أردوغان .. حل في سوريا على غرار “كاراباخ”
للمرة الثانية يوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين لإيجاد حل في سوريا على غرار “كاراباخ”. وكان في وقت سابق قد أعرب عن أمله في أن تبدأ مسيرة سلام في سوريا على غرار ما حدث في إقليم “كاراباخ” المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا ففي الحادي عشر من تشرين الثاني قال: إنه “لتحقيق ذلك يجب إقصاء النظام السوري والتنظيمات الإرهابية”، مؤكدًا أن “تركيا مستعدة للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية الفاعلة من أجل إنشاء سوريا جديدة تلبي تطلعات شعبها بشكل مباشر”، وفقًا لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية. ولفت إلى إمكانية الإقدام على خطوات في سوريا وليبيا، مماثلة لتلك التي جرى الإقدام عليها في كاراباخ. وتحدث الرئيس التركي عن التوصل إلى اتفاق مع روسيا يقضي بتأسيس مركز مشترك لمراقبة وقف إطلاق النار في إقليم “كاراباخ” المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، إلى جانب قوة حفظ سلام مشتركة في المنطقة. وقال الرئيس التركي، “إن المركز سيكون ضمن الأراضي الأذربيجانية”، وأنه سيضطلع بـ “اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع أي انتهاك لوقف إطلاق النار”، وأضاف أن قوات بلاده ستشارك في “قوة حفظ السلام” مع الجانب الروسي لمراقبة تطبيق الاتفاق. وأشار إلى أن عودة المهجرين الأذربيجانيين إلى أراضيهم ستتم بإشراف مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وكان لافتا أن الطرح التركي لم يحظى باهتمام إعلامي مناسب، وخاصة من جانب المعارضة رغم أن الرئيس التركي طرح طريقة لحل الصراع في سورية، فعن أي حل يتحدث الرئيس التركي، وماهي تصوراته لهذا الحل؟
بداية، لا بد من الإقرار أن أوجه الشبه بين الحالتين تكاد تكون غير موجودة، فحتى طبيعة النزاع مختلفة، فبينما كان النزاع في كاراباخ حربا بين دولتين، تصنف الحرب السورية على أنها حرب أهلية، وبكلام أكثر دقة: هي حرب إبادة يشنها النظام الحاكم على الشعب. وكذلك الأمر بالنسبة لطبيعة المواجهة بين تركيا وروسيا، فروسيا لم تكن تدعم أرمينا، وكانت تدعو إلى إعادة الإقليم إلى أذربيجان وتعتبره أرضا أذربيجانية.
من أجل اجتراح قراءة لدعوة الرئيس التركي ومقاربة الحالتين، يمكن التركيز على وجود النزاع بغض النظر عن طبيعته، وبما أن أرمينيا فوضت روسيا بأن تجد الحل المناسب، فهذا يعتبر بمثابة الوصاية الروسية على أرمينيا. أي، ربما يرى الرئيس التركي أن النفوذ الروسي في سوريا يؤهلها لأن تفرض الحل الذي تراه مناسبا بالاتفاق مع الجانب التركي. وبهذا المعنى، يرى الرئيس التركي أنه لا وجود للنظام السوري على أرض الواقع، أو لنقل، ربما يرى أن النظام السوري مدعو لموقف أقرب إلى الاستسلام شبيه بموقف الحكومة الأرمينية التي وجدت لها مخرجا من إعلان الاستسلام بشكل مباشر بأن جعلت روسيا وسيطا في إنجاز الاتفاق – الاستسلام، وبما أن روسيا وتركيا أنجزتا الاتفاق حول إقليم كاراباخ بسهولة ويسر، يمكن إنجاز اتفاق آخر مشابه له من حيث المرونة.
وفي قراءة ثانية لتصريح الرئيس التركي، ربما المقصود التوصل لاتفاق يتضمن وقفا نهائيا وكاملا لإطلاق النار وإنهاء الحرب والتوقف عند حدود مناطق النفوذ الحالية، إلا أن هذه القراءة تبدو غير منطقية، فالدعوة لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب لم تتوقف من قبل الأتراك أبدا، وتصريح الرئيس التركي الذي يدعو فيه إلى إنجاز اتفاق على غرار اتفاق كاراباخ يعتبر أكثر عمقا وشمولية من ذلك.
لعل القراءة الأكثر منطقية ترتكز على التشابه الوحيد بين الحالتين: الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، والحرب السورية، وهو وجود أقلية بحاجة إلى حماية بعد أن تفقد مظلتها التي كانت تحتمي بها، والتي هي دولة مجاورة بالنسبة إلى الأقلية الأرمينية، والسلطة بالنسبة للأقلية العلوية في سوريا، وكلتا الأقليتين كانتا قد أساءتا إلى شعب بلديهما. لذلك، خشية من أعمال انتقامية تكفلت روسيا بحماية الأقلية الأرمينية في إقليم كاراباخ. فهل يدعو الرئيس التركي إلى حل يتضمن حماية الأقلية العلوية في سوريا من قبل روسيا، أم يدعو لشيء آخر مغاير لكل ما تم التنبؤ به في هذا المقال؟ وهل ستستطيع تركيا إقناع روسيا بطرحها الجديد؟
أخيرا، ربما يرى البعض أن كل ما ورد في هذا المقال مبالغ فيه، إلا أن الرسائل القادمة من واشنطن “بايدن” قد تدعو أطراف النزاع في سورية إلى استباق الحدث بإنجاز اتفاق سريع أي كان نوعه، وروسيا بالتحديد تعلم جيدا بأنها قريبا سوف تبدأ بالترحم على أيام الرئيس السابق “دونالد ترامب”.