ترجمات: ما هي الاستراتيجية الأوروبية في سوريا؟
المقال منشور في مجلة Le journal de Dimanche الفرنسية ومتوافر عبر الرابط التالي:
https://www.lejdd.fr/International/Moyen-Orient/tribune-quelle-strategie-europeenne-pour-la-syrie-3965181
Julien Barnes-Dacey
مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوربي للشؤون الخارجية.
تأكل العائلات في كل يوم بشكل أقل من سابقه، عندما تستطيع تأمين الطعام لأفرادها. يقرر الآباء المحبطون وضع حد لدراسة أبنائهم من أجل إرسالهم إلى العمل. بينما تنهار الدولة أكثر وأكثر تستمر الحكومة السورية باستهداف مواطنيها بالأسلحة الكيماوية وبتهديم المشافي، كما تستمر باعتقال الآلاف منهم في سجونها.
مؤخراً، يخيم شبح انتشار وباء كورونا على البلاد، منذراً بكارثة صحية واقتصادية يمكن أن تدفع البلاد إلى قاع الهاوية.
يستمر تفاقم سوء الأوضاع في سوريا، وهذا ما تمت ملاحظته عدة مرات في السنوات التسع الأخيرة منذ بدء النزاع السوري. يجب أن تدفع المعاناة المستمرة للشعب السوري وتأثير النزاع السوري على المصالح الأوربية إلى تفكير عميق في أوربا لإيجاد الحلول، فهل يستطيع الأوربيون تغيير سياستهم بينما يدخل النزاع السوري مرحلة جديدة؟
ليس فقط بإمكانهم فعل ذلك بل يجب عليهم فعله، عن طريق اعتماد استراتيجية (المجتمع الأقصى أو العميق) وليس فقط (ممارسة الضغط الأقصى)، بهدف تقوية صمود المجتمع السوري على الأرض، يجب اتباع برنامج تحويل على المدى الأطول.
ما زال بإمكان الأوربيين أن يكونوا قوة في خدمة الخير للشعب السوري. نظام بشار الأسد يبقى هو المشكلة ولا يمكن أن يكون الحل، لكن يجب على الأوربيين أن يقترحوا جدول أعمال لبناء سوريا يأخذ في الحسبان بأن الانتقال السياسي ليس ممكناً ضمن الشروط الحالية. مع غياب هكذا برنامج، ستتفاقم معاناة السوريين أكثر وأكثر، وستتأثر المصالح الأوربية المرتبطة بسوريا.
في ضوء الواقع الحالي كسب بشار الأسد المعركة العسكرية، لكنه أمام تحد جديد إذا أراد تعزيز سيطرته على البلاد: تراهن الولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أوربية أن نظام الأسد لن يستطيع إعادة السلام إلى كل البلاد.
مع استمرار المشاكل الأساسية للنظام المتمثلة في إدارته المليئة بالفساد، اتفق اللاعبون الغربيون على استخدام أسلحتهم الأخيرة للتأثير على النظام، على أمل كسب الرهان بفشله.
أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً جديداً على شكل حملة ضغط اقتصادي، تهدف بوضوح إلى منع انتصار دائم لروسيا وإيران في سوريا. تهدف هذه الحملة إلى زيادة العزلة والمعاناة الداخلية للبلاد، ولجعل الدول الأجنبية المؤيدة لنظام بشار الأسد تدفع الثمن غالياً. وهكذا فالهدف المعلن للحملة هو دفع النظام والدول المؤيدة له إلى تغيير تصرفاتها، بينما هدفها الحقيقي هو انهيار النظام وإسقاطه.
ومع ذلك، منذ بداية الحملة الأمريكية، أدرك بعض المبعوثين الأوربيين أكثر وأكثر بأن هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تفضل إسقاط النظام لا تتوافق مع اهتماماتهم ولا تستجيب لمصالحهم. بشار الأسد هو المسؤول عن انهيار المجتمع السوري، لكن عدة مبعوثين أوربيين، من ضمنهم أولئك الذين يؤيدون إزاحة النظام، يخشون بألا تؤدي السياسة الأمريكية إلى مساعدة سوريا على النهوض مجدداً، بل قد تكون عاملاً سلبياً بالنسبة للشعب السوري واستقرار المنطقة.
الترويج لمزيد من إفلاس الدولة السورية لن يؤدي غالباً إلا إلى الزيادة من حدة عدم الاستقرار وتعزيز القبضة العسكرية لبشار الأسد على البلاد، خاصةً أنه ما زال يستولي على المؤسسات الضرورية لبقائه في السلطة. لن يؤدي ذلك إلى انتقال السلطة، بل سيزيد من آلام الشعب السوري وسيضاعف من عدد المهجرين، وسيوجد أرضاً خصبة لعودة التطرف. هذا كله دون الحديث عن التأثير المدمر المتوقع لجائحة كورونا.
يجب أن يرفض الأوربيون هذا النهج من الضغط الأقصى لأنه سيأتي بنتائج عكسية. ويجب على الحكومات الأوربية أن تطبق سياسات بنّاءة تعتمد على حماية وتقوية هذه القوى في المجتمع السوري التي ما زالت تقاوم، بدلاً من خنقها وتفكيكها.
السوريون هم وحدهم القادرون على إعادة بناء سوريا قادرة على الاستجابة لحاجات شعبها، الغذائية في بادئ الأمر، ومن ثم تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار، وصولاً إلى تأمين الأرضية اللازمة للتغيير السياسي بعد مدة من الزمن.
يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجية الأوربية تعاوناً متزايداً مع اللاعبين السوريين الموجودين في داخل سوريا، حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، مع انتباه خاص لمحاولات تقوية القدرات المحلية.
يجب أن يشتمل ذلك على دعم متزايد للنمو، تقديم مساعدات أكثر وأكثر للشعب السوري، والحصول على استثناءات من العقوبات الأوربية لضمان إدخال مساعدات إنسانية أكثر فعالية، كون هذه الاستثناءات لم تُحترم فعلياً.
هذا التقارب ربما يفترض التخلي عن كل طموح لتغيير النظام على المدى القصير، لكنه يجب ألا يشتمل على دعم أكبر لإعادة البناء، ولا على إعادة شرعية بشار الأسد بواسطة أوربا، الأسد يجب أن يخرج كلياً من عملية التحول السياسي القادمة في سوريا.
يجب على الأوربيين أن يتقدموا في هذه السياسة مع أكبر حذر ممكن، وألا يقدموا دعمهم إلا لمبادرات صغيرة متعلقة بمبادئ عميقة، حتى لا يستطيع النظام الاستفادة من مساعدة خارجية إضافية تقوي موقفه.
رغم أن الفسحة الممكنة للعمل على الأرض السورية قد تقلصت، وسيكون مستحيلاً تقديم مشاريع سياسية علنية، فإنه من الخطأ التأكيد بأنه لا يمكن فعل شيء طالما لم يتم إسقاط بشار الأسد. السوريون هم أول الحذرين من انحرافات النظام، لكن الكثير منهم يدعو الأوربيين، مع ذلك، إلى إيجاد مشاريع جديدة للعمل أكثر.
في النهاية، تبدو استراتيجية (المجتمع الأقصى أو العميق) التي تبحث عن تجاوز النظام السوري لتدعيم القوى السورية التي ما زالت موجودة على الأرض، حتى التي ما زالت تحت سيطرة النظام، ومساعدة هؤلاء الأفراد وهذه البقايا من الحياة في مجتمع قادر على العيش بشكل مستقل، مهمة للغاية لأجل مستقبل سوريا واهتمامات الأوربيين في نفس الوقت.