درع الربيع وعودة الروح
لم يسعد الشارع الثوري يوما كسعادته بعملية “درع الربيع”. وهذا حقهم، فميليشيات النظام السوري أو مغول العصر كما يفضل السوريون تسميتهم اجتاحت قسما كبيرا من المناطق المحررة المتبقية، ومرتزقة هذه الميليشيات بدؤوا عبر كمرات هواتفهم الجوالة بإرسال الرسائل المصورة للشعب الثائر بأنهم سوف ينتقمون حتى من الموتى، وبالفعل قاموا بنبش القبور وصوروا أنفسهم متفاخرين وكأنهم يريدون تذكير الناس بماهيتهم التي لا تشبه ماهية الإنسان في شيء، خوفاً من أن يكون السوري الذي خرج ثائرا في وجههم نسي أنهم عبارة عن أشياء، وأشياء غريبة فقط!
تنوعت أشكال الاحتفال بعملية درع الربيع، إلا أن أبرزها كان الإشادة والتغني بنجم هذه العملية: الطائرة المسيرة “بيرقدار”، فرغم معرفة العالم بالطائرات المسيرة إلا أن استخدامها بهذه الطريقة كبديل عن الطيران الحربي المعروف أصاب الكثيرين بالدهشة. خاصة وأن مثل هذه الطائرات عرفت باستخدامها لتنفيذ بعض المهام الخاصة. لقد قيل الكثير عن هذه الطائرة، ووصلت الأمور مع بعض السوريين لدرجة التغزل بها، وربما تهيأ للبعض أن تركيا بواسطة هذه الطائرة قادرة على فعل أي شيء. وهذا بالذات ما يجب التوقف عنده، فرغم أن الفرح والسعادة أمنية كل إنسان لمن يحب، إلا أنه يجب التنويه والتحذير من أعراض السعادة الجانبية التي قد تحدث بعض الارتدادات السلبية في بعض الأحيان، ونقصد هنا: امتطاء صهوة الخيال والتحليق بعيدا، فعملية “درع الربيع” كما هي كل العمليات العسكرية لها بداية ولها نهاية، وسقفها معروف ومحدد، وهي قد تصل إلى هدفها أو قد تقترب منه، ومن المعروف أنه ليس من ضمن أهدافها إسقاط نظام الاستبداد رغم الأماني بأن تؤدي تداعياتها لهذه النتيجة. ورغم ذلك، إن عملية “درع الربيع” تستحق عن جدارة لقب عملية عودة الروح.
لقد جاءت عملية “درع الربيع” في وقت كانت تتساقط فيه المناطق في ريف حلب وريف حماة وريف إدلب بطريقة أشبه بالانهيار. وجاءت في زمن كان فيه المعارضون في الخارج ينقلون للناس كلاما يدعو إلى الخيبة؛ كانوا يقولون للناس إن أكثر عبارة يسمعونها في الدوائر الدبلوماسية الغربية ” إن هذا النظام انتصر ولم يعد بوسعنا فعل شيء، لا نريد الاصطدام مع روسيا”، وكانوا يطرحون أفكارا أقل ما يمكن أن يقال فيها: إنها أفكار طوباوية. والأهم من ذلك أنها جاءت في مرحلة وصلت فيه الأزمة الإنسانية التي تسبب بها القصف الهمجي للنظام وحلفائه إلى مستوى الكارثة الإنسانية، فحوالي المليون نازح غادروا منازلهم هائمين على وجوههم لا يعلمون أين يذهبون، تجمع معظمهم في الخيام قرب الحدود التركية وفي أماكن إيواء جماعية في ظروف شبهها البعض بيوم القيامة. ورغم أن عملية “درع الربيع” لم تنته بعد، إلا أنه يمكن توقع بعض نتائجها فهي:
أولا- أنقذت الملايين من مذبحة محققة، وقلبت مشاعر الخوف إلى مشاعر من الفرح والسعادة.
ثانيا – أعادت الأمل لشريحة كبيرة من الشعب السوري شعرت أو كادت تشعر بالانكسار.
ثالثا- وأدت حلم النظام بإمكانية الحل العسكري، وجعلت من مقولة “لا حل للأزمة السورية سوى الحل السياسي” حقيقة لا مفر منها بعد أن كانت مقولة عائمة لا دليل على أن النظام السوري سيلتزم بها.
وأخيراً، يمكن القول: هذا يكفي لأن نقول: عملية “درع الربيع” تستحق لقب “عملية عودة الروح” وعن جدارة.