مقالات

الحكم المحلي كمدخل لرسم المستقبل السوري

تنطلق فكرة الإدارة المحلية أساسا من قاعدة أساسية بني عليها فكرة الإدارة المحلية بشكلها المطلق وهي ضرورة أن يدير الأفراد شؤونهم المحلية باعتبارهم الأقدر على ذلك، وكما يقال بالمثل العشبي “أهل مكة أدرى بشعابها ” وعليه وجدت الإدارة المحلية لتلبي هذا المطلب ولو اختلفت أشكالها وأنواعها، والتي يمكن القول إن الفصل في اختلاف هذه الأشكال يعود أساسا لمقدار الصلاحيات والسلطات المعطاة لوحدات الإدارة المحلية، وفي واقع المناطق المحررة  باتت أجهزة الإدارة المحلية تشكل  حاجة مضاعفة؛ ليس فقط لاعتبار أن الإدارة المحلية الفاعلة وصولا للحكم المحلي هو الشكل الأجدر اليوم في العالم في إدارة المناطق والأقاليم داخل الدول، بل أيضا لغياب مؤسسات الدولة المركزية، وبالتالي باتت أجهزة الإدارة المحلية هي فعليا السلطات الإدارية الوحيدة الفاعلة والتي يقوم مقام الدولة وإن كان هذا أثقل كاهل هذه الوحدات، ولكنه دفع بضرورة البحث عن سبل تقوية هذه الأجهزة باعتبارها الخيار السلطوي الأساسي المتاح، في ظل عدم تبني أو ضعف الأجهزة المركزية البديلة فمن المعلوم أنه  في الدول -وبغض النظر عن شكل نظام الإدارة المحلية فيها- يبقي هناك دور فاعل وأساسي للحكومة المركزية وفي المناطق المحررة تم منذ عام 2015 تشكيل الحكومة السورية المؤقتة كواجهة تنفيذية وإدارية للمعارضة السورية ممثلة بالائتلاف لتكون هذه الحكومة بمثابة حكومة بديلة للحكومة المركزية في دمشق، ولكن ضعف التبني الدولي لهذه الحكومة وضعف هذه الحكومة في إثبات نفسها على أرض الواقع جعل هذا الهيكل الإداري محدود القدرة بالنسبة إلى تلبية الاهداف  المطلوبة منه مما تسبب بتركيز العبء على المجالس المحلية، وهذا العبء لا يتصل فقط بالناحية الخدمية التنظيمية فقط بل هناك بعد يتعداه ولعله هو الأهم، وهو ضرورة انتاج نموذج حوكمي في المناطق المحررة يوصل رسالة للداخل السوري وللخارج بمدى قدرة  قوى الثورة على إدارة المناطق السورية علما أن التجارب السابقة وفي تقييم على عجالة أظهرت عدم نجاح قوى الثورة في الإدارة المحلية الفاعلة على امتداد المناطق السورية، وهذا لا ينفي وجود تجارب ناجحة وخاصة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي شهدت دورا تركيا راعيا لهذه المجالس.

في دراسة قدمها مركز راند ذائع الصيت في الولايات المتحدة الامريكية بعنوان ” خطة سلام لأجل سورية” 3 ” عام 2017 جاء فيها ما يلي:

مناطق السيطرة واللامركزية والإدارة الدولية قدمنا مقترحات لإيجاد طريقة واقعية للمضي قدماً في سوريا على أساس خمسة عناصر أساسية، وهذه العناصر هي:

  1.  تأجيل الانتقال السياسي الشامل ومسألة مصير بشار الأسد إلى أن تصبح آفاق الاتفاق أكثر ملاءمة.
  2. تجميد الصراع على نحو مطرد على طول خطوط المعركة القائمة.
  3. تحقيق اللامركزية الجذرية للحكم.
  4. ضبط الأمن السوري.
  5. الحصول على ضمانات أمنية من جانب قوى خارجية تُشرف على تنفيذ وقف إطلاق النار في المناطق الإقليمية المتفق عليها.

إن الناظر لهذه الدراسة وبعد مرور 3 سنوات يجد دون مواربة أن العناصر الرئيسية التي طرحت فيها؛ أصبحت حقائق ملموسة، وذلك لا يعني بأن السياسات الدولية تعمل بإرادة هذا المركز أو ذاك وإنما يمكن القول إن مراكز الدراسات تبني استشرافاتها على ربط منطقي للمعلومات وآفاق المستقبل.

طبعا هذا الدراسة وما سبقها من دراسات في ذات المساق بنيت رؤيتها على أن الحل في سورية من رأس هرم النظام السياسي يبدو غير قريب. وعليه، لا بد من العمل على حل قاعدي يضمن الوصول إلى حل سياسي مستدام واللبنة الأساسية في هذا الحل هو اللامركزية وأجهزة الحكم المحلي وهو ما يوصلنا إلى مضاعفة أهمية أدوار المجالس المحلية، سواء       لجهة  الإدارة  والخدمات والتنظيم، وهي  حاجة ملحة مباشرة، أو لجهة  دور  هذه المجالس وطريقة بنائها كخطوة في مسار الحل السياسي، ولكن يبقي السؤال الأهم؛ ما هو السبيل للوصول إلى البناء السليم لوحدات الإدارة المحلية في المناطق المحررة؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى مجموعة متكاملة من الخطط والاستراتيجيات والدراسات والاجتماعات والإرادة للوصول لها، ولكن ما أرادت هذه المقالة الوصول إليه هو أن كل ما ذكر سابقا من وسائل يحتاج بداية إلى خطوة أكثر أهمية، وهي بوصلة العمل التي يجب أن يبنى عليها كل ما سبق، وهي الرؤية العامة لطريقة بناء الإدارة المحلية، وحتى نكون واضحين فالرؤية العامة التي حكمت طريقة بناء المجالس المحلية في المناطق المحررة حكمت بمحدد رئيسي وهو القانون 107 لعام 2011 والذي أصدره النظام لتنظيم الإدارة المحلية في سورية وبغض النظر عن التقييم الشامل  لهذ القانون، ولكنه بني على ركيزة وجود حكومة مركزية قوية وهو ما لا وجود له في المناطق المحررة وحتى إيجاده قد يكون صعبا وعليه فالبقاء فقط ضمن هذا المحدد هو تمسك بقشور دون محتوى.

 لابد من أن يكون الواقع والممكن هو المحدد الرئيسي في العمل، وأنظمة الإدارة المحلية ليست محصورة بالقانون 107 وما قامت الحكومة المؤقتة بإصداره من تعديل عليه ضمن اللائحة التنفيذية للإدارة المحلية فهناك أطر أوسع، ولعل الاستفادة من التجربة التركية في مجال الإدارة المحلية – وخاصة في ظل الدور التركي الرئيسي في المناطق المحررة – هو أكثر فاعلية، وهو ما يدفع باتجاه وجود رؤية جديدة للإدارة في المناطق المحررة تنعتق من قيود التفكير التي حكمت طريقة مقاربة بناء الإدارة المحلية في المناطق المحررة خلال فترة قرابة العشر سنوات ولم تعط منتجا قويا وفاعلا.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى