مقالات

لماذا لا تتوحد الفصائل العسكرية؟

سؤال لطالما خالج أفئدة السوريين وعقولهم، خاصة أن الحالة الفصائلية كانت لها تداعيات سلبية؛ عسكرية وأمنية وحتى خدمية، وقد كان الكثيرون يردون ذلك إلى الدول والجهات الداعمة لهذه الفصائل، ومع انحسار تواجد هذه الفصائل في منطقة واحدة وتحت رعاية دولة واحدة زالت هذه الحجة وبقيت الحالة الفصائلية موجودة، وأصبحت الحجة البديلة بأن تركيا لا تريد توحيد هذه الفصائل ليسهل عليها قيادتهم.

مع أن تركيا رعت تشكيل مؤسسة الجيش الوطني السوري والذي قطع شوطا مقبولا في عملية تنسيق العمل بين القوى العسكرية بالإضافة إلى منع وجود قوى عسكرية خارج مظلة الجيش الوطني وحتى الانشقاقات البينة داخل مكونات الجيش بقيت في صورة انتقال مجموعة عسكرية من أحد مكونات الجيش إلى مكون جديد دون أن يشهد الجيش الوطني أي عملية انشقاق لخارجه، ومع ذلك لا يمكن القول: إن هذه  المؤسسة استطاعت تجاوز حالة الفصائلية رغم مرور 4 سنوات على تشكيلها، ومع تشكيل غرفة عزم ثم تشكيل الجبهة السورية للتحرير من الفصائل التي خرجت من غرفة عزم بدا واضحا بأن الحالة الفصائلية باقية ومتجذرة.

إن القوة العسكرية ممثلة بالجيش هي أداة القوة الصلبة للدول لحماية نفسها وتضمن السلطة السيطرة على الجيش من خلال ثلاث مقومات رئيسية وهي:

  • أولا: الشرعية حيث يعتبر جيش السلطة هو الجسم العسكري الشرعي ومن هو خارج هذا الجيش يعتبر خارج عن القانون.
  • ثانيا: توفير السلطة الموارد المادية للجيش لسد احتياجاته مثل شراء الأسلحة ودفع الرواتب وغيرها.
  • ثالثا: توفير القوى البشرية للجيش من خلال قانون التجنيد العام.

ومن خلال هذه العوامل الرئيسية يمكن للسلطة ضمان وجود مؤسسة عسكرية واحدة تتبع لها.

ولكن في حال تعدد الجهات التي تمنح الشرعية وتقدم التمويل والأفراد يكون من السهل بمكان إنتاج قوى عسكرية متعددة. وإذا ما انتقلنا إلى الحالة السورية نجد بأن المناطق المحررة لم تستطيع إنتاج هيكل سلطة مركزي قادر على تقديم الصفة الشرعية والتمويل والموارد البشرية لجسمه العسكري، وعليه فالوصول إلى تجاوز الحالة الفصائلية يتطلب بداية تجاوز حالة تعدد مراكز السلطات والوصول إلى مركز سلطة واحد، ولعل هذا المطلب رغم أهميته يعتبر غير واقعي فكيف يمكن بناء جسم سلطوي مركزي في ظل وجود مراكز سلطة تمثلها الفصائل؟

 وكيف يمكن الطلب من الفصائل دعم وجود مثل هذا المركز إذا كان في النهاية سيعمل هذا المركز على حل هذا الفصائل؟

إن التشتت العسكري وتنوع الفصائل هي حالة شهدتها معظم الدول التي تشهد حالة صراع، والحالة السورية ليست بحالة مختلفة عما سبق وما يثير الأسف أن طريقة الوصول إلى حالة سلطوية مركزية كانت تمر من خلال التغلب والقوة وإقصاء الآخرين، وهو طريق يشوبه الكثير من المخاطر، ومما يعقد الأمور أكثر بأن الفصائل العسكرية تمثل مشاريع بتوجهات سياسية وإيديولوجية وسلطوية مختلفة، بل وقد تكون متعارضة، مما يصعب أي عملية توحيد لهذه الفصائل، وحتى في حال وجود دور خارجي كالدور التركي، يبقي لتركيا دور محدود في هذا المجال، فليس من السهل على تركيا القيام بهذه الخطوات لأن هذه الخطوة ستعني زوال مراكز سلطة لأفراد وجهات قد تقاوم الخطوة التركية، وبل قد تسبب لتركيا مشاكل وتهديدات أمنية ليس من اليسير لتركيا التعامل معها.

إذا هل الفصائلية قدر محتوم؟

ليس الأمر كذلك كما أن تجاوز الفصائلية ليس بالتمني أو بالمسار اليسير ولعل من أهم الخطوات لتجاوز الفصائلية هي في تقوية مؤسسة الجيش الوطني من خلال حصر عملية التمويل للفصائل من خلاله وتقوية البنية الفنية واللوجستية للهيكل المؤسسي للجيش.

 كما أن هناك عنصر لعب وسيلعب دورا في عملية التوحيد وهو عنصر الخوف فالفصائل عندما تشعر بخطر ما ولو من قبل فصائل أخرى تسعى إلى عمليات اندماج رغم أنها قد تعود للتفكك بعد زوال عامل الخوف ويجب الاستفادة من هذه الفرص لمنع الارتداد وتقوية الاندماج، وإذا ما نظرنا اليوم إلى تجارب التجمع الأخيرة وتصورنا بأن غرفة عزم والهيئة السورية للتحرير وصلت إلى مرحلة اندماج فعلي بين فصائلها ففي حينها سنصبح نتكلم عن دمج كتل وليس فصائل، وهو ما يصبح أكثر يسرا فاليوم رغم تخوف الكثيرين من مآل العلاقات ما بين غرفة عزم والهيئة السورية للتحرير يبقى الدفع باتجاه اندماج كل منهما فعليا خطوة جيدة للوصول إلى تجاوز مرحلة من مراحل التشرذم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى