كيف يستطيع الداخل السوري جذب الاستثمارات السورية في الخارج؟
يحيى السيد عمر
سببت الحرب السورية هجرة رؤوس الأموال السورية إلى بلدان عدة أهمها تركيا. وبلغت الاستثمارات السورية أرقاماً قياسية في تركيا وفي مصر وفي غيرها من الدول. وهنا تبرز تساؤلات مهمة: كيف يستطيع الداخل السوري جذب الاستثمارات السورية في الخارج؟ وهل التغيرات الإقليمية تدعم مساعي المجالس المحلية في استقطاب هذه الاستثمارات؟
ما حجم الاستثمارات السورية في الخارج؟
في الواقع بلغت استثمارات السوريين في الخارج أرقاماً قياسية. ففي تركيا وحدها تبلغ عدد الشركات السورية 10 آلاف شركة. وتبلغ قيمة الاستثمارات الإجمالية أكثر من 3 مليارات دولار. وتساهم هذه الشركات سنوياً بـ 240 مليار ليرة تركية. وهو ما حقّق دفعاً لا بأس به للاقتصاد التركي.
مصر هي الأخرى من الدول التي احتضنت رؤوس أموال سورية ضخمة. فقيمة الاستثمارات السورية فيها تتجاوز 20 مليار دولار. وهذا الرقم مرشّح للتصاعد لا سيما أن العديد من المستثمرين في مناطق سيطرة النظام يهاجرون إلى مصر. إضافة لكون مصر تستقطب بعض المستثمرين السوريين في تركيا.
كيف تؤثر الظروف الإقليمية في حركة رؤوس الأموال السورية؟
في الحقيقة تشهد خريطة توزع رؤوس الأموال السورية تغيراً مستمراً. ففي الوقت الحالي تعتبر مصر من أهم الوجهات التي تقصدها رؤوس الأموال هذه. فالضغوط التي يمر بها الاقتصاد التركي وحالة التوتر الاجتماعي التي تسود بعض البيئات الاجتماعية في تركيا تدفع بعض المستثمرين للهجرة من تركيا إلى مصر.
هل الداخل السوري مستعدّ لاستقبال الاستثمارات؟
يقتضي الحكم الموضوعي الاعتراف بأن البيئة الاستثمارية والمالية والاقتصادية في الداخل السوري غير مهيأة لاستقبال الاستثمارات لا سيما الضخمة منها. وهنا لا بد من التأكيد على أن الاستثمارات السورية في الخارج لا تقتصر على المصانع العملاقة.
تضم الاستثمارات السورية في تركيا شريحة واسعة من المنشآت الاقتصادية. بدءاً بالمشاريع المتناهية الصغر والصغيرة فالمتوسطة وانتهاءً بالمصانع الكبيرة. وكما تم التوضيح سابقاً فإذا كان الداخل السوري غير مهيئ لاستقبال المنشآت الكبرى فهو بالتأكيد قادر على استقبال المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
تدل التجارب الاقتصادية في الدول التي شهدت انتعاشاً اقتصادياً عقب الحروب والكوارث أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي الأقدر على تحقيق الأثر الاقتصادي الإيجابي المنشود. وهذا الأمر ينسحب وبشكل تام على الداخل السوري والذي بدأ يشهد مؤشرات تعافٍ اقتصادي مبكر.
وهناك تساؤل مهم أيضًا: كيف يمكن للسلطات المحلية في الداخل السوري العمل على الاستفادة من تغيرات خارطة الاستثمارات السورية في الخارج؟ في الواقع لا بد للسلطات المحلية من القيام بعملية تسويق خارجي يستهدف شرح المقومات الاستثمارية في الداخل السوري.
في إطار استقطاب هذه الاستثمارات لا بد من إصدار قانون استثماري يوضح حقوق وواجبات المستثمرين في الداخل السوري ويمنحهم إعفاءات ضريبية. ويوفر لهم الحماية التامة لهم ولأموالهم. بالإضافة إلى فتح قنوات اتصال معهم من خلال إحداث مكاتب استثمارية في كل البيئات الخارجية التي تحتضن المستثمرين السوريين صغارهم وكبارهم.
إن عقد مؤتمر استثماري سوري سنوي أو نصف سنوي تقليدي وافتراضي يعتبر ضرورة ملحة ووسيلة تواصل رئيسة وفعالة مع المستثمرين السوريين. ويشكّل قناة اتصال مباشرة بينهم وبين السلطات المحلية في الداخل السوري.
على السلطات في الداخل السوري أن تدرك أن فشلها في استقطاب رؤوس الأموال السورية يعني فشلها التام في جذب رؤوس الأموال الأجنبية. فمن غير المنطقي أن يقبل المستثمر الأجنبي على الدخول لمنطقة ما يرفض مواطنوها الاستثمار بها.
في المقابل يمكن القول بأن النجاح في استقطاب رؤوس الأموال السورية يشكل حافزاً لرؤوس الأموال الأجنبية. مما يدعم موقف السلطات المحلية في الداخل السوري في تواصلها العالمي. وهذا ما يحتم بذل كامل الجهد في إنجاح التواصل مع المستثمرين السوريين في الخارج.