مقالات

قناة خلفية أمريكية – روسية أقرت الحل السياسي

أمريكا وروسيا قد تواصلتا أخيرا إلى صياغة متفق عليها، وبالتشاور مع الدول الفاعلة في المنطقة “تركيا وإيران وإسرائيل والسعودية” لتحديد مسار الحل في سورية، وقد نتجت هذه التفاهمات عبر قناة دبلوماسية خلفية تم إنشاؤها في فترة معركة حلب، والتي كانت أولى نتائجها تفاهم كيري لافروف الشهير، فما هي أبرز البنود التي تمت مناقشتها عبر هذه القناة وإلى ماذا أفضت بالنهاية:

أولا: مصير بشار الأسد: فأمريكا ترى بأن بشار الأسد قتل مئات الآلف وبقاءه يعني استمرار الصراع دون نهاية، أما الروس فما زالوا يتبنون نفس الرواية بأن بشار وصل بطريقة قانونية عبر دستور ساري المفعول، وعليه فتغييره سيكون بإحدى وسيلتين: إما انتهاء مدته الدستورية في عام 2028، أو الاتفاق على دستور جديد خلال هذه الفترة بين جميع الأطراف ينهي ولايته ويمنعه من الترشح.

ثانيا: مصير المؤسسة العسكرية: الروس يصرون على حصر السلاح في مؤسسة الجيش العربي السوري باعتباره مؤسسة الدولة السورية، والأمريكيون يقرون بضرورة بقاء مؤسسة عسكرية واحدة فقط في سورية، ولكن هذا يتم من خلال إعادة هيكلة هذه المؤسسة لتضم كلا من قوات الجيش الوطني السوري وقوات قسد، وقد اتفق الطرفان على صعوبة تحقيق ذلك حاليا، وبالتالي بقاء كل قوة ضمن مناطقها الحالية.

ثالثا: السلم الأهلي وعدم الاقتتال الداخلي: أقر الطرفان بصعوبة تحقيق ذلك في الفترة الحالية بسبب ارتفاع حدة الحقد المتبادل بين المكونات السورية، وترك هذا الأمر لعامل الزمن.

رابعا: إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية: قدمت روسبا مقترحا يتضمن إطلاق مشروع دولي لإعادة الإعمار في سورية ممولا من الدول الغربية، ولكن أمريكا ربطت الأمر بتحقيق خطوات ملموسة بالحل السياسي والاتفاق على الجهة المسؤولة عن عملية إعادة الاعمار مع وجود ضمانات لهذه العملية، ولكن روسيا تصر على أن النظام ومؤسساته هي الجهة الوحيدة المخولة في ذلك، بينما أمريكا تفضل العمل مع الشركاء المحليين، وعليه ستبقي هذه العملية في المدى المنظور محصورة بدعم كل دولة فاعلة في الملف السوري لحفائها المحليين.

خامسا: ملف اللاجئين: وهو الملف الأكثر اتفاقا بين الدول فروسيا وأمريكا وأوروبا وتركيا متفقين على ضرورة إعادة اللاجئين، ولكن ظهرت هناك مشكلة في قدرة المناطق السورية على استقبال السوريين في ظل الحالة الأمنية والاقتصادية المدمرة في كل المناطق السورية، وعليه فقد تم ربط تفعيل هذا الملف بعملية إعادة الاعمار.

سادسا: تحييد القوى المصنفة على أنها إرهابية أو متشددة كالمليشيات الشيعية في مناطق سيطرة النظام أو خلايا حزب العمال الكردستاني في مناطق قسد أو قوات داعش في البادية أو المجموعات المصنفة إرهابيا في مناطق سيطرة المعارضة، فقد أقر الجميع بعدم القدرة على تحقيق ذلك وبغياب وجود ضمانات حقيقة في حال البدء بحل سياسي من أن تستغل هذه القوى حالة الانتقال لترسيخ نفسها كقوة يصعب التعامل معها أو القضاء عليها مستقبلا.

وقد اتفقت الأطراف على عقد جولة أخيرة لتقييم التفاهمات وكيفية نقل الواقع الحالي باتجاه التفاهم الجديد، وفي جولة التقييم وبعد قراءة بنود التفاهمات بدا واضحا للجميع أن ما تم الاتفاق عليه هو الواقع الحالي ليس أكثر.  وعليه، فالخلاصة بأنه لا حل قريب في سورية، وأفضل حل متفق عليه دوليا لا يتعدى أكثر من زيادة درجة تجميد الوضع الحالي، وأن البديل عن هذا الواقع لن يكون إنتاج حل سياسي بل إعادة تحريك عجلة المعارك العسكرية وهي عجلة مكلفة جدا بسبب التواجد المباشر للجيوش العسكرية لكل من أمريكا وروسيا وتركيا وإيران في سورية.

إن ما يهم في هذا  السيناريو  المبني على التحليل هو أنه  يتطابق مع الواقع الحالي وتفرضه موازين القوى والرؤى السياسية للدول الفاعلة، وأمام هذا الواقع بات من المهم والحيوي أن نعيد ترتيب طريقة تفكيرنا بالنسبة لمستقبل مناطقنا وسكانها على الأقل في  المدى القريب، فهناك مساحات يجب العمل عليها ولعل أهمها كيفية بناء نموذج إدارة فعال في المنطقة وتحسين مستوى معيشة الأفراد في المنطقة والبحث عن نوع من الاعتراف القانوي الجزئي، كما يجب أن ندرك بأن تطورات القضية الأوكرانية هي حمالة أوجه وقد يكون غالبية أوجهها سلبية بالنسبة لنا رغم اكتنافها لبعض الفرص، ولعل واحدة من أهم هذه الفرص هي تحسن العلاقات التركية الامريكية، والذي لن ينعكس بإعادة تفعيل الجبهات العسكرية، كما يتوهم البعض بل يمكن أن يحمل معه فكرة الاتفاق على طريقة إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بما يجعل نصر روسيا العسكري خاوي من مضمونه السياسي، وكي لا يكون كلامنا مجرد تصورات لا حالة تطبيقية مماثلة لها فيكفي أن نعيد التذكير بالحالة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، فعندما اتفق كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا على توحيد الأقسام الألمانية التي يسيطرون عليها تحت إدارة واحدة وبدعم غربي من خلال مشروع مارشال نهضت المانيا الغربية بينما عاشت المانيا الشرقية تحت مظلة شيوعية مهترئة، وفي النهاية حطم الألمان الشرقيين جدار برلين للالتحاق بألمانيا الغربية ونبذوا الشيوعية بما فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى