هل تفتح جولة الصراع الأخيرة في فسلطين آفاق تسويات إقليمية جديدة؟
تسمر المتابعون أمام المنصات الإعلامية لمتابعة تطورات الأحداث في فلسطين، حيث شهدت فلسطين جولة تصعيدية سلمية من قبل الفلسطينيين الرافضين لسياسة إسرائيل الاستيطانية في حي الشيخ جراح، وصولا لاندلاع جولة تصعيد عسكري بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة، والتي انتهت بإعلان وقف إطلاق نار رعته الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة مصر، لتنبري الأقلام أثناء التصعيد وبعده للقيام بعملية جرد لأسباب فشل الإسرائيليين وأسباب نجاح الفلسطينيين. وبالمجمل، تركزت هذه الأسباب على نواح داخلية مثل معادلة الردع العسكرية، ولكن بشيء من التمحيص البسيط يظهر يتضح أن العامل الخارجي كان حاسما في منع تمدد حالة الصراع وضبطه، وقد تجلى ذلك في مجمل مواقف المجتمع الدولي عموما الرافض لسياسة إسرائيل، إضافة إلى الموقف الأمريكي المتردد في البداية في دعم إسرائيل، ثم الضاغط عليها لإيقاف عدوانها على غزة، وهذا الموقف الأمريكي يتوافق إلى حد بعيد مع الرؤية الأمريكية التي بدأت تتبلور في زمن الإدارة الأمريكية الجديدة والقائمة على الحزم لجهة ضبط حالة الصراعات والحد من اندلاعها وتوسعها، ولعل الموقف الأمريكي من الأزمة الأخيرة في أوكرانيا الحاسم لجهة لجم روسيا هناك، إضافة إلى موقفها الأخير في فلسطين هي دلائل على جدية أمريكية لجهة تسوية الصراعات الإقليمية، أو بالحد الأدنى تجميدها، ولعل جولة التصعيد الأخيرة في فسطين تظهر بأن حالات الصراع في المنطقة ليست منفصلة عن بعضها، بل أن هناك تداخلات تجعل من هذه الصراعات أقرب إلى حالة صراعية واحدة مركبة، ولكن بمستويات مختلفة. وعليه، فإذا ما أرادت أمريكا العمل على تسوية الصراعات في المنطقة بما يتوافق مع رؤيتها لضمان خروج هادئ لها من المنطقة، فهي ستكون أمام جملة قضايا تتطلب دبلوماسية أمريكية نشطة وحازمة، ولعل أبرز القضايا التي ستسعى أمريكا إلى حلها أو فتح مسارات تسوية جديدة لها هي القضية الفلسطينية، والتي يمكن لأمريكا بداية العمل على تثبيت وقف إطلاق النار، وإطلاق عملية إعادة إعمار غزة، ليليها طرح عملية تنشيط المسار السياسي من خلال طرح مبادرة سياسية في هذا السبيل، كما أن القضية اليمنية أيضا من القضايا التي، على ما يبدو، تشغل حيزا من اهتمام الإدارة الأمريكية، وهي تدرك بأن الوصول لتسوية في اليمن يتطلب عقد تسوية سعودية إيرانية، وفيما يتعلق بليبيا، فبعد الاتفاق الأخير بات من الملح العمل على تثبيته ومنع هدمه، وهو ما يتطلب تثبيت الانفراجة في العلاقات التركية المصرية، كما أن الملف الإيراني سيكون حاضرا وبقوة في الذهنية الأمريكية، ولعله من نافل القول إن مسار فيينا، ومهما طال، لا بد أنه سيختم بتسوية واتفاق جديد، وبين كل هذه التعقيدات يبدو أن القضية السورية غائبة، وأغلب الظن أن هذا الأمر دقيق نسبيا، فغياب الاهتمام بالقضية السورية لا يعود لقلة أهمية هذه القضية، بل لجمود الوضع العام في سورية بعد سكون خطوط الجبهات، ولكن إصرار النظام على مسرحيته الانتخابية سيشعل نيران الجبهة السياسية من حيث لا يدري، فأمريكا تدرك بأن عنت النظام هو كالصاعق المستخدم في المتفجرات، خاصة وأن سورية باتت أخطر برميل ديناميت متفجر في المنطقة لما تحتويه من تواجد عسكري مباشر لكل من أمريكا وروسيا وايران وتركيا. وبالتالي، تبقي المخاطر التي قد تولدها القضية السورية تفوق بأضعاف المخاطر التي تولدها القضايا الأخرى، وعليه فالجولة التصعيدية الأخيرة في فلسطين سيكون لها ارتدادات تتعدى القضية الفلسطينية، وكلمة السر في هذه الارتدادة هي طبيعية الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط ورؤيتها لطريقة التعامل مع الصراعات في الإقليم واحتمالية رعاية تسويات إقليمية جديدة.