مقالات

السعادة بالوصول إلى الحل الرابع

يقول “برتراند راسل” في كتابه “الفوز بالسعادة”: “السعادة ليست هروبا من الواقع ومآسيه إنما التحرر من تأثيره فينا وسيطرته علينا …. والسعادة هي في الحياة الواقعية لأن الإفراط في التفكير بمستقبلنا يهدم لذة الاستمتاع بحاضرنا”. والهروب من الواقع هو تجنب مواقف الحياة الغير سارة أو المملة أو الشاقة أو المخيفة. ويمكن أيضا أن يستخدم كمصطلح لتعريف الإجراءات التي يتخذها الأشخاص لتساعدهم في تخفيف الشعور المستمر بالاكتئاب أو الحزن العام.

في الوضع الراهن، ينقسم السوريون بين هاربين من الواقع، وهم الأغلبية، وبين باحثين عن السعادة، وهؤلاء أغلبهم من المجموعات التي غادرت سوريا إلى بلدان كانوا فيما مضى يحلمون بالهجرة إليها. ومن الطبيعي أن يكون من يصنفون على أنهم نخب ضمن هؤلاء المهاجرين. ومن هنا يمكن تفسير حالة الانفصال عن الواقع الذي نتلمسه في خطاب تيار واسع من هذه النخب التي شاءت الأقدار أن تضعها في هذا الموقع.

ليس من المتوقع أن يكون هؤلاء قد قرؤوا كتاب “راسل” أو نصائحه للأفراد للفوز بالسعادة، إلا أنهم يلتزمون بها التزاما عجيبا، ولكونهم هاربين من جحيم الهولوكوست السوري؛ طور هؤلاء أساليب جديدة لنيل السعادة؛ فهم سعداء لأنهم وصلوا إلى بلدان السعادة التي لطالما حلموا بالوصول إليها، ولطالما أرسل لنا هؤلاء صورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهم في أشهر عواصم الأرض أو أجمل مدنها ومعالمها الجميلة. كما ولم يبخل علينا هؤلاء بفيديوهاتهم التي تنقل صور الأفراح والليالي الملاح، ولعل أجمل ما برسله هؤلاء إلينا هي صورهم وهم يتناولون أشهى الأطعمة في أفخر المطاعم. إذن، فالسعادة تشعشع في كلماتهم وفي صورهم وفي تعبيراتهم. وهم كذلك يفكرون بمستقبل بلدهم دونما إفراط، ولكن الإبداع لدى هؤلاء يتجلى من خلال إدخالهم السعادة لآلية التفكير بالمستقبل، فهو يتلخص لدى الأغلبية بتشكيل هيئة أو تجمع أو منصة أو تيار أو حزب وما شابه ذلك. وكل هذه الأجسام التي نسمع عنها لا تعدو عن كونها تجمعات أقرب إلى الوهمية، إذ هي في الغالب مجموعات تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتنظيم؛ تتشكل في يوم وليلة ولا تلبث أن ينفرط عقدها بعد فترة وجيزة. وتتجلى السعادة في هذه الأنشطة من خلال أمرين: أولهما أنها تمنح المنتسبين لهذه الأجسام نوعا من الرضى عن الذات كونهم يمارسون النضال الثوري ويهتمون بشؤون بلدهم الحبيب كما يدعون، كما أنها ترضي غرورهم عندما يوهمون أنفسهم بأنهم يمارسون العمل السياسي من موقع المسؤولية. أما المصدر الثاني للسعادة الذي يحصل عليه هؤلاء من خلال تلك التجمعات الوهمية فهو يأتي من خلال ممارستهم للردح الجماعي وإلقاء التهم بالخيانة والعمالة والتآمر في كل الاتجاهات، فحكومات الأرض كلها فاسدة، والتجمعات الأخرى كلها فاسدة، وهكذا دواليك. وعندما نعلم أن توزيع الاتهامات والشتائم يمارس كهواية وإدمان نستطيع أن نتصور حجم السعادة التي يتحصل عليها هؤلاء.

لا أحد يكترث للمستضعفين الذين لا يمتلكون سوى الهروب من الواقع، سواء كان الأمر بشكل متعمد كمخرج أو مهرب لعدم الوقوع في براثن الاكتئاب أو الحزن الدائم. أم تحصيل حاصل لأنهم يقضون جل أوقاتهم لهثا خلف لقمة العيش لهم ولأبنائهم.

حسب المعطيات على الأرض؛ سوريا أمام ثلاثة حلول لا رابع لهم. فإما التقسيم، وإما حل توافقي وهو ما يعني دولة مشوهة أشبه ما تكون بالدولة اللبنانية، وإما إعادة تعويم الأسد والسماح له باستعادة السيطرة على كل الأراضي السورية. وكل هذه الحلول تعني أن الثورة السورية أعادت سوريا نحو الخلف. أي، بقيت الأمور متخذة نفس المسار الذي اتخذته الدولة السورية منذ خروج المستعمر الفرنسي حتى ما قبل الثورة، فالمتتبع لمسيرة الدولة السورية يستطيع أن يلاحظ بسهولة أن مسار الدولة منذ الاستقلال حتى قيام الثورة في 2011 كان في تراجع مستمر.

نحن بحاجة إلى التفكير بالمستقبل للوقوف على حقيقة المعضلات والمشاكل والعقبات التي تنتظرنا، واكتشافها يضعنا أمام مسؤولية إيجاد الحلول لها. دعكم من نصائح “راسل” فهي موجهة للفرد في دولة مستقرة وليست لأبناء بلد تعرض أبناءه لأعظم مأساة تمثلت بالذبح والسلخ والجلد والنزوح والتهجير.

السعادة الحقيقية بالنسبة لنا هي باكتشاف الحل الرابع، ذاك الحل الذي يمكنه أن يجعل عجلة الدولة السورية تدور نحو الأمام ولأول مرة، والذي يمنحنا الشعور بالرضى الحقيقي عن النفس لأننا لم نهدر تضحيات الشعب السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى