سوريا: الشباب ضحية الحرب
Georges Malbrunot
صحفي فرنسي متخصص في قضايا الشرق الأوسط، يعمل لدى صحيفة Le Figaro الفرنسية الشهيرة.
أظهرت دراسة استبيانية للأمم المتحدة مدى الضرر اللاحق بالشباب السوريين، في سوريا وفي المهجر، بعد عشر سنوات من الصراع. حيث تنوعت هذه الأضرار بين فقدان أحد الأقارب، التسرب من المدرسة، الأضرار على الصحة العقلية أو النفسية.
(جيل ضحية) هو مصطلح تم استخدامه سابقاً لوصف الآلام التي عاناها ملايين العراقيين الخاضعين للحصار عام 1990، بعد ثمانية أعوام من الحرب ضد إيران، في زمان حكم صدام حسين. يعاد استخدام هذا المصطلح ليصف الدراما التي يعيشها، منذ بدء الثورة ضد حكم بشار الأسد منذ أكثر من عشر سنوات، الشباب السوريون، ضحية الصراع الذي لم ينته بعد، والذي نتج عنه مئات آلاف القتلى، عشرات آلاف المختفين، وأكثر من عشرة ملايين لاجئ أو نازح.
نتيجة الدراسة التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع 1400 شاب وشابة من السوريين، تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، يقيم منهم 800 في سوريا، 400 في لبنان، و200 في ألمانيا، عرضت واقعاً مظلماً (مأساوياً) عن “جيل ضاع شبابه ومرحلة دخوله في الحياة عندما تمت التضحية به على مذبح الصراع”، كما يقول روبرت مارديني، المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، والخبير في شؤون الشرق الأوسط.
في سوريا، تقريباً واحد من كل اثنين من الشباب (47⁒) أضاع أحد والديه أو أحد أصدقائه المقربين. شاب من كل ستة (16⁒) أضاع أحد والديه أو كليهما أو تعرض أحد والديه أو كليهما لإصابة خطيرة.
يصبح الانتهاء من الدراسة، تأسيس أسرة وإيجاد عمل، مهام شبه مستحيلة عندما يكون الصراع بالأسلحة. تقول أمينة، التي قامت وحيدة بتربية أطفالها منذ موت زوجها بالقرب من دمشق، ” لقد نشأ أطفالي وكبروا بين آلام الدم، المعاناة والقذائف. لم يعرفوا نفس الطفولة التي عشناها”.
“صفير الصواريخ”
عائلات منفصلة، علاقات اجتماعية مقطوعة، 54⁒ من الشباب الذين شملهم الاستبيان فقدوا في وقت ما الاتصال مع قريب لهم. في لبنان هذه تقريباً هي حال 7 من كل 10 شباب، رغم أن بلادهم لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات من مكان حياتهم الجديدة البائسة. في ألمانيا أكثر من نصف الشبان السوريين الذين شملهم الاستبيان ليس لديهم أية أخبار جديدة عن أحد أقربائهم على الأقل.
من جهة أخرى، أتت نسبة التسرب المدرسي بين الأطفال السوريين مرعبة. قبل الحرب كان 93⁒ من الأطفال يذهبون إلى المدارس، أما اليوم أكثر من نصف الأطفال أضاعوا سنة أو أكثر من سنوات الدراسة بسبب الصراع.
يتحسر البعض على ابتعادهم عن أقربائهم وعدم مشاركتهم مناسباتهم، كما تقول سميرة، المستقرة مع زوجها في إسبانيا، والتي تتحسر لعدم استطاعتها حضور زفاف ابنتها.
كيف يمكن تلافي تأثيرات ذلك على الصحة العقلية؟ يبدو ذلك صعباً جداً في مواجهة العنف المتزايد. أكثر من نصف الشباب المشاركين في الاستبيان أصيبوا باكتئاب أو عانوا من قلة النوم خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة. في هذا السياق تقول أمينة، التي تقيم بالقرب من دمشق “يتذكر أطفالي تماماً صوت القذائف، لا تطاردهم فقط صور شلالات الدماء، وإنما أيضاً صوت صفير الصواريخ”. تأسف اللجنة الدولية للصليب الأحمر عندما تذكر بأن قلة فقط من الشباب السوريين المصابين باضطرابات عقلية ونفسية استطاعوا أخذ العلاج الطبي.
“الحياة توقفت”
في بلاد الحرب يصبح الاعتناء بالروح نوعاً من الترف طالما أن الحصول على الغذاء يشكل معركة يومية أو شبه يومية. في سوريا ثلاثة أرباع الشباب يكافحون من أجل تأمين حاجاتهم الأساسية أو الحاجات الأساسية لأفراد عائلتهم.
أكثر من ثلثي الشباب السوري المهاجر إلى لبنان يفتقدون إلى مصادر تمويل، متأثرين بقوة بالأزمة الاقتصادية التي تصيب لبنان منذ أكثر من سنة. يقول أحمد اللاجئ السوري في لبنان “كان كل الناس في القرية يقدروني، كنت سعيداً، أحكي الطرائف دائماً. أما اليوم فلم يعد لدي الرغبة بالتسلية، لم يعد في الحياة مكان للضحك، لا وجود للطرائف والمزاح، لقد توقفت الحياة”.
ومع ذلك يجب ألا تتوقف الحياة، حتى بعد عشر سنوات من الحرب دون نهاية، ودون أمل بالعودة. وحتى لو كان العديد من السوريين يعتقد أن العالم لم يفهم بعد حقيقة ما عاناه السوريون، هؤلاء الشباب يتشاركون جميعاً نفس الآمال، وهي الوصول إلى الاستقرار وإيجاد السعادة.
بحسب الاستبيان، يشعر أكثر من 90⁒ من السوريين اللاجئين في ألمانيا أنهم مقبولون في بلد اللجوء. في المقابل، يشعر ثلث السوريين الموجودين في لبنان بأنهم غير مقبولين إطلاقاً أو أن وجودهم مرفوض، عند جيرانهم اللبنانيين.
الرقم الذي لم يكن مفاجئاً في الاستبيان، الذي لم يتضمن أي سؤال مباشر للشباب عن أملهم بالعودة إلى بلادهم، أن 75⁒ من السوريين الشباب يعتبرون أن الأمان هو الأولوية بالنسبة لهم. لكن يحذر فابريزيو كاربوني، مسؤول ملف الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر من عدم وصولهم إلى الأمان في المستقبل القريب “يجد شباب هذا الجيل أنفسهم أمام توقعات بعقد ثان من الأزمة، ويخشون أنه بعد حرمانهم من طفولتهم وشبابهم، سيتحملون غالباً قسماً كبيراً من مسؤولية أعمال إعادة الإعمار، وبالتالي ستكون حياة أطفالهم متأثرة هي الأخرى بهذا الصراع المدمر”.
[1] النسخة الأساسية للمقال متوفرة باللغة الفرنسية في الموقع الإلكترونية لصحيفة Le Figaro عبر الرابط التالي
https://www.lefigaro.fr/international/syrie-une-jeunesse-sacrifiee-par-la-guerre-20210310