ماذا بعد .. الاستقرار أم جولة حرب جديدة
هناك عبارة تنسب إلى مدربي كرة القدم، ومنهم المدرب الشهير “أرسين فينغر” مدرب فريق “أرسنال” السابق، وهي عبارة “ماذا بعد؟” تحاول هذه العبارة بالأساس الإجابة عن سؤال الاستراتيجية التي يجب عليك اتباعها بعد حدث معين. فمثلا: ماذا بعد تسجيل الفريق لهدف في شباك الخصم؟ ماذا بعد تلقي الفريق هدف؟ ماذا بعد طرد لاعب من الفريق؟ ماذا بعد طرد لاعب من فريق الخصم؟
وكل هذه الأسئلة من المفترض أن تنتج إجابات تستوجب استراتيجيات للتعامل معها. وطبعا، يكون التخطيط لهذه التطورات سابقا لوقوع الحدث أساسا.
وبالانتقال من ملاعب الكرة إلى ملاعب السياسة، وللملعب السوري بالتحديد؛ فالحدث هو توقف المعارك والوصول للاتفاق التركي الروسي الأخير، ولكن ماذا بعد الاتفاق التركي الروسي الأخير، هل هو الاستقرار أم هدنة مؤقتة تليها حرب طاحنة؟
يمكن القول وبجرأة إن التدخل التركي كان حاسماً في كبح طموحات النظام في الفترة الحالية لجهة إعادة سيطرته على كامل منطقة إدلب، ولكن عملية الكبح هذه لا تعني إلغاء طموح النظام لتحقيق ذلك، وخاصة أن النظام يسعى دائما لمواجهة الضغوط الداخلية بالهروب إلى الامام، بالإضافة إلى أنه هناك دفع وتشجيع من قبل الإيرانيين وبعض الجهات العربية للنظام لشن عملية عسكرية في إدلب بهدف الصدام مع الأتراك ومحاولة إدخال تركيا في مستنقع في إدلب قد يكون له ارتدادات على الداخل التركي وموقع حزب العدالة والتنمية في السلطة، ولكن النظام يدرك أيضا أن هناك عوامل مضافة تحد من قدرته على الإقدام على مثل هذه الخطوة وعلى رأسها الموقف الروسي الحالي الرافض للدخول في مواجهة شاملة مع تركيا، وما يعنيه هذا الخيار من تكلفة عالية على كلا الطرفين، مع حتمية الاستدارة الكلية لتركيا باتجاه الغرب في مثل هذه الحالة، كما أن شبح كورونا يلقي بظلاله على الوضع العام في سورية وخارجها، وفكرة شن عمليات عسكرية حاليا هو أمر مرفوض على مستوى العالم. وعليه، يمكن القول: إن المرحلة القادمة في المستوى القريب ما بين 6 إلى 12 شهرا سيغلب عليها الهدوء النسبي في المنطقة. ولكن، يبقى السؤال الملح: ماذا بعد؟
هل هو شرعنة الاتفاق والاستقرار على المدى المتوسط ما بين 3 إلى 5 سنوات؟ أم هي جولة حرب جديدة لا يمكن التكهن بنتائجها؟
إن الخبرة المستسقاة من العشر سنوات الماضية يمكن أن تؤدي إلى الجواب مباشرة بأن دورة الصراع لم تنته؛ فأطراف الصراع في سورية لم تصل إلى مرحلة القناعة بالوضع الحالي. وعليه، فتغليب الصراع أمر وارد جدا، ولكنه سيقف حينها عند سؤال الفائدة المرجوة من إطلاق جولة صراع جديدة؛ بمعنى أنه في اللحظة التي سيشعر النظام
بأن الإقدام على جولة صراع جديدة سيعود بالفائدة عليه أكثر من التكاليف المتوقعة؛ فحينها سيتخذ القرار بشن عملية عسكرية جديدة. وعليه، فسؤال ماذا بعد الاتفاق هل هو استقرار أم حرب؛ سيتوقف فعليا على حسبة عقلانية في حينها، طرفاها ليس النظام وحلفاؤه فقط، بل قوى الثورة وحلفائها، فكلما استطاعت قوى الثورة رفع تكلفة الحرب على النظام؛ كلما استطاعت إبعاد شبح الحرب عن المناطق المحررة، وفي هذا الإطار لابد من التوقف عند بعض الملاحظات التي يمكن ايرادها حول المعركة الأخيرة، وهي كما يلي:
- الأداء العام للفصائل العسكرية، فرغم ما تم تقديمه من تضحيات يمكن تقييم الأداء بالضعيف. وخاصة من الناحية العسكرية البحتة، ويمكن الاستدلال على ذلك – مثلا – بواقع الانسحاب الغير منظم في بعض الحالات، وفشل بعض الأعمال العسكرية في عدة جبهات.
- تجذر حالة الفصائلية حتى في أكثر المراحل خطورة، وهو ما يشي بأن داء الفصائلية هو مازال عامل ضعف، وربما تهلكة.
- بقيت تهمة الإرهاب تلاحق منطقة إدلب حتى في أكثر الفترات التي كان الأهالي يتعرضون فيها لأشد أنواع القصف.
- عدم التناسب في القوى ما بين قوى الثورة من جهة، والنظام وحلفائه من جهة أخرى.
وعليه فالوصول للمرحلة القادمة مع الاحتفاظ بنفس عوامل الضعف السابقة ستنتج على الأغلب طموحا لدى النظام لخوض جولة صراع جديدة، ولذلك، واستباقا لمثل هذا الاحتمال يجب العمل على ما يلي:
- الانتقال بالعمل العسكري من الشكل الحالي العشوائي إلى شكل مهني منظم. ففي حروب اليوم ليس من المهم أن يكون لديك 200 ألف مقاتل غير احترافي وليسوا منظمين، بل يمكن القول إن قوة منظمة احترافية في المناطق المحررة قوامها حوالي 50 ألف مقاتل قد تكون أكثر نجاعة وفائدة.
- ضرورة تجاوز الفصائلية. ولعل ربط قوات الثورة كأفراد بهيكلية عسكرية جديدة، وبالتنسيق مع تركيا يكون أكثر فاعلية.
- محاولة تعديل ميزان القوى العسكري من خلال ترسيخ التحالف مع تركيا والانفتاح على الدول الغربية، وخاصة أمريكا.
- إيجاد حلول واقعية لموضوع المجموعات المصنفة على لائحة الإرهاب بشكل يزيل هذه الصفة عن منطقة إدلب.
وفي النهاية يجب على قوى الثورة، وخاصة العسكرية، أن تعمل وكأن الحرب واقعة غدا وأن كل يوم تتأخر فيه هو فرصة مضافة لمعالجة نقاط الضعف السابقة.