مقالات

الجولة الثالثة من اجتماع اللجنة الدستورية

عقدت اللجنة الدستورية اجتماعها الثالث في جنيف وقد تميزت تصريحات بيدرسون والبحرة بتضمنها مواضيع مرتبطة بقضايا خارج المسار الدستوري، وقد ترافق ذلك مع نشاط دبلوماسي أمريكي ولقاءات لدول استانة في جنيف مما يوحي بأن هناك مسار مواز فما الرابط بين اللجنة الدستورية وهذا المسار الموازي وماهي قضية المفاوضات الرئيسية في المسار الموازي.

اختتمت السبت 29 آب أعمال الجولة الثالثة للجنة الدستورية حول سوريا في مدينة جنيف السويسرية، والتي ضمت اللجنة المصغرة لصياغة الدستور والمؤلفة من 15 عضوا من النظام السوري، ومثلهم من المعارضة، ومثلهم من منظمات المجتمع المدني، وفي تصريحات صحفية عقب انتهاء أعمال اللجنة، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون: إن الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، “أحرزت بعض التقدم”. وأوضح أن الأمم المتحدة “لم تحدد موعداً للجلسات القادمة”، مشيراً إلى أن الموعد سيُحدد بعد الاتفاق على جدول الأعمال مع الرئيسين المشتركين للجنة من المعارضة والنظام، وأشار إلى “وجود دعم كبير وإجماع دولي لعمل اللجنة الدستورية، تمكّن من بناء بعض الثقة”، معرباً عن تفاؤله بإحراز تقدم في عمل اللجنة. وشدد “بيدرسون” على أن المحادثات في جنيف لن تكون رهناً بالوضع الميداني في سوريا، لافتاً إلى وجود مناطق في سوريا تشهد تحديات أمنية خاصة في إدلب، كما أكد أن اتفاق روسيا وتركيا لوقف إطلاق النار في إدلب يسير بشكل جيد رغم بعض الخروقات.

من جانبه، أكد الرئيس المشترك للجنة الدستورية، هادي البحرة استعداد وفد المعارضة للمبيت في جنيف والعمل ليلاً ونهاراً لإنهاء عمل اللجنة، موضحاً أن وفد النظام رفض تمديد فترة الجولة الثالثة، وأضاف: “لا يمكن لأي طرف أن يحقق حسماً عسكرياً في البلاد”، مشدداً على ضرورة تفعيل العملية السياسية.

وقد أتت هذه الجولة في ظل مسار حراك دبلوماسي مواز؛ تمثل في محادثات بين ممثلي روسيا وتركيا وإيران في جنيف، وتركزت المحادثات على الحديث حول الضـربات الإسرائيلية على سوريا، كما تم التطرق خلال المشاورات لمسألة توقيع الإدارة الذاتية للمنطقة الشمالية الشرقية من سوريا عقداً مع إحدى الشركات الأمريكية من أجل استثمار النفط السوري. وبعد انتهاء المحادثات التي جرت اليوم في جنيف، أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً، حيث أكدت الدول من خلال البيان أنها عازمة على مواصلة طريقها بخصوص مكافحة كافة أشكال “الإرهـاب” على الأراضي السورية. وبحسب وكالة “سبوتنيك” فإن روسيا وتركيا وإيران قد أكدوا على تصــديهم للأجندة “الانفصالية” في سوريا، في إشارة إلى رغبة الإدارة الذاتية الكردية بالانفصال.

كما عملت الدبلوماسية الامريكية وبشكل نشط على عقد عدة لقاءات موازية حيث التقى المبعوث الأميركي جيمس جيفري، مع رئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة، والرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة في جنيف، مؤكدا على محورية الحل السياسي على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن رقم 2254. وقال جيفري لدى وصوله إلى تركيا في تصريحات للصحفيين، إنه قدم من جنيف، وإن هناك “تطورات مثيرة” فيما يتعلق بالملف السوري، وأوضح أنه سيبحث مع المسؤولين الأتراك مسألة عودة النظام السوري إلى طاولة المفاوضات، والتعامل مع المجتمع الدولي.

بناء على ما سبق يمكن القول: إننا أمام مسار دبلوماسي تفاوضي للجنة الدستورية يحكمه “ترمومتر” توافق الدول على القضايا الحاكمة لمسار التسوية العامة للصراع في سورية؛ ففي هذه الجولة كان لافتا تعدد الإشارات من عدة أطراف لموضوع عدم ربط تطورات الميدان مع مسار اللجنة، وهو ما يوحي باحتمال حدوث تصعيد عسكري على إحدى الجبهات. ولكن، نتيجة التواجد العسكري المباشر للدول، والذي أصبح يغطي كافة المناطق السورية؛ فإن خيار التصعيد العسكري يصبح عالي التكلفة بشكل كبير. ورغم ذلك، تبدو الأمور غير مطمئنة لهذه الدرجة، ومازال الاهتمام بالوضع الميداني وضرورة الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار قائما، ومالتصريحات المتواترة بهذا الشأن إلا دليل على ذلك. ويلاحظ أن الجانب الأمريكي كان أكثر من ركز على هذه الناحية. ويمكن فهم ذلك ضمن الإطار العام الحاكم للرؤية الامريكية القائمة على التعجيل في البدء بتنفيذ القرار 2254، والمتضمن وقف إطلاق نار شامل، وهو ما يعنى إدخال مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها قسد ضمن إطار إعلان اتفاق وقف شامل لإطلاق النار، وبذلك يتم تجاوز جميع الاتفاقيات السابقة وترسيخ اتفاق جديد، وهو ما يعني تثبيت اللاعبين الاساسين المحليين، وهو ما قد يثير حفيظة كل من روسيا وتركيا. فروسيا قد ترى أن في ذلك تثبيت موطئ قدم لأمريكا وبشكل قوي في شرق الفرات، فروسيا تحاجج دائما بأن الوجود الأمريكي في شرق الفرات غير شرعي. وهي لم توقف تحرشاتها بالقوات الأمريكية في تلك المناطق بناء على تلك الحجة، إضافة لدفع النظام لبعض القوى الموجودة في المنطقة للانقلاب على التفاهم مع أمريكا مما يجعل موقف أمريكا – الذي هو بالأصل غير قوي  بما يكفي في شرق الفرات – أكثر ضعفا. كما أن تركيا أيضا  ستثار حفيظتها  في حال إدخال قوات قسد ضمن إطار اتفاق وقف إطلاق نار شامل، مما يجعل الطموحات التركية لاستكمال إقامة المنطقة الآمنة في مهب الريح.

إذاً، بينما كان النقاش حول اللجنة الدستورية في العلن، كان النقاش بين الدول يدور حول منطقة شرق الفرات والورقة الكردية أساسا، ولعل إصرار النظام على تعريف الهوية السورية والعمل على إيجاد تعريف يثير المكون الكردي ويظهر أن النظام والمعارضة اتفقوا على هذا التعريف هو بهدف قطع الطريق على أي محاولة تقارب قد تسعى أمريكا إلى طرحها للتقريب بين قسد وقوى المعارضة، ولعل هذا التقارب أو التنافر سيبقي محكوما وفق طبيعة العلاقة التركية الامريكية، وروسيا تدرك خطورة ما يمكن أن تقوم به أمريكا في هذا السياق؛ سواء بالتفاهم مع تركيا والتوصل إلى تفاهم مع قسد، أو على حساب قسد. ولذلك، سعت إلى إبقاء قنوات التواصل وتعززيها مع قسد، ولعل الخطوة الأخيرة المتمثلة بزيارة مجلس سورية الديموقراطية “مسد” لموسكو لتوقيع مذكرة تفاهم مع حزب الإرادة الشعبية الذي يقوده قدري جميل رئيس منصة موسكو، وهي المنصة الممثلة في الهيئة العليا للتفاوض قد يفهم في سياق التنافس الأمريكي الروسي على الورقة الكردية.

  إذاً، أولويات أمريكا الحالية هي اتفاق على وقف إطلاق نار يبدأ من إدلب ويمتد ليشمل كل المناطق السورية، وخاصة شرق الفرات، والتعجيل في تنفيذ القرار 2254. أما أولويات الروس، فهي التركيز على احتواء العقوبات المتوقعة من قانون قيصر، والتركيز على الوجود غير الشرعي لأمريكا في شرق الفرات، وعليه فعنوان المرحلة القادمة هو التنافس على ورقة شرق الفرات ومصير قوات قسد، وبالتالي الوجود الأمريكي في سورية، وسيحكم ذلك تفاعل الرؤى الامريكية والروسية والتركية وما سيستخدمه كل طرف لفرض رؤيته على باقي الأطراف، ولحين ذلك ستبقي اللجنة الدستورية مؤشرا مهما لماهية ما سيفرض، أو ما سيتفق عليه..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى