مقالات

المؤشرات ليست جيدة، وما على السوريين سوى تنظيم صفوفهم والاستعداد لما هو آت

وسط زخم دعائي هائل من قبل النظام السوري وبيئة مضطربة يهيمن عليها التوجس وعدم اليقين؛ جاءت تصريحات القيادة التركية التي تعلن بكل وضوح عن الاستعداد والجهوزية للقاء رأس النظام السوري ومن ثم تطبيع العلاقات بين البلدين بمثابة الصدمة لجمهور الثورة. وبالتزامن مع ذلك جاءت الاعتداءات على ممتلكات بعض السوريين في مدينة قيصري لتجعل الصدمة مضاعفة وجعلت ردود الأفعال تتخذ طابعا عنفيا في بعض مناطق الاحتجاج.

الملفت أن القيادة التركية كانت في وقت سابق قد أطلقت هذا النوع من التصريحات، كما أن حوادث الاعتداء على السوريين وممتلكاتهم أصبحت متكررة تحدث بين الفينة والأخرى في مختلف المدن التركية، فما الذي جعل رد الفعل هذه المرة يتخذ هذا المنحى التصعيدي؟

في الواقع لا يمكن تفسير هذه الظاهرة بسهولة، إذ تتداخل العوامل النفسية بالاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعاطفية، ولكن ما يمكن قوله في هذا السياق – باختصار شديد – لم يتوقف الطابور الخامس التابع للنظام من التحريض ضد الأتراك طوال السنوات الماضية، لكن هذا التحريض في الآونة الأخيرة استند إلى فكرة المصالحة بين الحكومة التركية والنظام السوري؛ مصورا إياها بأنها نوع من الاستسلام، ومن ثم بيع السوريين وتسليمهم للنظام يفعل بهم ما يشاء. هكذا بالضبط صورت الآلة الدعائية للنظام السوري المشهد، وأن هذه الساعة باتت قريبة جدا.

إذن، بدأت الأحداث تتلاحق، فمن الإعلان – بشكل مفاجئ – عن افتتاح معبر أبو الزندين إلى تصريحات القيادة التركية ومن ثم أحداث مدينة قيصري؛ كل هذا جعل سكان المناطق المحررة يشعرون بأن ما تفوه به أبواق النظام قد يكون صادقا هذه المرة. بمعنى آخر؛ قرأ سكان المناطق المحررة تلك المعطيات من خلال الصورة التي رسمها أبواق النظام وطابوره الخامس، والمختصرة بعبارة: “تم الغدر بكم وبيعكم”. ولكن ليس هذا كل شيء، وإنما هو محاولة للإضاءة على جزء من العوامل النفسية والعاطفية.

في ساحات الاحتجاج وعبر وسائل الإعلام صدحت الحناجر ببعض ما يعتلج في الصدور، فمنهم من تكلم عن تردي الأحوال المعيشية في المناطق المحررة معتبرا إياها أحد أشكال التضييق المتعمد تمهيدا لفرض الاستسلام، وتحدث البعض عن تهميش متعمد ومهين، والبعض الآخر قال أشياء عن فساد لم يعد يحتمل، لكن العامل الأهم في كل ما قيل ولعله موضع إجماع المحتجين أن أي شكل من أشكال المصالحة أو التطبيع مع النظام المجرم هو مرفوض رفضا قاطعا.

مع الأيام الأولى للاحتجاج بدا الشارع كله موحدا حيال مطالب المحتجين الناشطين، إلا أنه سرعان ظهرت الخلافات في وجهات النظر، ففئة ارتأت أن يبقى الاحتجاج مستمرا إلى أن يحصلوا على مطالبهم التي صاغوها في ستة بنود تبدو في بعض جوانبها غير منطقية، وخاصة فيما يتعلق ببند حل الائتلاف، وفئة ارتأت أن الاحتجاجات كانت مدفوعة بخوف لا داعي له، وأن المبالغة بالاحتجاج قد تأتي بنتائج عكسية.

كل هذا حدث ومازال يحث والائتلاف في مكان آخر؛ مكتفيا بإطلاق بعض البيانات المقتضبة التي لا تكفي لا لطمأنة الشارع، ولا لتبرئة ساحته مما حصل.  فالائتلاف ممثلا بقيادته ربما لو كان في حالة تواصل مع قوى وفعاليات الداخل لما حدث ما حدث، ولما شعر أحد بالتهميش، ولربما زال الشعور بالتوجس والخوف، أو ربما انخفض منسوبه في أسوأ الأحوال.  

وهنا يتبادر للذهن سؤال مهم: لماذا يفشل الائتلاف في التواصل مع قوى الداخل؟ أو لماذا هو مقصر بهذا الاستحقاق؟ ولهذا السؤال إجابتين، الأولى من بعض قوى الداخل المعارضة للائتلاف تختصر بأن أعضاء الائتلاف فاسدون وفاشلون، وربما خونة. أما إجابة الطرف الآخر، فهي: حاولنا وصبرنا على الإهانات والنقد اللاذع والتوبيخ، لكن الأمر تصاعد ووصل للإهانة والضرب والتهديد.

بغض النظر عن المفاضلة بين الإجابتين؛ قد يكون النقد الموضوعي ضرورة وحالة صحية، ولا شك أنه نقد محق في بعض جوانبه، إلا أن المطالبة بحل الائتلاف يبدو مطلبا غير مسؤول، خاصة وأنه يأتي من قبل شخصيات وجهات لا تجيد البناء، فلو أن هؤلاء التفتوا لبناء جسم يتلافى عيوب الائتلاف، وينال الشرعية والقبول من قبل الشارع الثوري لسقط الائتلاف من تلقاء نفسه. أما المطالبة بحل الائتلاف دون المقدرة على بناء البديل فعليه الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب معا.

أخيرا، ولعله أسوأ ما في الأمر، أن المحتجين يعتقدون أن لديهم المقدرة الفعلية على رفض ما يمكن أن يملى عليهم، والهادئون يقنعون أنفسهم ويحاولون إقناع الآخرين بأن الأمور على خير ما يرام. صحيح أن مجرى الأمور لن يكون كما يصوره أبواق النظام، ولكن في الوقت نفسه لا يمتلك المحتجون سوى إمكانية استبدال السقوط بالمظلة بالسقوط الحر. أي لا يمتلكون سوى إمكانية الأذية، ولا يمكن وصف من يعتقدون أن الأمور على خير ما يرام إلا بالمنفصلين عن الواقع.

المؤشرات ليست جيدة، والخطر داهم، وما على السوريين سوى تنظيم صفوفهم والاستعداد لما هو آت، فالتنظيم والقبول برأس هو الخير الوحيد المتبقي لنا، فالجماعة المنظمة تنتصر بشكل أفضل، وتناور بشكل أفضل، وتجد الحلول البديلة بشكل أفضل. وفي أسوأ الأحول عندما تسقط لا يكون سقوطها حرا يحطم كل شيء. داؤنا العبثية والفوضى فاجتثوهما وإلا لن ينفعنا الندم. 

**// محتوى المادة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المركز \\**

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى