خطة إنقاذ لبنان عبر سورية تتجاوز قيصر أمريكا
يعيش لبنان منذ أكثر من عامين جملة من الأزمات المتلاحقة نتيجة جملة عوامل منها: حالة شلل النظام الاقتصادي والمالي اللبناني، وانتشار جائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، مما دفع البنك الدولي لتصنيف الأزمة اللبنانية من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدةً عالميًّا منذ أواسط القرن التاسع عشر. فقد تراجع إجمالي الناتج المحلي في لبنان من حوالي 55 مليار دولار أمريكي في العام 2018 إلى حوالي 33 مليار دولار أمريكي في العام 2020 مع تراجع إجمالي الناتج المحلي للفرد بالدولار الأمريكي بنسبة حوالي 40 في المئة. كما يرزح أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر الوطني، حيث يعاني الجزء الأكبر من القوى العاملة التي تحصل على أجورها بالليرة اللبنانية من انخفاض القوة الشرائية. ومع ارتفاع معدل البطالة، تواجه نسبة متزايدة من الأسر صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية، فحسب البنك الدولي يعيش لبنان تحت تأثير الأزمات مشكلة حادة في تقديم الخدمات العامة الأساسية وهي الكهرباء، ومياه الشرب، والصرف الصحي، والتعليم، وقد أصبح انقطاع التيار الكهربائي حالة متكررة ودائمة، مما عطل قطاعي الصناعة والخدمات، كما اصبحت المشاجرات حالة معتادة في المحلات حيث يندفع المتسوقون لشراء الخبز والسكر وزيت الطهي قبل نفادها أو ارتفاع أسعارها. كل ذلك دفع بالكثيرين للتحدث عن انهيار شامل للبنان، حيث حذر رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نجيب ميقاتي، من وصول بلاده إلى “انهيار كامل”، معتبرا ذلك “قنبلة تصدم الشرق الأوسط بأكمله”، وأكد ميقاتي أنه “يحظى بالدعم الدولي اللازم من جانب الاتحاد الأوروبي”، مردفا “أنا واثق من أن الولايات المتحدة ستكون منفتحة لتقديم الدعم أيضا”.
هذا الواقع المتردي للبنان دق ناقوس الخطر لدى الدول المجاورة، وخاصة الأردن الذي بات يخشى على نفسه بعد حالة الانهيار التي تعيشها المنطقة شمال الأردن من العراق إلى لبنان، وهو ما دفع بالأزمة اللبنانية لتكون أبرز النقاط التي ناقشها الملك عبد الله في زيارته الأخيرة لواشنطن، حيث حذر الملك عبد الله الثاني من امتداد أزمة لبنان إلى خارج حدوده، ودعا إلى “تنسيق أدوار الجهات الدولية لضمان التحرك الفوري والاستجابة السريعة للأزمات بخصوص لبنان”. هذا التخوف لما يشمل فقط دول المنطقة، بل أيضا الدول الأوروبية ذات العلاقة المباشرة بلبنان وخاصة فرنسا التي عملت على عقد أكثر من مؤتمر للمانحين لدعم لبنان لتوفير تمويلات كمساعدات طوارئ، وكل ما تم جمعه يعتبر مبالغ زهيدة مقارنة بالأزمة الاقتصادية، لذلك لم تستطع هذه المساعدات وقف الانهيار اللبناني.
وفي 20-8-2021 قالت الرئاسة اللبنانية، إن الولايات المتحدة قررت مساعدة لبنان على توفير الكهرباء، باستخدام الغاز المصري، في الوقت الذي يعاني فيه البلد من نقص الوقود. ووفقا لحساب الرئاسة اللبنانية، تلقى الرئيس اللبناني ميشال عون اتصالا هاتفيا من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، أبلغته قرار الإدارة الأمريكية بمساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق الغاز المصري. وستوفر الخطة الغاز الطبيعي من مصر إلى الأردن لتوليده ككهرباء إضافية يمكن نقلها إلى لبنان عبر سوريا، بالإضافة إلى تسهيل نقل الغاز الطبيعي إلى لبنان، وأكدت السفيرة الأمريكية شيا أن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري، وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز، علما أن ملف استجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان ليس جديداً، إذ سبق وطرح الملف أكثر من مرة لكنه لم يكلل بالنجاح لاعتبارات سياسية بين دول الشبكة الواحدة المتمثلة بمصر والأردن وسوريا.
ويغلب الظن أن المبادرة حملها الملك الأردني لواشنطن ورغم سياسة العقوبات التي تنتهجها واشنطن ضد نظام الأسد، لكن واشنطن تدرك الواقع الكارثي الذي يعيشه لبنان، لذلك فالموافقة الامريكية على خطة نقل الكهرباء للبنان آتت لمحاولة انقاذ لبنان من هذا الوضع، كما أن زيادة أداور القوى العربية ” مصر والأردن” في لبنان أمر مرغوب أمريكيا، كما يمكن القول أن الأردن وجد أن الفرصة متاحة حاليا لضمان الحصول على الموافقة على المبادرة بعد التوافق الأمريكي الروسي الأخير في سورية لتجديد عبور المساعدات عبر الحدود وتحييد الملفات الإنسانية، حيث توقع المراقبون في حينها أن تتجه أمريكا للتحفيف الجزئي من حجم العقوبات ضد النظام كنوع من الالتزام مع روسيا في صفقة تمرير القرار الأممي.
وبما يتعلق بموضوع الكهرباء، تملك سوريا شبكة كهربائية مع الأردن دشنت في آذار عام 2001، وبتمويل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ووفق خبراء اقتصاد فإن الشبكة ما زالت قائمة ولم تتأثر بالمجريات العسكرية التي حصلت، وعليه فاستقرار المنطقة الجنوبية أمر حيوي لنجاح عملية استجرار الكهرباء ثم تحويلها للبنان، فالصراع في الجنوب وحسم مصيره أمر مهم لمسار الخطة، والسعي الإيراني لإثبات نفسه في الجنوب يسهم في تحجيم أي دور عربي تجاه سورية تكون بوابته البوابة الجنوبية – رغم التفضيل الأمريكي و الروسي لمثل هكذا دور- من جهة، ومن جهة أخرى يضيف لإيران ورقة مساومة جديدة لا تتصل بالموضوع الإسرائيلي وإنما بالوضع الأردني واللبناني.
ولا يمكن لهذه الخطة أن ترى النور إلا بموافقة النظام الذي سيسعى جاهدا للاستفادة منها للتخفيف من حجم أزمة الكهرباء التي تعيشها مناطق سيطرته، لذلك سيسعى إلى الاتفاق مع دول الخطة لتخصيص كمية من الكهرباء له و فرض رسوم على نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان، كما أن نجاح الخطة مرهون بتوفير التمويل اللازم للتشغيل خاصة أن الدول الأربعة تعاني من أزمات اقتصادية تحد من قدرتها على توفير تمويلات تساعدها على تنفيذها، وقد تم تداول أن البنك الدولي هو الجهة المرجحة لتوفير التمويل للخطة، وبذلك يبقى للولايات المتحدة شكل من أشكال الفيتو على تطبيق الخطة في حال شعرت أن الخطة لن تؤتي ثمارها المرجوة.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من الخطة وهو نقل الغاز من مصر باتجاه لبنان من خلال “الخط العربي” فيبدو أن الأمر هنا أكثر صعوبة بسبب الهجمات التي تعرض لها الخط خلال السنين الماضية، إضافة لعدم جاهزيته باتجاه لبنان، مما يتطلب توفير تمويلات لهذا الغرض والسماح للشركات الأجنبية في دخول سورية وتنفيذ هذا الخط، وهو ما يصعب المهمة مقارنة بملف الكهرباء الذي يعتبر أسهل نسبيا.
في النهاية لا بد من الإجابة عن سؤالين رئيسين هما:
أولا: هل تعتبر الموافقة الأمريكية على خطة تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن عبر سورية نهاية سياسة فرض العقوبات على النظام؟ يبدو الجواب بالنفي، فمرد القرار الأمريكي يعود للوضع الكارثي في لبنان، إضافة لتخفيف أمريكا بعض العقوبات على النظام نتيجة التفاهم الأخير مع روسيا.
ثانيا: هل ستسهم هذه الخطة بإنقاذ الاقتصاد اللبناني واقتصاد النظام من أزمتهما الاقتصادية؟ أيضا الجواب بالنفي، فاقتصاد البلدين يعيش أزمة بنيوية تحتاج إلى خطط إعادة هيكلة طويلة الأمد، والخطة الحالية تخفف جزئيا، في حال نفذت، من الآثار الكارثية للوضع الحالي فيهما.
كما أن الخطة يبقى مشكوكاً في القدرة على تنفيذها واستحصال النتائج المرجوة نتيجة تعقد المشهد السياسي والأمني والعسكري في منطقة تنفيذها، كما أن تعدد اللاعبين في كل من سورية، وخاصة المنطقة الجنوبية، ولبنان سيكون عنصرا له تداعياته على تنفيذ الخطة في اقتراب يشبه المثل الشعبي القائل ” كثرة الطباخين تفسد الطبخة”.