مقالات

النظام غير مكترث بالضائقة!

كثيرة هي المغالطات التي يسوقها البعض في الشارع السوري، والتي تؤدي في غالبيتها إلى مزيد من اليأس والتشاؤم والقنوط، ولا يلام المواطن العادي في تقبل مثل هذه المغالطات فتعثر الثورة السورية وانسداد الأفق كفيل بأن يجعل معظم السوريين يتقبلون كل ما يقال. ولعل المغالطة القائلة “إن النظام غير مكترث بالضائقة الاقتصادية والعقوبات التي فرضت وتفرض عليه، ولا أحد يتأثر بها سوى المواطن المسكين” مغالطة أو مقولة تستحق الوقوف عندها مطولا. فهذه المقولة مبنية على نظرة شديدة التسطيح، تظهر وكأن رموز السلطة لا هم لهم سوى الحصول على رغيف الخبز وأسطوانة الغاز وتيار كهربائي لا ينقطع ووقود لسيارته، بالإضافة إلى لقمة شهية ولباس فخم وغير ذلك من مظاهر الحياة. إذا كان الأمر كذلك؛ فهم بالفعل لم ينقصهم شيء من ذلك، والذي عاني من نقص أدنى متطلبات الحياة هو المواطن البسيط فقط.

مازال النظام السوري حتى هذا اليوم يدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين الذي يقيمون في المناطق المحررة رغم الضائقة المالية التي يمر بها، فما الذي يدعوه إلى فعل ذلك؟ أليس من أجل أن يظهر بمظهر الحكومة التي تقوم بواجباتها أمام مواطنيها على أكمل وجه؟ أليس من أجل إضفاء شرعية على تحكمه بالسلطة؟ أليس من أجل إبقاء هؤلاء مرتبطين به؟ ومن يهتم لأمر هؤلاء حري به أن يهتم بأمر المتواجدين في المناطق الواقعة تحت سيطرته والمحسوبين أنهم موالون مئة بالمئة.

لقد أسقطت العقوبات الاقتصادية والضائقة الناجمة عنها كل أوراق التوت التي ستر النظام بها عوراته لسنوات طويلة، ولعل أبرز ما تعرض له النظام من خلال هذه الضائقة هو فقدانه لأهم محاججة كان يتبجح بها، وهي ادعائه بتوفير الأمن والأمان، فمع الفوضى العارمة ومع الفقر المدقع الذي يجتاح تلك المناطق انتشرت الجريمة والرذيلة والسرقة والخطف وغيرها من المظاهر التي تشير بكل وضوح إلى أن المناطق التي يسيطر عليها النظام هي الأقل أمنا وأمانا من بين كل المناطق السورية الأخرى.

بالأمس القريب، كان البسطاء في مناطق النظام يمنون النفس بانتصار أصبح على الأبواب مصحوب بفرج قريب، إلا أن الذي حصل: لا النصر جاء ولا جاء الفرج. وتبين لهؤلاء المساكين أن كل ما قيل لهم ليس أكثر من إشاعات مضللة الهدف منها إبقائهم على حالة التحشد خلفه ومزيد من الصبر لعل القدر يأتي بمعجزة. وكما تقول أم كلثوم في إحدى أغنياتها: “إنما للصبر حدود”.

أجل، وبكل تأكيد، أصبحت الغالبية العظمى ممن هم في مناطق النظام تنتظر زوال هذا النظام على أحر من الجمر. لقد أيقن معظم السوريين ممن كانوا يسمون بالأمس موالاة أن زوال كابوس الفقر والضائقة والقلة مرتبط بزوال هذا النظام. وعليه، من السذاجة القول بأن النظام لا يكترث بكون حاضنته أصبحت تتمنى زواله اليوم قبل غد. هو ليث مكترث فقط، بل تحول إلى متسول يتسول المساعدات من بعض الأصدقاء الذين هم ليسوا بأحسن حال منه، وتحول إلى مهرب مخدرات يغامر بكل شيء من أجل الحصول على المال، وتحول لص يمد يده إلى جيوب المقربين إليه.

ولعل الأرقام الفلكية التي تتداول في مناطق النظام مقابل منزل أو سيارة فارهة لن تسعد بشار بشكل كبير، فهو يدرك بأن المواطن العادي سيوارده السؤال التالي، من يشتري هذه الأمور؟ بينما أنا أقف ساعات لتأمين ربطة الخبز، وليس السؤال ببعيد الجواب، فكل البشر تدرك أن السلطة القائمة هي أكثر من يؤثر على طبيعية حياتهم وبالتالي هي من ستتحمل وزر سوء الوضع القائم.

ورموز السلطة لديهم الاستعداد لتبادل نمط الحياة مع المواطن إن كان في هذا منجاة لهم. ليس حبا بالمواطن، وإنما حبا بالسلطة. لكن، هيهات هيهات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى