار الجعفري الذي قال أثناء معركة إدلب الأخيرة بأن النظام ينوي إصلاح مطار حلب بعد فتح الطريق الدولي بحيث لا تعود هناك حاجة لإدخال المساعدات عبر الحدود. وقتها، نجحت روسيا بتقييد عمل المنظمات الدولية وحصر إمكاناتها بالدخول من خلال ممر واحد هو معبر “باب الهوا”، وقد أثار اختيار الروس لهذا المعبر بالتحديد الكثير من التساؤلات وقتها، وذهبت أغلب التوقعات إلى أنه المعبر الذي يمكن إغلاقه في أي لحظة بسهولة أكثر.

إذن، مع اقتراب موعد التمديد لقرار إدخال المساعدات عبر الحدود، وضمن سياق أسلوب تحطيم الآخر المرافق للحملة الانتخابية، فقرار التمديد في خطر، ولكن لا أحد يستطيع الجزم إن كانت روسيا ستنجح في إيقافه، أم أنها ستنجح في المساومة عليه. أي، الموافقة على التمديد مقابل تخفيف الضغوط عن النظام، ولكن المؤكد أن قرار التمديد لن يمر مرور الكرام.

يعلم السوريون أن كورونا لا يصيب الشياطين، لذلك لم يصدق أحدهم أن رأس النظام مصاب بكورونا، لكنهم يجب أن يعلمون أيضا أن اختيار النظام للإعلان عن بدء حملة الترويج لرأسه من خلال الادعاء بأنه مصاب بكورونا دليل على أن هذه الحملة سوف تكون أكثر خبثا وقذارة وأذية من فيروس كورونا ذاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى