الائتلاف طروح سياسية بالية … ومستقبل غامض
منذ انطلاق الثورة السورية بقي مفصل وجود قيادة سياسية تترجم حراك الثورة لمكاسب سياسية من أهم المفاصل السياسية التي أثرت في تطورات الثورة. وفي سبيل ذلك عمل على تشكيل أجسام توحدية للتنسيقيات مثل لجان التنسيق المحلية واتحاد تنسيقيات الثورة ثم بناء أول جسم سياسي ممثل للثورة وهو المجلس الوطني ليتبعه وبهدف دمج أطراف أخرى من المعارضة تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة، وقد تم شرعنة الائتلاف الوطني وقد اعترفت أكثر من 120 دولة مشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في مدينة مراكش المغربية في عام 2012 بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “ممثلا وحيدا للشعب السوري”.
وعليه، باتت قضية تمثيل الجانب الثوري والمعارض خارجيا شبه حصرية للائتلاف، أما على المستوى الداخلي فقد كانت الصورة مختلفة حيث تنازعت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام العديد من القوى التي لم يعترف قسم كبير منها بالائتلاف الوطني كممثل لها، كما أن بعض هذه القوى صٌنف على لوائح الإرهاب مما صعب من مهمة الائتلاف لمحاولة التعاطي مع هذه القوى. وبالتالي بات الائتلاف واجهة سياسية خارجية دون سيطرة داخلية وهو ما أضعف موقف الائتلاف بالمجمل وسمح لعدد من الدول تحت يافطة الوصول الى تمثيل اعرض للمعارضة السورية تشكيل عدد من المنصات السورية ثم الضغط لإدماجها في هيئة المفاوضات العليا رغم أن الائتلاف بقي يشكل الكتلة الأكبر في هذه الهيئة، وعليه لم يعد الائتلاف هو الواجهة الحصرية للعمل السوري المعارض، ومنذ تاريخ تأسيس الائتلاف وحتى اليوم قام الائتلاف بطرح نفسه باعتباره جسما سياسيا وليس تنفيذيا، ولعل جميع المحاولات التي قام بها الائتلاف لتشكيل أذرع تنفيذية له وصلت لنهايات مخيبة، فواقع الحكومة السورية المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم دليل على هذا المسار.
وعليه باتت هناك قناعة من قبل العديد من أعضاء الائتلاف بأن مهمة الائتلاف يجب حصرها فقط في التفاعل مع المسار السياسي باعتباره حلبة العمل السياسية الوحيدة المتاحة للائتلاف والمعترف دوليا بدوره ضمنها، وفي ظل عدم قدرته على إدارة المناطق المحررة وعدم قناعة القوى الموجودة في هذه المناطق بالائتلاف كجسم ممثل لها باتت هذه المعادلة هي الوحيدة التي سمحت للائتلاف بالاستمرار حتى هذه اللحظة وضمان وجوده السياسي وبقاء حد معين من التفاعل الدولي معه، ولكن مع انحسار نطاق المناطق المحررة وحصرها في مناطق تواجد الجيش التركي شمال سورية ومع توقف المعارك نتيجة التواجد العسكري الخارجي المباشر باتت المعادلة السياسية السورية مختلفة فيبدو أن هدوء أصوات البنادق قد أرخى بظلاله على المسار السياسي السوري حيت بات هذا المسار، وحتى ولو بأحد سلاله وهي السلة الدستورية، يسير بسرعة السلحفاة ضمن ماراثون الألف ميل، كما أن المناطق المحررة لم تعد مناطق خالية من المشاريع السياسية الهادفة إلى تشكيل نماذج حكم محلي بواجهة سياسية مدنية ولعل تجربة هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ تحضر إلى الذهن مباشرة، وعليه فتخندق الائتلاف خلف دور الممثل السياسي قد لا يخدم الائتلاف كثيرا على المدى الطويل ولعل السؤال الذي يجب على الائتلاف التفكير به ماذا لو بقيت خطوط التماس الحالية ثابتة على ماهي لعشر سنوات قادمة؟ هل يملك الائتلاف أي مشروع سياسي للمنطقة؟
الجواب هو لا. ويمكن الاستدلال على هذا الجواب من خلال اللقاءات التي ينظمها الائتلاف في الداخل حيث يحصر أغلب طروحاته ومناقشته في المسار السياسي دون تقديم أي طرح سياسي واضح للمنطقة، كما أن القوى الموجودة في المنطقة يبدو انها غير راغبة في تمكين الائتلاف وذراعه التنفيذي الحكومة المؤقتة من إدارة المنطقة، وهو ما قد يفسح المجال مستقبلا لوجود مشاريع سياسية تهدف لإدارة المنطقة وتمثيلها سياسيا وهو سيؤدي بالائتلاف إلى مستقبل يسوده الغموض إلا إذا عمل الائتلاف وبالتعاون مع الجانب التركي على إعادة طرح مشروع سياسي ينطلق من المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام ويعطي للائتلاف وزنا داخليا يعزز فيه ما بقي له من اعتراف خارجي.