مقالات

القمة الروسية التركية المرتقبة: قمة تقارب أم قمة صدام؟

هناك قاعدة معتبرة لدى صناع القرار في السياسة الخارجية تقول: لا تمارس الضغط لدرجة تدفع الجهة المقابلة للارتماء في حضن أعدائك. لكن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يبدو أنه غير مكترث بهذه القاعدة بشكل فعلي، أو مشغول بقضايا أكثر أهمية بالنسبة لأمريكا، فالسياسة الأمريكية في عهد بايدن دفعت بالرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” لأن يشن هجوما حادا على بايدن من خلال تصريحات أدلى بها للصحفيين في إسطنبول منذ أيام جاء فيها: لم أر مثل هذا الموقف مع أي من الإدارات الأمريكية السابقة. واتهم إدارة بايدن بدعم “حزب العمال الكردستاني” في سوريا، قائلا إن الولايات المتحدة حاليا “تدعم التنظيمات الإرهابية بشتى أنواع الأسلحة والعربات والمعدات أكثر بكثير مما كان متوقعا في الوقت الذي ينبغي عليها أن تكافح تلك التنظيمات”.

تعتبر هذه التصريحات مقدمة لزيادة التقارب الروسي – التركي خلال القمة المرتقبة في بين الرئيسين التركي والروسي في 29 أيلول الجاري في مدينة سوتشي، ويتوقع أن تتمخض القمة المرتقبة عن نتائج تختلف جذريا عن مسار التحليلات والتنبؤات التي يطلقها المحللون السياسيون، والتي اعتمدت في مجملها على ربط بعض التصريحات الروسية مع التصعيد العسكري على بعض المناطق المحررة، علما أن هذا السلوك الروسي، من المفترض أنه أصبح معروفا، وهو دائم التكرار قبيل أي لقاء بخصوص المسألة السورية. ولعل ما زاد في تضليل بعض المحللين هو ما صدر عن بعض المسؤولين والمحللين العاملين لدى النظام السوري. أي، أولئك الذين يتقنون ركوب الأمواج واستغلال الفرص السانحة لشن الحرب النفسية التي تهدف إلى طمأنة الأتباع وإرهاب الخصوم.

سيستثمر الرئيس الروسي اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة وتركيا من خلال عرض مزيد من التقارب بين روسيا وتركيا، ولن تأخذ القضية السورية سوى حيزا صغيرا من لقاء الرئيسين، فالولايات المتحدة تبدو جادة هذه المرة بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، ويعتبر التحالف الأمني الجديد بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وأستراليا مؤشرا واضحا على أن ما يشغل اهتمام الولايات المتحدة الآن ليس منطقة الشرق الأوسط، وإنما صراعها مع الصين. لذلك، فالفراغ الأمني الذي ستخلفه الولايات المتحدة وما يتطلبه من تنسيق وتعاون بين الطرفين الروسي والتركي سوف يكون محور اللقاء. هذا بالإضافة إلى المزيد الملفات المشتركة بين الطرفين، كإمكانية التعاون في أفغانستان، وآفاق التعاون في أذربيجان، مرورا بالملف الأوكراني، وملف التعاون الاقتصادي، وغيره من الملفات المشتركة بين الطرفين.

الأزمة السورية مازالت في مرحلة الاستعصاء المزمن، والاستعصاء المزمن يحتاج لمزيد من الوقت لتفكيك عقده، ويُعتقد أنه من الخطأ التعويل على لقاء القمة المقبل بين الرئيسين الروسي والتركي بأن يتمخض عن بعض القرارات الجذرية التي قد تخل بمعادلات التوازن القائمة، والمطلع على مستوى العلاقات الروسية التركية وحجم المصالح والملفات المشتركة بينهما يعلم جيدا أن الطرفين لن يسمحا للقضية السورية أن تكون سببا للصدام بينهما.

إن السياسة فن الممكن، ولكن الذين يستطيعون تمييز الممكن قليلون جدا. وأغلب الظن أنه لدى كل من الأتراك والروس بعض تلك القلة التي تستطيع تمييز الممكن. وهو ما سوف يعوض غياب هذه القلة عن أطراف الصراع السوري. أي، غياب القلة التي تستطيع تمييز الممكن سواء بالنسبة للنظام السوري الذي يبدو أن أحلامه بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة مازالت تراوده، أم بالنسبة للأطراف الأخرى التي مازالت لم تتمكن حتى الآن من التمييز بين مرحلتين من عمر الثورة: مرحلة ما قبل التدخل الروسي، ومرحلة ما بعد هذا التدخل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى