ترجمات: سوريا: التنافس على انتخابات رئاسية محسومة مسبقاً
Noura Doukhi: كاتبة وباحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط.
بدون مفاجأة، ولاية بشار الأسد، الذي يستفيد من مساندة حليفيه الروسي والإيراني، سيُعاد تجديدها في شهر أيار.
كما في كل انتخاب منذ وصول عائلة الأسد إلى السلطة في سوريا، فإن الأمر هو تصويت تكون نتيجته معروفة مسبقاً. بينما أعلن مجلس الشعب السوري بأن الانتخابات الرئاسية السورية ستجري في 26 أيار القادم، ارتفعت العديد من الأصوات للاحتجاج ضد هذه المسرحية التي تهدف إلى بقاء الرئيس المنتهية ولايته (بشار الأسد) في السلطة.
عند إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة منذ 7 سنوات، والتي تم فيها ولأول مرة منذ أكثر من 40 عاماً قبول أكثر من مرشح واحد، حصل بشار الأسد على أكثر من ⁒88 من أصوات الناخبين، في تصويت تم إجراؤه فقط في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وبمنافسة من مرشحين غير معروفين من عامة السوريين بغية ادعاء وجود حملات انتخابية ومرشحين آخرين. من المفترض دون أدنى شك أن يُعاد هذا السيناريو في الانتخابات القادمة بعد ترشح بشار الأسد لها.
ليس الهدف من الانتخابات هو طلب رأي الناس، بل الحفاظ على النظام، عن طريق إظهار نظام الأسد صلباً وحكومته قادرة على تحريك ملايين الأشخاص للتصويت، الذي ليس في حقيقته إلا (حفلة تأييد) كما يوضح آرون لاند، المختص بشؤون الشرق الأوسط في الوكالة السويدية للأبحاث.
هذه الانتخابات الرئاسية، الثانية منذ انطلاق الصراع السوري في 2011، تجري بينما يرى بشار الأسد هامش مناورته قد انخفض بشكل كبير لفائدة طهران وموسكو، اللتان استخدمتا أسلحة ثقيلة لمحاربة الثوار وإبقاء الأسد في السلطة. مع ذلك فإن ⁒40 من الأراضي السورية ما زالت تخرج عن سيطرة النظام، الذي لم يستطع استعادة المناطق المحمية من تركيا في الشمال، ولا تلك التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (التي يشكل الأكراد غالبية عناصرها) في الشمال الشرقي، أو تلك التي تقع تحت سيطرة المعارضة في إدلب في الشمال الغربي للبلاد. “بضعة مراكز للتصويت يمكن أن تفتتح فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، حيث تحافظ الحكومة السورية على بعض وجودها، سيعتمد هذا الأمر على الإدارة الكردية للمناطق وعلاقاتها مع دمشق في ذلك الوقت” كما يتوقع آرون لاند.
نقص الشرعية
من جهة أخرى، يوجد في سوريا حتى اليوم 6.6 مليون لاجئ خارج البلاد، بحسب وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR. إذا كان رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ قد صرح بأن المواطنين السوريين الموجودين خارج البلاد يمكنهم التصويت على الانتخابات الرئاسية، فإن دولاً عديدة قد أغلقت السفارات السورية لديها ومنها فرنسا.
“كما جرت العادة، سيجبر الموظفين الحكوميين، وأفراد الجيش والميليشيات على التصويت، بغية زيادة عدد المشاركين الوافدين إلى مراكز التصويت”، كما يشرح ناشط سوري من مدينة دير الزور، لم يكشف عن هويته، ويطلق على نفسه اسماً مستعاراً (زين)، يضيف “لن أصوت، لأن هذه الانتخابات، كسابقاتها، ليست إلا حشواً”.
بمنعه السوريين الذين لم يعيشوا في البلاد بصورة مستمرة في السنوات العشر الأخيرة من الترشح للرئاسة، أزاح النظام كل عضو من المعارضة موجود في المهجر. يجب أن يحصل المرشحون أيضاً على صوت 35 من أصل 250 عضواً في مجلس الشعب، الذي يستولي حزب البعث على الأغلبية الساحقة لمقاعده، من أجل قبول ترشيحهم من قبل المحكمة الدستورية، التي تتألف من أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية بنفسه. هذه المحكمة هي المختصة لتقدير فيما إذا كان طالبوا الترشيح مؤهلون أم لا. وهكذا، يمكن نظرياً، السماح بقبول طلبات خمسة أشخاص آخرين ما عدا الرئيس. الأمر الذي يشكل بنظر عدد من المراقبين محاولة لإظهار التصويت في الانتخابات طبيعياً.
“كل شخص عارض النظام كان عليه أن يواجه الاعتقال، والتهديدات، أو على الأقل العداء من قبل المؤيدين له، كأبناء الطائفة العلوية”. يوضح سهيل الغازي، الباحث والناشط في المعارضة السورية، ثم يتساءل “هل كان المرشحون سيقدمون طلبهم لو لم يضمنوا بأنهم لن يتعرضوا لأي أذى؟”. من بين مقدمي طلبات الترشيح، المجهولين نسبياً، يظهر عضو سابق لمجلس الشعب، رجل أعمال، ومحامي.
من جهته، الرئيس المنتهية ولايته لا يتردد في القيام بحملة انتخابية وكأن مقعده معرض للمنافسة. “الشعارات هي نفسها منذ سنوات، إنها تمجد الأسد، فقط الأسد”. يلاحظ محمد ناصر، ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان موجود في ألمانيا: ” بالنتيجة نرى معلمين يغذون الأطفال مع هذه الأفكار ويجعلونهم يرددون مقتطفات من خطابات الأسد حول الامبريالية والليبرالية الجديدة قبل تعليمهم جدول الضرب”، يتابع الناشط. أساليب يتم تنظيمها بواسطة البروباغندا التي تبثها بشكل اعتيادي، وسائل الإعلام التابعة للدولة.
حالة حرجة
إذا كان الرئيس السوري واثقاً من نجاحه في الانتخابات القادمة، فإنه يجد نفسه في حالة حرجة في مواجهة الشعب، ومن ضمنه حاضنته الشعبية. حيث يتصاعد الغضب في عموم البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم يوماً بعد يوم. ” خلال السنوات الأخيرة، الاقتصاد الذي كان سيئاً من قبل انحدر كثيراً”، يلاحظ آرون لاند، الذي يرى بأن تأثير الحرب، والأزمة اللبنانية (باعتبار أن آلاف السوريين وضعوا أموالهم في بنوك لبنان)، والعقوبات الأمريكية، وسيطرة الأكراد على حقول النفط الرئيسية، ووباء كورونا هي الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية السورية.
في سعيه لإرضاء الناس وجمعهم حوله، أعلن النظام تخفيضاً جديداً لقيمة العملة السورية. بعد يومين من إقالة حاكم المصرف المركزي، بغية تخفيض معدل التضخم، فبينما كانت ترتفع إلى 1250 ليرة لكل دولار، سعر الصرف أصبح 2512 ليرة لكل دولار، حسب النشرة الصادرة عن المصرف المركزي. رغم هذه الإجراءات التي يمكنها أن تأتي بآثار إيجابية، حتى وإن كانت فقط على المدى القريب، تستمر الأزمة الاقتصادية بشكل كبير على الشعب، كما أن 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، إضافة إلى النقص الحاد في الخبز والوقود. ومنظمة الصحة العالمية تحذر من خطر مجاعة. “الشيء الوحيد الذي نفكر فيه هو كيف سنحصل على خبز لنعيش يوماً إضافياً” يقول زين “الجوع، الفقر، الظلم، المخدرات، الخطر، وانعدام الأمن، هي التحديات التي تواجهنا” يضيف مختصراً الحالة بحزن. “ومع ذلك لا توجد أية وسيلة لإبداء هذا السخط عند إجراء الانتخابات الرئاسية”.
العرابون (الرعاة) الروس والإيرانيون
من جهة الغرب، حكومات عديدة أعلنت منذ أكثر من شهر رفضها لإجراء الانتخابات الرئاسية، مؤكدة بأن المهجرين واللاجئين من السوريين يجب أن يشاركوا فيها. دعت الولايات المتحدة الأمريكية المجتمع الدولي “ألا ينخدع بالانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا”، خلال جلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع استمرارها بممارسة أقصى ضغط على نظام دمشق بواسطة قانون قيصر، الذي تم اعتماده في كانون الأول 2019من الرئيس دونالد ترامب. هذا القانون يعاقب كل شخص أو شركة يتعاون مع النظام السوري، مشدداً الخناق على اقتصاد البلاد، الذي كان مسبقاً محلاً لانتقاد غالبية السوريين.
يستطيع بشار الأسد، مع ذلك، الاعتماد على تأييد حليفيه الروسي والإيراني لدعم روايته بأنه شرعي. هذان الحليفان صرحا مؤخراً عن دعمهما للرئيس المنتهية ولايته مع اقتراب الانتخابات، وبحسب مصادر المعارضة السورية ووسائل إعلام روسية، تم إبرام اتفاق بين هذين الحليفين (الروسي والإيراني) لتأمين قيام إيران بتوريد النفط والقمح، ومصادر أخرى إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام دمشق. والهدف الأساسي من هذا الاتفاق هو مكافحة الآثار الناتجة عن العقوبات الأمريكية.
“بالنسبة لموسكو وطهران، مزيد من الوقت للأسد هو مزيد من الوقت لمشاريعهم على الأرض، وخاصة الإيرانيين الذين يحاولون التأثير على المجتمع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم”. يفترض محمد نصر: إذا كانت روسيا وإيران تتابعان مصالح استراتيجية على الأرض، فإن تدخل الدولتين في سوريا هو مبرر أيضاً لاعتبارات داخلية. “ستظهر موسكو أنها نجحت في بلد آخر، دون أن تحتله بشكل حقيقي، بإيجاد قائد مخلص لها، كما فعلت في شرقي أوكرانيا وأبخازيا. وفيما يخص طهران، ستظهر أن “نجاح النظام يعني أن إيران تستطيع الانتصار في مواجهة مؤامرات أخرى يدبرها أعداؤها” كما يوضح سهيل الغازي.
المقالة منشورة في الموقع الفرنسي Lorient le jour بتاريخ 22-4-2021 ومتوافرة عبر الرابط التالي: https://www.lorientlejour.com/article/1259473/syrie-les-enjeux-dune-presidentielle-jouee-davance.html