قراءة في الانتخابات السورية القادمة
في كتاب السيطرة الغامضة تقول الباحثة الأمريكية “ليزا وادين”: “حقيقة أن السوريين قادرون على إعادة تكرار الشعارات الرسمية تعني أن النظام قادر أساسا على فرض الامتثال فيما يتعلق بالسلوك الخارجي. المقابلات التي أجريتها … تظهر أن ظاهرة تقديس الأسد لا تقود إلى زيادة شعبيته، أو تؤسس لحقه الأخلاقي في الحكم، أو حتى العمل على تحقيق مثل هذه الأهداف في الذهن … يفترض هذا الكتاب أن ظاهرة تقديس الأسد هي استراتيجية للسيطرة قائمة على المطاوعة بدلا من الشرعية. وينتج النظام المطاوعة من خلال المشاركة الإجبارية في أشكال الامتثال الزائفة الجلية، سواء لأولئك الذين يخترعون المظاهر ولأولئك الذين يستهلكونها. لقد مكنني إجراء البحث في سوريا من التوصل إلى إدراك أن الأنظمة يمكن أن تستمر من دون شرعية، وغالبا فهي لا تحاول الحصول عليها. تعزز الممارسات (مثل نشر الأيديولوجية من خلال الاستعراضات العامة، ونشر الصور المترافقة مع ظاهرة تعظيم الشخصية، وحديثا الانتخابات)، تعزز هذه الممارسات وضع الأنظمة”.
لعل في هذه المقدمة إجابة لمن يتساءل: ما هو المعنى لإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا في موعدها المحدد؟ ولماذا هذا الإصرار من قبل النظام السوري على إجراء الانتخابات؟ فقد توقع البعض بناء على بعض التلميحات الروسية باحتمالية تأجيل الانتخابات، وبناء على التصريحات الغربية التي أعلنت أنها لن تعترف بهذه الانتخابات، توقعوا تراجع النظام عن إجراء هذه الانتخابات، أو تأجيلها كحد أدنى. وهنا، قد لا يبالغ المرء عندما يطلق حكما مفاده: لا روسيا ولا البقية لديهم المقدرة على ثني النظام عن قراره بإجراء الانتخابات في موعدها من غير تأجيل.
لدى البعض، يُقرأ تصديق النظام من خلال سلوك الطاعة له. لذلك، فأغلب الظن أن النظام السوري ينتظر موعد الانتخابات الرئاسية على أحر من الجمر، فهي مناسبة ملائمة لإظهار مدى سيطرته وتحكمه بمفاصل الدولة من خلال تحكمه بنتائج الانتخاب، وإظهار وإنتاج المزيد من المطاوعة من خلال المشاركة الإجبارية الزائفة في البرامج التي تحضر في مرحلة ما قبل الانتخابات، من ذلك، تدشين حملة غير رسمية لدعم ترشيح بشار الأسد للانتخابات الرئاسية بتسليمه رسالة طولها كيلومتران عليها تواقيع مليونين ونصف مليون مواطن. وكذلك المسيرات المؤيدة والضخ الإعلامي المرافق، والذي يسعى إلى تثبيت وترويج السردية الرسمية، لتحسين صورة رأس النظام خارجياً وداخلياً أيضاً، وإظهاره كفاعل لا غنى عنه للحفاظ على الاستقرار بالنسبة للمواطن وللقوى الدولية.
تحضيرات النظام السوري، العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية والخدمية جارية على قدم وساق، استعداداً لفصل ضمن “مسرحية” انتخابية مكررة، يعيد إنتاج أدوات النظام ذاتها، ويحاول فرض وقائع على المشهد السياسي بغية دفع الفاعلين المحليين والدوليين للتعامل معها لسبع سنوات مقبلة على الأقل.
من جهة أخرى، لن تفلح المساعي الروسية الحثيثة لإضفاء طابع يظهر هذه المسرحية بصورة أقل فجاجة، فأغلب الظن أن النظام السوري بوقاحته المعهودة سيختار نسبة من الأصوات تزيد عما حصل عليه رأس النظام في المرة السابقة، فبينما يسعى الروس لإضفاء نوع من الشرعية على الانتخابات من خلال إظهار النتائج بأنها توحي بنوع من الشفافية، يتمسك النظام بعقيدته التي يروج لها أمام السوريين، ألا وهي الظهور بمظهر اللامكترث بالقوى الدولية، يساعده في ذلك اعتقاد بأن القوى الدولية لن تستطيع أن تذهب بتهديداتها بعدم الاعتراف بالانتخابات حتى النهاية، تحت ضغوط تشبه تلك التي حصلت أثناء تصنيف جماعة الحوثي من قبل الإدارة الأمريكية السابقة على أنها جماعة إرهابية، واضطرار الإدارة الحالية للتراجع عن هذا القرار، إذ لطالما تعاملت الحكومات الديمقراطية مع الانتخابات الجوفاء على أنها عذر لاستئناف الأعمال مع الطغاة الذين يستحقون الشجب وليس الشراكة، والمشكلة، جزئيا، هي مشكلة إعلاء بعض المصالح على مصالح أخرى، فالمفترض بهم أنهم المدافعون عن الحريات وعن الديمقراطية؛ هم مستعدون للسماح للفرص التجارية، أو المتطلبات الخاصة بمكافحة الإرهاب، أو ضرورة المحافظة على النظام الدولي، مثلا، بأن تتجاوز في أهميتها بواعث الاهتمام الخاصة بالالتزام بالديمقراطية.
رغم ذلك، تختلف الانتخابات التي سيجريها النظام السوري اليوم عن تلك التي يعتقد أنها مشابهة وتقبلها العالم، فتلك كانت تحدث في بلدان مستقرة، وتشبه أو تماثل الانتخابات أو الاستفتاءات التي كان يجريها النظام سابقا، أما اليوم، فالوضع مختلف تماما، فالانتخابات التي سيجريها النظام السوري اليوم تعتبر في نظر المجتمع الدولي تحديا وقحا، واستهتارا من قبل مجرم حرب يستوجب المحاسبة، وأغلب الظن أن هذه الخطوة ستضعه أمام المزيد من الضغوط. هذا إن لم نقل إنها ستفتح عليه أبواب الجحيم.