مقالات

قراءة في مؤتمر روما

قبيل أيام فقط من بدء مداولات مجلس الأمن، من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، والتي تنتهي صلاحيتها في الـ 11 من يوليو/تموز القادم. استضافت العاصمة الإيطالية “روما” مؤتمرا وزاريا موسعا دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية للتداول في العديد من ملفات القضية السورية، في خطوة هي الأولى من قبل الإدارة الأميركية تجاه هذه القضية التي لا حلول سياسية جادة تلوح في أفقها. واستثنت وزارة الخارجية الأميركية روسيا وإيران، في تأكيد جديد على دوريهما السلبي في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة منذ منتصف عام 2012، من دون نتيجة. ويعد هذا المؤتمر الأول حول سورية الذي دعا إليه ويترأسه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ويهدف إلى ممارسة الكثير من الضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين الرافضين حتى اللحظة تسهيل مهام مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية.

تصر الولايات المتحدة الأميركية على التجديد لقرار إدخال المساعدات عبر الحدود في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، بحيث يتم إيصال المساعدات إلى نحو أربعة ملايين سوري في شمال سورية من خلال معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا. بينما تؤكد روسيا أن المساعدات يمكن إيصالها تحت إشراف النظام السوري حتى إلى مناطق خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية المعارضة، زاعمة أن هذه الآلية التي أقرت في عام 2014 إبّان الحرب ضد تنظيم “داعش” لم تعد ضرورية. كما يزعم الجانب الروسي أن استمرار تقديم المساعدات الإنسانية عبر معابر لا يسيطر عليها النظام السوري ينتهك مبدأ سيادة الأخير على كامل الأراضي السورية، إلا أن المجتمع الدولي يدرك أن الهدف الحقيقي للروس والنظام هو محاصرة الشمال السوري وحجب المساعدات الإنسانية عن سكانه، وجلهم نازحون نتيجة العمليات العسكرية والقصف الجوي من قبل النظام وحليفيه روسيا وإيران.

الملفت، أنه وبشكل فجائي وسعت أميركا قائمة المدعوين إلى المؤتمر الوزاري الموسع لتضم الجامعة العربية في خطوة ترمي إلى إثارة ملف “التطبيع العربي” مع دمشق بين وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكين” و15 من نظرائه في “السبع الكبار” و”المجموعة المصغرة” وتركيا وقطر والاتحاد الأوروبي، بهدف الضغط على روسيا للموافقة على قرار الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود.

كانت واشنطن قدمت عدداً من الإشارات المشجعة لموسكو للتصويت لصالح صدور قرار يسمح بفتح ثلاثة معابر حدودية، اثنان مع تركيا وثالث مع العراق، كان بينها عدم إصدار عقوبات جديدة بموجب قانون قيصر خلال أول ستة أشهر من عمر إدارة بايدن (إدارة دونالد ترمب فرضت عقوبات على 114 في آخر ستة أشهر من عهدها)، وتقديم استثناءات لمواد طبية من العقوبات، والموافقة على تقديم المساعدات عبر خطوط التماس بين مناطق النفوذ في سوريا.

وصدر عن المؤتمر بياناً مشتركاً أكدت من خلاله الدول المجتمعة دعمها الحاسم للجهود التي تقودها الأمم المتحدة في إطار القرار 2254، وأيدت مطلبها بالوقف الفوري لإطلاق النار في عموم البلاد، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق وبشكل آمن، وأيدت متابعة اللجنة الدستورية لأعمالها ومتابعة مكافحة الإرهاب في كل أشكاله.

إذن، كان البيان روتينيا كما هو متوقع، لكن الدعوة الفجائية لجامعة الدول العربية وبعض التسريبات عما دار في كواليس المؤتمر توحي بأن تفاهما بالخطوط العريضة كان قد حصل خلال لقاء الرئيسين الأمريكي والروسي قبل أيام. فما قيل أن بعض الوزراء طلبوا من الجامعة العربية التريث في إصدار ما يمكن تفسيره بأنه إشارات إيجابية بخصوص عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية ريثما يتضح الموقف الروسي بخصوص التمديد لقرار إدخال المساعدات عبر الحدود.

بناء على ذلك، يبدو أن روسيا قد نجحت في ابتزاز الدول التي تضع الفيتو على الرؤية الروسية القاضية باجتراح حل للقضية السورية يسمح للأسد بالاستمرار في الحكم. ولكن، في ظل التعنت الروسي بعدم التخلي عن الأسد في مقابل التعنت الأمريكي برفض هذا الطرح، يبدو أن الأمور تتجه نحو تفاهمات تقضي بوقف شامل لإطلاق النار، والتخفيف من حجم الضغوط التي تمارس على النظام السوري في مقابل السماح بإدخال المساعدات عبر الحدود. وربما، فتح بعض المعابر بين المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته. وقد يتبع ذلك تعديل على بعض الحدود الفاصلة بين المناطق المحررة والمناطق التي يسيطر عليها النظام.

باختصار يمكن القول: سيحصل النظام على الكثير من التسهيلات التي تساعده على الاستمرار، وستحصل المناطق المحررة على مزيد من الأمن والاستقرار مع استمرار العملية السياسية التي ستصبح أشبه بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أي، باختصار أكثر: إن ملامح الاستعصاء أصبحت أكثر وضوحا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى