أوغلو… وسؤال المصير
أضحت تصريحات وزير الخارجية التركي الشغل الشاعل للشارع في الداخل السوري، وانساقت التحليلات المفسرة لتردها لطبيعية العلاقات التركية الروسية والإيرانية كمحدد للسياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، ولكن أن كانت كل الطرق تودي الى روما كما يقال فإن كل سياسة خارجية محركها الأساسي هو داخلي وهي القاعدة التي تنطبق على الحالة التركية الراهنة، فأهم محدد للسياسة الخارجية التركية الحالية هو الاستحقاق الانتخابي عام 2023.
وحزب العدالة والتنمية يرى بانتخابات عام 2023 انتخابات مصيرية، ولن يدخر جهدا للفوز بها، وعليه يسعى لسحب كروت اللعب القوية من يد خصومه وعلى رأس هذه الكروت هو الوضع الاقتصادي المتراجع وقضية اللاجئين السوريين في تركيا، وقد تبنت الحكومة التركية خطوات لتحسين الوضع الاقتصادي كتخفيض أسعار بعض المواد الغذائية و محاولة إحياء علاقات تركيا مع دول الإقليم لكي تنعكس تحسنا في مستوى التبادل الاقتصادي معها، وبما يتعلق بموضوع اللاجئين، طرح الرئيس أردوغان خطة تبدو أنها غير قابلة للتحقق لإعادة ما بين مليون ومليون ونصف سورية قبل عام 2023 ، مع التلويح بعمل عسكري جديد ولكن دون المقدرة على تسويقه دوليا.
وقد تلقفت كل من ايران وروسيا عدم نجاح الخطوات التركية في ملف اللاجئين لتعرضا على تركيا صفقة قوامها معالجة مخاوف تركيا الأمنية ومعالجة ملف اللاجئين مقابل ضمان الاستدارة السياسية التركية في الملف السوري أي بلغة أخرى المساعدة في تهيئة الأجواء المناسبة لحزب العدالة والتنمية في انتخاباتها القادمة مقابل دور سياسي جديد لتركيا في سورية، ويبدو أن بوتين أقنع أردوغان بفكرة ضرورة وجود نظام الأسد كطرف في هذه الصفقة، وعليه فتصريحات تشاويش أوغلو الأخيرة، وما سيتلوها من تصريحات وخطوات تركية هي ليست عملية عشوائية، بل تغير في السياسة الخارجية التركية في سورية، ولكن طريق هذا التغيير ليس مفروش بالورود، فالفيتو الأمريكي حاضر والتهديدات التي تشكلها القضية السورية لتركيا ما زالت قائمة.
وهذه الاستدارة التركية لا تعني بالضرورة تخلي تركيا عن المعارضة ولا عن مشروعها الاستراتيجي في إقامة حزام أمني في شمال سورية تحت سيطرة قوى مقربة منها، بل هي مرتبطة ومتأثرة بشكل كبير بالانتخابات وعليه سنشهد تداعيات سلبية أكبر لحين الانتهاء من الانتخابات، وحينها إذا فاز العدالة والتنمية سيكون بوضع أكثر ارتياحا، وقد تتراجع تركيا حينها عن التوجه الحالي.
ويجب أن ندرك بأن عالم السياسية لا يسوده اللون الأبيض والأسود بل اللون الرمادي، فالتروي أفضل استراتيجية يمكن الركون لها حاليا من خلال امتصاص الصدمة وتكثيف الجهود لتخفيف الآثار السلبية المتوقعة للسياسة التركية الجديدة، ولعل أهم ما يجب على السوريين تجنبه في الفترة الحالية هو زيادة نسبة المعارضين من الشعب التركي لوجود اللاجئين السوريين، وبالتالي تجنب تبني حزب العدالة والتنمية وحتى الأحزاب المعارضة لبرامج ضد مصلحة الثورة السورية في سبيل جذب الناخب التركي لصفها عند الادلاء بصوته في الانتخابات.
والسؤال الذي يجب أن يتم مناقشته وبشكل جاد هو سؤال المستقبل والمصير للشمال السوري فأوغلو لم يخطأ سياسيا عندما قال بأن سورية أمام خيارين الأول هو المصالحة أو التقسيم، وهما خيارين غير واقعيين في الوقت الراهن، فالنظام قائم ولا يوجد إرادة دولية جادة في استبداله أو استبدال رأسه وكل ما يشاع عن رغبة روسية باستبدال الأسد في الانتخابات القادمة هي مجرد خداع سياسي ليس أكثر ويتعامي عنه البعض تحت وطأة الواقع والنظام وعلى لسان أوغلو غير معني بالانخراط بأي تسوية حقيقية، والتقسيم وهو ما رفضه السوريون المعارضين وأصروا على عدم مناقشته قد يشكل طريق نجاة لهم من براثين الأسد ولكن للأسف حتى هذا الطريق غير مدعوم دوليا وخاصة من دول مسار أستانة.
أذا السؤال المفصلي والذي عجز حتى أوغلو عن الإجابة عليه ما هو مصير الشمال المحرر؟
وهو السؤال الذي يجب أن يصبح محور نقاشات وأعمال السوريين الثائرين ضد النظام للبحث عن إجابة عقلانية وواقعية له، وليست مجرد طروحات طوباوية.