مقالات

حرب غزة بقراءة مختلفة: دروس للشعب السوري

يقول “مناحيم بيغن” في أحد كتبه: يجب أن نعمل، ولنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلعوا على وسائلنا الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل، وعرفوا دعاماتها وأسسها، فعندئذ لن تفيدنا مساعدات أمريكا.

ليس العرب من استفاق، إنما الفلسطينيون وحدهم من فعل ذلك، وما يمكن ملاحظته في الحرب الأخيرة أنه حتى أمريكا لم تعد راغبة بتقديم تلك المساعدات، وما حصل في حرب غزة الأخيرة أظهر بكل وضوح أن المعادلة انقلبت رأسا على عقب، وبدت الأمور بشكل واضح على عكس المقولة التي روجتها الحكومات العربية لتبرير خذلانها، والتي تقول: إن العالم كله مع إسرائيل، بل إن إسرائيل تتحكم بالعالم وتحكمه.

ما كان واضحا، أن العالم كله مارس الضغط على إسرائيل، وحتى الإدارة الأمريكية التي تكفلت بتعطيل مجلس الأمن ومنعه من إصدار إدانة بحق إسرائيل أرهقها هذا الموقف ودفعتها الضغوط الدولية والداخلية أيضا إلى ممارسة ضغط مضاعف على حكومة “نتنياهو” وصل لحد إجبارها على وقف الحرب في توقيت غير مناسب. وفيما يلي بعض التصريحات التي خرجت عن الإدارة الأمريكية، والتي توضح الكثير لمن يرغب بقراءة متأنية:

  • السيناتور بيرني ساندرز: دور إدارتنا يجب أن يكون التقريب بين شعوب المنطقة وليس دعم حكومة إسرائيلية يمينية.
  • النائب الديمقراطي الأمريكي مارك بوكان: هجمات حماس مدانة ولكن يجب إدانـة معاناة الفلسطينيين منـذ 50 عامـا.
  • بوكان: لا ينبغي أن يعاني أحـد مـن خسارة الأرواح أو الحريـة أو الكرامة التي عاناها الفلسطينيون في ظل حكـم نتنياهـو.
  • البيت الأبيض: بايدن أكد في اتصال بنتنياهو دعمه لخطوات تمكن الفلسطينيين من التمتع بالكرامة والأمن والحرية.
  • أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي: إدارة بايدن أكدت أن قدرتها على كبح الضغط الدولي على إسرائيل وصلت لنهايتها.
  • أكسيوس عن مصدر أمريكي: بايدن كان حازما مع نتنياهو وأبلغه رسالة واضحة مفادها أن على إسرائيل إنهاء الحرب.
  • NBC: القضية الفلسطينية اكتسبت زخما لدى التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي الذي يرى الفلسطينيين شعبا مضطهدا.
  • NBC: كثير من المسؤولين الديمقراطيين وناخبيهم يعتقدون أن حكومة نتنياهو تجاوزت حد الدفاع عن النفس.
  • النائب الجمهوري دوغ لامبورن: الديمقراطيون بمجلس النواب يصوتون بأغلبية ساحقة ضد تمويل عسكري طارئ لإسرائيل.
  • هيئة البث الإسرائيلية: ضغط أمريكي وراء وقف إطلاق النار المرتقب في غزة.
  • إن بي سي: إدارة بايدن أبلغت الإسرائيليين رفضها سيناريو 2014 الذي استمر 51 يوما وخلف ألفي قتيل فلسطيني.
  • الخارجية الأمريكية: سنواصل الضغط على إسرائيل بشأن معاملتها لسكان حي الشيخ جراح وعليها معاملتهم باحترام.

بالطبع هناك تصريحات أخرى من تيارات قوية داعمة لإسرائيل، لكن الذي حصل بالضبط أن إسرائيل أوقفت حملتها العسكرية على غزة مرغمة.

الملفت، أن الجميع حاول ربط تقهقر إسرائيل بصواريخ المقاومة، رغم أن الأمر ليس كذلك بالضبط، مع التأكيد على دور المقاومة المسلحة، فإسرائيل لو أعطيت الفرصة يُعتقد أنها قادرة على تدمير معظم ترسانة الصواريخ هذه وإلحاق المزيد من الضرر بفصائل المقاومة وسكان غزة وبنيتها التحتية.

لم ينتصر الفلسطينيون في حرب غزة التي توقفت منذ أيام، بل انتصروا يوم آمنوا أن الكفاح له أوجه متعددة؛ أحدها هو الكفاح المسلح، وأقواها هو العمل الدعائي الذي أتقنه الفلسطينيون واستطاعوا من خلاله إقناع العالم بعدالة قضيتهم، وكشف زيف ادعاءات العدو الذي أصيب باليأس والإحباط مما سمع وشاهد. انتصر الفلسطينيون يوم استمعوا وفهموا كلام عقلائهم، ويأتي على رأس هؤلاء الدكتور حامد ربيع الذي كتب الكثير في هذا المجال، ففي كتابه “فلسفة الدعاية الإسرائيلية” على سبيل المثال يقول: “استطاعت الدعاية الصهيونية أن تحقق نجاحا كبيرا على مستوى القارة الأوربية… والسؤال هنا، لماذا هذا النجاح المستمر للدعاية الصهيونية في هذه القارة وغيرها؟ والجواب عن ذلك لا يمكن حصره بأن الأسباب الرئيسية تعود إلى الأقليات اليهودية في أوربا ودورها الضاغط على الرأي العام الأوربي، أو إلى المواقف المتحيزة عموما للأوربيين ضد العرب. إن حصر الإجابة بهذه الأسباب ما هو في نظرنا إلا الجهل لأبسط مبادئ الدعاية وأسسها. لقد حاولت الدعاية الصهيونية منذ بدايتها أن تتعامل مع كل مجموعة بشرية على أساس معرفة خلفيتها الاجتماعية والحضارية، وهي في أي دعاية موجهة ضد أي طرف تستعمل المنطق الذي ينسجم مع معطيات ذلك الطرف وخلفياته، معتمدة بذلك على دراسات سابقة قامت بها في مجالات شتى”.

مما سبق، يعتقد أن ما يريد هذا المقال إيصاله للشعب السوري أصبح واضحا، فبعد أن تفوق النظام عسكريا بعد استنجاده بروسيا؛ لم تعد مقولة “لا يفل الحديد إلا الحديد” تعني سوى مزيدا من اليأس والإحباط، أو دفعا نحو التهلكة. لا شك أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، لكن القوة هنا تحمل الكثير من المعاني، فالحكمة قوة، والحق قوة، والتصميم قوة، والصبر قوة، والكلمة التي يحب الآخر أن يسمعها قوة.

إن القضية العادلة والحق لا يموتان مادام هناك من يسعى خلفهما. سننتصر يوم نؤمن بذلك، وسننتصر يوم نؤمن أن الأعمال الدعائية والكفاح بشتى وسائله السلمية له نتائجه، وليس كما يعتقد الكثيرون ألا جدوى من مثل هذه الأعمال. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى