الإطاحة ببوتين مخرج روسيا من ورطتها في أوكرانيا
بالأمس وقع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” اتفاقيات انضمام أقاليم “لوغانسك” و”دونيتسك” و”خيرسون” و”زابوروجيا” إلى الاتحاد الروسي، وأعلن أن هذه المناطق من أوكرانيا أصبحت مناطق روسية. وكان المسؤولون الروس قبل ذلك قد نوهوا إلى أن روسيا وهي تدافع عن أراضيها لديها الحق باستخدام كل ما تمتلك من قوة بما في ذلك السلاح النووي. وعلى الطرف الآخر، جاء الرد من الرئيس الأوكراني “فلوديمير زيلنسكي” بأنه اتخذ خطوة حاسمة بالتوقيع على طلب أوكرانيا للانضمام السريع إلى “النيتو”، فهل هو التصعيد أم بداية الحل؟
من وجهة النظر الروسية، فهذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب، فهي ترى أنها بضم هذه الأقاليم تحفظ ماء وجهها أو ماء وجه “بوتين” إن صح التعبير، فهو الذي وضع روسيا في هذا الموقف المحرج، فبعد أن أصبح الجيش الروسي وسلاحه أضحوكة أمام العالم، يبدو أن الرئيس الروسي أصبح موقنا أن سقف مطالبه التي طرحها بتغطرس عند إطلاق ما أسماها “العملية العسكرية الخاصة” هو سقف مرتفع، وأنه بالغ بالكذب فيما يخص قوة جيشه حتى صدق نفسه. وهو يعلم، في نفس الوقت، أنه إن خرج من هذه الحرب دونما تحقيق أي هدف؛ فإن ذلك يعني نهايته ونهاية روسيا.
الأوكرانيون من جهتهم، هم في قمة الحماس والثقة بالنفس بعد التقدم الكبير الذي أحرزه جيشهم في محيط “خاركيف”، ونتيجة استمرار تدفق الأسلحة الغربية التي أثبتت تفوقها على الأسلحة الروسية في أرض المعركة بشكل واضح. لذلك، فهم يمنون النفس بتحرير كل أراضيهم المحتلة بما فيها شبه جزيرة القرم، لكن قرار إيقاف الحرب أو استمرارها لن يصدر من “كييف” بل من “واشنطن” بالتحديد، فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون قد يعملون بالعرف المتبع لديهم: إنه ليس من الصواب المبالغة في إذلال القوى العظمى. وبالتالي، يقبلون بإيقاف الحرب عند هذا الحد إن هم اعتقدوا أنهم قد لقنوا “بوتين” درسا جيدا. إذن، فالقرار يرجع إلى تقدير القادة في الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا.
حتى الآن، تبدو التصريحات الصادرة عن العواصم الفاعلة في الأزمة الأوكرانية غير مهادنة. فعلى سبيل المثال، مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي يصرح على إثر القرار الروسي بأن وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها غير قابلة للتفاوض، وسنواصل دعم جهود أوكرانيا لاستعادة السيطرة على أراضيها من خلال تقويتها عسكريا ودبلوماسيا. ولم يكن تصريح أمين عام حلف “النيتو” وغيره ممن عبروا عن إدانتهم للخطوة الروسية تختلف عن هذا السياق، فهل أصبح الغرب لا يقبل بأقل من رأس “بوتين” لإنهاء هذه الحرب؟!
بعض المؤشرات توحي بذلك، فالرئيس الأوكراني في تعليقه على دعوة “بوتين” لأوكرانيا للتفاوض قال: أوكرانيا لن تتفاوض مع روسيا ما دام بوتين رئيسا، والمسؤولون في الغرب من خلال تصريحاتهم خلال الحرب كانوا يتبعون أسلوب ما يعرف ب “تفريد الخصم” أي الإيحاء بأن المعركة مع “بوتين” منفردا وليست مع الشعب الروسي المسالم. من جهة أخرى، أثبت الرئيس الروسي بأنه رجل يكذب، وأنه ليس موضع ثقة لتقديم التعهدات، وهو ما تحدث به أكثر من مسؤول في الدول الغربية. وهنا يبقى السؤال الأهم، فهل لدى الدول الغربية الجرأة على الاستمرار في ممارسة الضغط على روسيا رغم التهديد باستعمال الأسلحة النووية؟!
مبدئيا، مجرد لجوء “بوتين” للتهديد بالأسلحة النووية يعتبر مؤشر ضعف واختناق. لذلك، حاول الرئيس الروسي تجنب الإشارة إلى هذا الموضوع في خطابه الأخير في مجلس “الدوما”، مع ذلك، يعتقد الكثيرون أن كل ما صرحت به القيادة الروسية، وكل ما اتخذته من قرارات، سواء التعبئة أو الضم أو غيرها ليس لها سوى معنى واحد، هو الدفع بالأمور إلى حافة الهاوية من أجل الوصول إلى حل، وهذا يعني أنه مجرد تهويل لا يمكن للقيادة الروسية أن تحوله إلى واقع، فاستعمال الأسلحة النووية في هذه الحرب خيار أحمق غير مضمون العواقب، وهو سيغضب الصديق قبل العدو، وربما يعلم “بوتين” أن لحظة إصداره لمثل هذا الأمر (الضرب بالنووي) هي لحظة القبض عليه من قبل المحيطين به وإقالته على أنه فقد عقله، فهو لن يجد في روسيا كلها من يقبل بتنفيذ هكذا أمر. من جهة أخرى، بعد قمة “شنغهاي” التي عقدت قبل أسبوعين من قرار الضم؛ التقطت الإدارة الأمريكية بعض الإشارات التي توحي بأن أصدقاء “بوتين” هم عامل ضغط عليه أكثر من كونهم حلفاء، فبعد لقائه بالرئيس الصيني صرح بوتين: أنا متفهم للمخاوف الصينية وقلقهم من الحرب الأوكرانية، فيما سمع من رئيس الوزراء الهندي قوله: إن هذا ليس وقت حرب، وهو ما يعني أن كل من الهند والصين تمارسان الضغط على الرئيس الروسي بضرورة إنهاء هذه الحرب. من أجل كل ذلك، فإن القرار بمواصلة الضغط حتى الإطاحة ببوتين هو قرار وارد جدا.
أخيرا، ومهما انتهت إليه هذه الحرب، فإن روسيا بعد الحرب ليست كما قبلها، وهي تتجه نحو الأسوأ بكل تأكيد، فهي خسرت الكثير ماديا ومعنويا، وأصبحت دولة شبه معزولة نتيجة ما تراكم عليها من عقوبات اقتصادية وسياسية، ولعل الإطاحة ببوتين والتبرؤ من أفعاله هو أفضل ما يمكن أن يفعله الروس.