أمريكا في درعا “الحاضر..الغائب”
مع زيادة التوتر في درعا تتركز النقاشات حول ماهية المواقف الروسي الحقيقي مما يجري هناك، فالبعض يرى أن روسيا تريد أن تقف موقف المحايد بين النظام وأهالي درعا وبين من يرى أن النظام لم يقدم على التصعيد لولا وجود ضوء أخضر روسي فالمتحكم اليوم في الجانب العسكري هم الروس، ولكن هذا التركيز على دور روسيا يبعد عن أذهاننا أهمية الموقف الأمريكي، وخاصة في جنوب سورية، فخلال سنين الثورة كان الدعم الأمريكي العسكري لقوى الثورة أكثر وضوحا في المنطقة الجنوبية، حيث كانت أمريكا هي اللاعب الأساسي في تحديد ماهية القوى التي يجب دعمها من خلال غرفة “الموك”، وقد ساعدت طبيعية توجهات غالبية الفصائل في المنطقة على تسهيل الدعم الأمريكي وحتى بعد التدخل الروسي في عام 2015 بقيت أمريكا هي الراعية الفعلية للمنطقة وقد لعبت أمريكا مع الأردن دورا بارزا في تموز عام 2017 للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد شهرين من الإعلان عن اتفاقية مناطق خفض التصعيد في أيار من نفس العام. وعليه، بقيت دائما المنطقة الجنوبية تظهر بأنها تحت عباءة المظلة الأمريكية وليست تحت عباءة مسار أستانة، ومع شن النظام لمعركته في حزيران 2018 كان الموقف الأمريكي هو الفيصل في تحديد نتائج المعركة حيث أرسلت في حينها رسالة مفصلية للفصائل كان نصها: (( نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، ولا نزال ننصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا، نفهم أنكم يجب اتخاذ قراركم حسب مصالحكم ومصالح أهاليكم وفصيلكم كما ترونها، وينبغي ألا تسندوا قراركم على افتراض أو توقع بتدخل عسكري من قبلنا، يجب أن تتخذوا قراركم على أساس تقديركم لمصالحكم ومصالح أهاليكم، وهذا التقدير وهذا القرار في يدكم فحسب”. وهو ما اعتبر فعليا تخلي أمريكي عن المنطقة الجنوبية وهو ما دفع بعض القوى العسكرية هناك للتفاهم مع الروس والاحتفاظ بسلاحهم، ومع تصاعد حدة التوتر مجددا في درعا نتيجة رغبة النظام في فرض سيطرته بشكل كامل وفعلي على المنطقة تدرك أمريكا أنها لا يمكن أن تتخلى عن مسؤولية ماذا سيحدث في درعا، فمآل قادم الأيام لا تتحمل روسيا وإيران تبعاته فقط، بل أيضا أمريكا تتحمل ذلك، وقد دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وهو أعلى مسؤول في الخارجية الأمريكية نظام الأسد إلى وقف الهجوم على مدينة درعا البلد بشكل فوري. وقال بلينكن، عبر حسابه في “تويتر”، “ندين هجوم نظام الأسد الوحشي على درعا، وندعو إلى وقف فوري للعنف الذي أودى بحياة المدنيين وتشريد الآلاف، الذين يعانون من نقص الغذاء والدواء”، كما دعا إلى “وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني تماشياً مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
إذن، درعا حاضرة في السياسة الأمريكية، ولكن ماهي أدوات أمريكا الفعلية لحماية درعا من هولوكوست قد يكون النظام يسعى لتحضيره للمنطقة؟
بشكل عملاني لا نجد أن لدى أمريكا خيارات ميدانية قوية فغرفة الموك أصبحت أثر بعد عين، وفكرة إعادة إحيائها تبدو فكرة غير منطقية في ظل الظروف الحالية، وفكرة دعم دولة إقليمية للوقوف في وجه النظام كالحالة في شمال غرب سورية لا يوجد لها حوامل فعلية، فالأردن لا يملك القدرة ولا الإرادة لخوض هذا الامر رغم خشيته من موجات نزوح نحو أراضيه، ولكن تبقى فكرة التدخل في مواجهة النظام وإيران فكرة يخشاها الأردنيون، وعليه، يبدو أن الخيار الأكثر منطقية لدى الأمريكيين هو التفاهم مع الروس لمنع النظام من شن علمية عسكرية كبيرة ضد درعا ويمكن لهم المحاججة بجملة التفاهمات الموقعة مع الروس سابقا حول المنطقة، وربما يمكن تغليب احتمالية نجاح أمريكا في هذا المسعى خاصة أن روسيا لا تريد أن تكرر نماذج المعارك الكبرى في سورية حاليا وما ستتركه هذه المعارك من مآسي إنسانية، خاصة وأنها أعلنت أكثر من مرة أن المعارك انتهت في سورية، وفي حال حدوث الاحتمال الذي تم ترجيحه وهو تخفيض التصعيد، فسيبقى الجنوب منطقة غير مستقرة ريثما يتم البت النهائي بين القوى الفاعلة في الجنوب لتحديد هوية الجنوب؛ هل سيصبح تحت التحكم الكامل من النظام، وبالتالي إيران وهو ما يثير حفيظة كلا من الأردن وإسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة الأمريكية؟
أم أنه سيكون هناك توجه لإعادة دعم القوى المحلية في الجنوب بما يشمل درعا والسويداء لفرض واقع ينتج إقليم في الجنوب يماثل باقي أقاليم النفوذ الحالية؟ ولكن تبقى المعضلة في هذا الخيار هو غياب الدولة الضامنة .
