يسعى مركز نما للأبحاث المعاصر لترجمة بعض الإصدارات الاكاديمية الغربية التي تناولت القضية السورية، وفي هذا السياق يقدم المركز ترجمة لأطروحة دكتوراه بعنوان ” النزاع السوري من وجهة نظر القانون الدولي: أي تطورات في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين؟”[1] للباحث محسن باباي زاده بالميري والتي تمت مناقشتها في جامعة لورين الفرنسية بتاريخ 26/11/2019. وقد صدرت مؤخرا عن دار النشر الفرنسية HAL Archives Ouvertes ككتاب.
وتقدم هذه الورقة ترجمة لأهم ما تضمنته هذه الرسالة، مع ذكر ملاحظات توضيحية ضمن الحواشي السفلية عند الضرورة.
المحتويات
- المقدمة
- الباب الأول: النزاع السوري والمنظمات الدولية
- الفصل الأول- مشاركة الأمم المتحدة في حل النزاع
- الفصل الثاني- مساهمة المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الأسلحة في حل النزاع
- الباب الثاني: النزاع السوري وتداعياته على الصعيد الإقليمي
- الفصل الأول- الاضطرابات الناشئة عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية
- الفصل الثاني- تغيير حدود الدول في الشرق الأوسط وانعكاساته
- خاتمة
خطة البحث
احتراماً للتقسيم الثنائي المحبذ في الدراسات القانونية قسم الباحث رسالته إلى بابين تضمن كل منهما فصلين، وذلك كما يلي:
- الباب الأول: النزاع السوري ودور المنظمات الدولي
- الفصل الأول: مشاركة الأمم المتحدة في حل النزاع
- الفصل الثاني: مساهمة المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الأسلحة في حل النزاع
- الباب الثاني: النزاع السوري وتداعياته على الصعيد الإقليمي
- الفصل الأول: الاضطرابات الناتجة عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية
- الفصل الثاني: تغييرات الحدود المرسومة في الشرق الأدنى وتداعياتها
المقدمة
يبدأ الباحث مقدمته بوصف النزاع في سوريا بأنه “يمكن اعتباره مسرحاً لانتهاك القانون الدولي”، مستشهداً بكلمة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قال فيها “تمثل سوريا اليوم التهديد الأكثر خطورة للسلام الدولي”. وبسبب تعقيد وتشابك هذا النزاع؛ فعدة فروع من القانون الدولي معنية به وهي: القانون الدولي للنزاعات المسلحة، القانون الدولي الإنساني، القانون الدولي الجنائي، القانون الدولي للحرب الإلكترونية، والقانون الدولي للهجرة.
يوضح الباحث بعد ذلك عناصر مقدمته والتي جعلها ثلاثة عناصر:
- لمحة موجزة عن تاريخ سوريا وأصل النزاع فيها.
- التمييز بين الحرب والنزاع أو النزاع المسلح.
- مساهمة الفاعلين الإقليميين (دول المنطقة) ومواقف الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن.
ليطرح بعد ذلك إشكالية بحثه مختصراً إياها في سؤالين: ما نوع التهديدات التي يواجهها العالم في إطار النزاع السوري؟ وهل أجوبة المجتمع الدولي على هذا النزاع كافية وفعالة؟
للإجابة على هذين السؤالين يقترح الباحث تقسيم رسالته إلى قسمين: يخصص الأول للنزاع السوري والمنظمات الدولية، والثاني لتداعيات النزاع السوري على الصعيد الإقليمي.
الباب الأول: النزاع السوري والمنظمات الدولية
كرس الباحث الباب الأول لدراستهلبحث دور المنظمات الدولية في النزاع السوري، حيث بدأ بوصف النزاع السوري بأنه ” واحد من أكثر النزاعات خطورة في الوقت الراهن، عدد الضحايا كبير جداً، وتم ارتكاب مجازر جماعية عديدة في مدن كبيرة كحلب، حمص، درعا، وحماة”.[2] ثم أوضح أن النزاع السوري لا يقتصر أثره على سوريا والدول المجاورة فقط، بل يمتد إلى العالم بأكمله مع مشكلة الهجرة، حيث دخل السوريون إلى مختلف دول أوربا عبر الجنوب أو عبر دول البلقان.
ثم يتساءل عن النظام القضائي القابل للتطبيق على النزاع في سوريا؛ ليجيب بأن اتفاقية الأمم المتحدة قد كرست ثلاثة فصول لحفظ السلم والأمن الدوليين، وبموجبها فإن الأمم المتحدة، باعتبارها المشرفة على حفظ السلم، تحاول عند نشوب نزاع حله في البداية بوسائل سلمية مؤسسة على رضا الدولة محل النزاع، وبمساعدة المنظمات الإقليمية الموجودة في المنطقة، وعند عدم نجاح هذه الوسائل، يمكن للأمم المتحدة استعمال أساليب أخرى مسلحة أو غير مسلحة.
وفي سبيل القيام بمهامها على أكمل وجه أنشأت الأمم المتحدة وكالات تابعة لها كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما عقدت اتفاقيات مع منظمات حكومية دولية كمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. بناءً على ذلك قسم الباحث هذا الباب المخصص لدراسة دور المنظمات الدولية في النزاع السوري إلى فصلين: خصص الأول لمشاركة الأمم المتحدة في حل النزاع، والثاني لمساهمة المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الأسلحة في حل النزاع.
الفصل الأول- مشاركة الأمم المتحدة في حل النزاع
ضمن هذا الموضوع يميز الباحث بين الدور التقليدي للأمم المتحدة في حل النزاع السوري من جهة، ومسؤوليتها عن التدخل الفعلي لحماية الشعب السوري من جهة أخرى.
ففيما يخص العمل التقليدي للأمم المتحدة: استناداً إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة “يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها”. في هذا الإطار، قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في 12 شباط 2012، بتسمية السيد كوفي عنان مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، لمحاولة إيجاد تسوية بين أطراف النزاع. تم تحديد مهمته ب90 يوماً قابلة للتجديد، بدأ السيد عنان وفريقه المكون من 300 مراقب و35 مستشارا عملهم وسافروا إلى دمشق، حيث حاول السيد عنان إجراء حوار بين الحكومة السورية والمعارضة من جهة، وبين الدول المعنية بالنزاع السوري من جهة أخرى، ولأجل ذلك سافر إلى عدة دول كالمملكة العربية السعودية، إيران، قطر، تركيا وفرنسا.
إلا أن هذه المبادرة من الأمم المتحدة قد فشلت، ويمكن رد هذا الفشل إلى عدة أسباب ومنها:
- الاعتداء على المراقبين المبعوثين من الأمم المتحدة.[3]
- استحالة فتح ممر إنساني لحماية المدنيين.
- الخلافات بين الحكومة السورية والأعضاء الدائمين لمجلس الأمن.
- الانقسامات بين صفوف المعارضة السورية.
ولذلك قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدم تجديد مهمة المراقبين إلى سوريا، وانتهى عمل لجنة السيد كوفي عنان رسمياً بتاريخ 19 آب 2012.
يشير الباحث أيضاً إلى دور جامعة الدول العربية، باعتبارها منظمة إقليمية معنية بالنزاع السوري، حيث قامت بالتعاون مع الأمم المتحدة بإجراءات دبلوماسية لمحاولة وضع حد للنزاع في سوريا، بدأت هذه الإجراءات بحوارات مع السلطات السورية، ثم استدعاء بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين لسفرائها في دمشق وإغلاق سفاراتها فيها، وانتهت بتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 12 تشرين الثاني 2011.
كل هذه الإجراءات التي قامت بها جامعة الدول العربية تتفق مع الفقرتين 1و2 من المادة /52/ من ميثاق الأمم المتحدة، التي تسمح للمنظمات الإقليمية بمعالجة الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي لمحاولة إيجاد حل سلمي للمنازعات المحلية قبل عرضها على مجلس الأمن.
كما قامت جامعة الدول العربية، على غرار ما فعلته منظمة الأمم المتحدة سابقاً، بإرسال بعثة مراقبة برئاسة الجنرال محمد مصطفى أحمد الدابي إلى سوريا، لمحاولة وقف العنف وحماية المدنيين، دعمت الجمعية العامة للأمم المتحدة إرسال هذه البعثة. وصل وفد المراقبين، المكون من 500 شخص من 18 دولة عربية، إلى سوريا في 21 كانون الأول 2011، لكن عمل المراقبين توقف بعد أقل من شهر، وتحديداً في 18 كانون الثاني 2012، وطلبت جامعة الدول العربية تمديد العمل لشهر، وافقت الحكومة السورية على ذلك، لكن قيام دول مجلس التعاون الخليجي بسحب مراقبيها جعل من المستحيل استمرار عمل وفد المراقبين.
في جلسة خاصة لمجلس الأمن بتاريخ 31/1/2012 حول نتائج عمل لجنة مراقبي جامعة الدول العربية المرسلة إلى سوريا، تحدث الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، وممثلو بعض الدول كالمغرب وقطر، عن عدم تعاون السلطات السورية أثناء عمل المراقبين، وعن استمرار أعمال العنف من قبل الحكومة السورية. في المقابل، وعلى العكس من ذلك، تحدث رئيس البعثة الجنرال الدابي، في تقريره، عن تعاون السلطات ونجاح مهمته، وأكد بأن الحكومة السورية قد احترمت التزاماتها فيما يخص وقف العنف وإيصال المساعدات الإنسانية. كما أكد إخلاء سبيل 7604 من أصل 16237 من المساجين السياسيين، وعدم تعرض السلطات للمتظاهرين السلميين.[4] وفي نهاية تقريره انتقد الدابي عمل بعض المراقبين في الوفد الذين لم يكونوا جاهزين للعمل في تلك الظروف المعقدة، كما اشتكى من قلة عدد المراقبين ونقص التجهيزات.
تساؤل آخر يثيره الباحث عن إمكانية التدخل العسكري لجامعة الدول العربية في سوريا؟ فيما يخص هذا التدخل انقسمت الدول العربية إلى فريقين: الفريق الأول كقطر والمغرب، يؤيدون هذا التدخل، وفي هذا الصدد اعتبر أمير قطر، في حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25/9/2012، بأن التدخل العسكري للدول العربية هو الحل للنزاع السوري “يجب على الدول العربية أن تتدخل بما يتناسب مع واجبها الوطني، الإنساني، السياسي والعسكري، وأن تفعل ما يجب لوضع حد لمسبح الدماء في سوريا”. في المقابل، رفضت دول أخرى كالجزائر، العراق، ولبنان، أي تدخل عسكري في سوريا.
من الناحية القانونية: المادة /53/ من ميثاق الأمم المتحدة تفوض المنظمات الإقليمية باستخدام القوة العسكرية، إلا أن التدخل العسكري لمنظمة إقليمية لا يكون مشروعاً إلا بموافقة صريحة من مجلس الأمن، وهذا الأخير لم يعتمد حتى اليوم نصاً يسمح باستخدام القوة العسكرية في سوريا.
فيما يخص مسؤولية الأمم المتحدة عن التدخل الفعلي لحماية سوريا:
يبدأ الباحث بالتذكير بحروب سابقة أثارت السؤال عن ضرورة التدخل العسكري الدولي لحل النزاع أو إنهاء الحرب، كما حصل في حرب الخليج الثانية عام 1991 ومعركة مقديشو 1993 وحرب البوسنة والهرسك 1999، وافقت الدول الكبرى على هذا التدخل استناداً إلى ثلاثة مبررات:
- عدم احترام القانون الدولي الإنساني في المناطق المشمولة بالنزاع.
- صعوبة تعامل بعض الدول مع الكوارث الطبيعية.
- الحق في منع الاعتداء.
في سوريا، كان السؤال حول المسؤولية الدولية عن حماية السوريين موضع نقاش بين مسؤولي الدول الثلاث الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، وبريطانيا)، منذ السنوات الأولى للنزاع، وفي هذا الصدد قال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند: “مسؤوليتنا هي البحث عن الرد الأنسب على تجاوزات النظام السوري…فرنسا جاهزة لمعاقبة أولئك الذين اتخذوا القرار بضرب الغاز على الأبرياء”.
إلا أن المسؤولية الدولية عن حماية السوريين لم يتم تفعيلها من الناحية العملية، ويعزو الباحث ذلك إلى عدم تحقق الشروط العامة والخاصة لقيام هذه المسؤولية.
ففيما يتعلق بالشروط العامة: هناك شرطان من أجل تفعيل المسؤولية الدولية والتدخل الدولي لحماية شعب ما: الأول هو ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة /138/ من التقرير الصادر عن القمة العالمية عام 2005. والثاني هو عجز الدولة المعنية عن حماية شعبها ضد هذه الجرائم المرتكبة.
ففيما يتعلق بالشرط الأول: الجرائم المنصوص عليها هي الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، التطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية. بسبب عدم تصديق سوريا على نظام المحكمة الجنائية الدولية من جهة، والنقض (الفيتو) الصيني الروسي على فتح تحقيق بواسطة المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم المرتكبة في سوريا من جهة ثانية، لا يوجد أي تقرير للمحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم في سوريا والمسؤولين عنها[5]. ومع ذلك منذ بدء النزاع السوري، عدة تقارير من جهات أخرى أظهرت وجود جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سوريا. ففي تقرير للجنة تحقيق، بشكل مستقل عن الأمم المتحدة، عام 2016، أظهر التقرير مسؤولية الحكومة السورية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تحدث التقرير أيضاً عن ارتكاب عدة جرائم من المجموعات المعارضة أو المجموعات المتطرفة[6]، إلا أن الحكومة السورية بررت ما فعلته؛ بحقها في حماية شعبها ضد هذه الجرائم وضد خطر تهديد هذه المجموعات. ومع ذلك، طالبت الأمم المتحدة السلطات السورية “بالتوقف عن استعمال القوة ضد الشعب الأعزل”.
فيما يتعلق بالشرط الثاني: تفرض المادة /138/ من التقرير الصادر عام /2005/ على الدول المعنية بالنزاع حماية شعبها ضد جرائم الإبادة الجماعية، التطهير العرقي، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفي حال عجزها عن ذلك يجب على المجتمع الدولي التدخل، وهكذا فدور المجتمع الدولي هو تكميلي. ورغم التفاعل بين الحكومة السورية ومجلس حقوق الإنسان إلا أن المجازر ضد الشعب السوري لم تتوقف، لذا طالب مجلس حقوق الإنسان في مشروعه الصادر بتاريخ 4/2/2012 الحكومة السورية “بأن تضع حداً بشكل فوري لكل انتهاكات حقوق الإنسان وكل اعتداءاتها المرتكبة ضد أولئك الذين يمارسون حرية التعبير والاجتماع وينشؤون الجمعيات السلمية، وأن تحمي شعبها”. كردة فعل للحكومة السورية على هذا المشروع قامت بإخراج 250 سجيناً، وقام الأسد بتغيير في حكومته بتكليف رئيس مجلس وزراء جديد، كما وعد بتعديل قانون الطوارئ الذي يمنع كل اجتماع لخمسة أشخاص فأكثر بقصد التظاهر.[7]
وفيما يتعلق بالشروط الخاصة: يمكن تلخيصها في شرطين:
- غياب شرط موافقة مجلس الأمن على التدخل[8]: مجلس الأمن هو الجهة الشرعية المخولة باتخاذ القرار بالتدخل العسكري لأجل حماية دولة ما من الناحية القانونية. والفقه الدولي ينتقد ذلك ويعتبر مجلس الأمن ليس جهة شرعية لإقرار ذلك التدخل لسببين: الأول هو عدم فعالية تدخله لعدم امتلاكه قوة مسلحة، بل إن الدول هي التي ترسل جنودها تحت راية الأمم المتحدة. والثاني هو كون مجلس الأمن مؤسسة غير ديمقراطية، لأن الدول الخمس الدائمة العضوية لا تمثل الديمقراطية عندما تتعسف في التمسك بحق النقض (الفيتو)، وبعض الأحداث المأساوية كمجزرة رواندا والبوسنة تؤكد عدم أخلاقية موقف مجلس الأمن.
- عدم كفاية الشروط المطلوبة: تعدّد الوثيقة الصادرة عن لجنة التدخل والإشراف الدولي خمسة شروط إضافية للبدء بتدخل عسكري بشكل شرعي باسم المسؤولية عن حماية شعب ما، وهذه الشروط هي (السبب المعقول، الحالة المتطرفة، الحل الأخير، النية الحسنة، تناسب الإجراءات). النية الحسنة تعني أن يكون قصد الدول المتدخلة هو إنساني فقط وليس سياسي.
وفي الحالة السورية ومع الهجوم الكيماوي ساندت عدة دول ومنظمات التدخل العسكري وأكدت عدم قيام الدولة السورية بتحمل مسؤوليتها لحماية شعبها، إلا أنه لم يتم اعتماد أي قرار من الأمم المتحدة بخصوص ذلك.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية منفردة باستهداف قاعدة جوية للنظام السوري لمعاقبته على اعتدائه على المدنيين العزّل كما صرح الرئيس ترامب، ساندت دولتان دائمتان في مجلس الأمن هذا التصرف الأمريكي وهما بريطانيا وفرنسا، لكن الدولتين الأخريين (روسيا والصين) عارضتاه وطالبتا بفتح تحقيق لتحديد المسؤول عن الهجوم الكيماوي، وهكذا لم يستفد التدخل العسكري الوحيد ضد الدولة السورية باسم حماية الشعب السوري من مبدأ حسن النية.
أمام فشل التدخل العسكري لحماية الشعب في سوريا، حاولت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية مختلفة تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري في مختلف الأراضي السورية، إلا أن إيصال هذه المساعدات، كما يذكر الباحث، عانى من صعوبات كبيرة من طرف الحكومة السورية والمعارضة التي رفضت السماح لبعض المنظمات الإنسانية (كالصليب الأحمر وأطباء بلا حدود) بدخول البلاد وتقديم المساعدات.
من جهة أخرى، حاول مجلس الأمن تأسيس حوار بين أطراف النزاع السوري، ولأجل ذلك اعتمد ثلاثة قرارات: القرار رقم /2254/، القرار رقم /2268/ والقرار رقم /2336/. القرار الأول تم اعتماده في /18/12/2015، أي بعد أكثر من أربع سنوات على بدء النزاع، وأكد فيه مجلس الأمن أن “مسؤولية حماية الشعب تقع بالدرجة الأولى على عاتق السلطات السورية”. القرار الثاني تم اعتماده في /26/2/2016 وأكد فيه مجلس الأمن أن “الطريقة الوحيدة لحل دائم للأزمة السورية هي حوار سياسي بين السوريين”. أما القرار الثالث فتم اعتماده في 31/12/2016 بناءً على اقتراح تركي روسي، بعد اجتماع وزراء الخارجية لتركيا، روسيا، وإيران في الآستانة.
ختم الباحث هذه النقطة بالحديث عن التدخل الأجنبي في الأراضي السورية، من قبل إيران، روسيا، تركيا، فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، واعتبر أنه إذا كان التدخل الروسي والإيراني يجد أساساً قانونياً له برضا النظام السوري وطلبه هذا التدخل، فإن التساؤل يثور عن الأساس القانوني لتدخل الدول الأخرى؟ ويرى بأن هذا الأساس قد يكون مكافحة التنظيمات الإرهابية أو حماية الشعب السوري الأعزل. رغم ذلك يطرح تساؤلاً آخر عن شرعية التدخل الخارجي في سوريا دون موافقة صريحة من مجلس الأمن؟
وبعد قيامه بإنهاء الفصل الأول من دور المنظمات الدولية في النزاع السوري والذي خصصه لمشاركة الأمم المتحدة في حل النزاع، انتقل الباحث في الفصل الثاني لدراسة مساهمة المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الأسلحة في حل النزاع.
الفصل الثاني- مساهمة المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الأسلحة في حل النزاع
في سياق الكلام عن النزاع السوري، يثير استخدام أسلحة الدمار الشامل السؤال عن مساهمة المنظمات المختصة لمنعه، لأجل هذا يجب أن نلقي نظرة على أعمال منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أولاً، ثم أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ثانياً.
أولاً- فيما يخص أعمال منظمة حظر الأسلحة الكيماوية
تبعاً للهجوم بالسلاح الكيماوي على منطقة خان العسل عام /2013/، وتحت ضغط المجتمع الدولي، وبشكل خاص التهديد العسكري الأمريكي والفرنسي، صادقت سوريا على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية المعقودة في باريس في /13/1/1993، بتصديقها عليها ألزمت سوريا نفسها باحترام بنود هذه المعاهدة، ومع ذلك، منعت الحرب القائمة واستحالة تحكم الدولة السورية بكل الأراضي السورية التأكد من التنفيذ الفعلي لبنود المعاهدة المذكورة.
فيما يخص منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي تم إنشاؤها عام /1997/ لمراقبة التطبيق العملي لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية المذكورة، التزمت بمراقبة تقيد الدولة السورية ببنود المعاهدة. ونظراً لضعف الإمكانات المادية للدولة السورية، أعطى مجلس الأمن تفويضاً لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتفكيك الأسلحة الكيماوية الموجودة في سوريا ولإجراء تحقيقات لتحديد المسؤولين عن الهجمات الكيماوية.
واجه فريق التحقيق عدة صعوبات في القيام بعمله، فمن جهة أولى اتهمته الحكومة السورية بعدم الحيادية وعدم الأخذ في الحسبان للوثائق التي قدمتها له ولطلباتها فيما يخص تحقيقاته حول الهجوم الكيماوي على خان العسل، ومن جهة ثانية واجه فريق التحقيق صعوبات في الحصول على المعلومات والوثائق، ولم يجد مواقع إنترنت محايدة يستفيد من معلوماتها، على حد وصفه. مع ذلك، في /30/8/2016/ نسب رئيس لجنة التحقيق، بعد تحريه المعلومات من عدة مواقع، الهجوم الكيماوي في تل منس وسرمين إلى القوات الجوية الحكومية السورية، بينما نسب الهجوم الكيماوي الحاصل في مدينة مارع إلى تنظيم الدولة.
في سعيه للحد من انتشار الأسلحة الكيماوية في سوريا أصدر مجلس الأمن عدة توصيات تندد باستخدام الأسلحة الكيماوية من الدولة السورية ومن المجموعات التي لا تشكل دولة بالمعنى القانوني كتنظيم الدولة الإسلامية. ورغم ذلك ينتقد الباحث عدم استجابة مجلس الأمن وتعاونه بهذا الأمر في جميع الحالات.
ثانياً- فيما يخص أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية
تلعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي منظمة غير حكومية مستقلة تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، دوراً هاماً على صعيد المجتمع الدولي في مجال السيطرة على انتشار الأسلحة النووية، منذ تأسيسها في 29 حزيران 1957. في هذا المجال تم اعتماد معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1968 ودخلت حيز النفاذ في 5 آذار 1970، وتعهدت الوكالة الدولة للطاقة الذرية بمراقبة تطبيقها.
تميز المعاهدة المذكورة بين الدول الحائزة للسلاح النووي والدول غير الحائزة له، حيث تتعهد الدول الحائزة للسلاح النووي (وهي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن)، بعدم المساعدة في نقل السلاح النووي إلى الدول غير الحائزة له، وبالمقابل تتعهد الدول غير الحائزة للسلاح النووي بعدم امتلاكها له مستقبلاً، وهكذا فاستخدام التكنولوجيا يجب أن يبقى فقط للغايات السلمية بالنسبة لجميع الدول.
فيما يخص سوريا، أصبحت عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 6 حزيران 1963، ووقعت تعهداً معها في 25 شباط 1992 التزمت الحكومة السورية بموجبه باستخدام الطاقة الذرية بطريقة سلمية على كل أراضيها وعلى مسؤوليتها. لتنفيذ هذا التعهد على أرض الواقع، يجب على الدولة السورية أن تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن تزودها بالمعلومات المتعلقة بالأسلحة الذرية. بدا هذا التعهد غريباً بعض الشيء، لأن سوريا هي دولة غير حائزة للسلاح النووي بموجب معاهدة 1968 المذكورة المتعلقة بالحد من انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي ملتزمة أصلاً بعدم وجود سلاح نووي لديها وعدم قيامها بتصنيعه أو شرائه لاحقاً.
في 6 أيلول 2007 قام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير مواقع عسكرية في دير الزور، مما نتج عنه مقتل 10 مهندسين من كوريا الشمالية، أكدت إسرائيل بأن المواقع المدمرة تحتوي مصانع لإنتاج الأسلحة النووية لأهداف عسكرية، وهو ما أكده لاحقاً المدير العام لوكالة الطاقة الذرية (يوكيانو أمانو)، في 29 نيسان 2010، بعد قيام فريق من الوكالة بجولة تفتيش وتحقيق على المكان المدمر، ورفضت الحكومة السورية إعطاء جواب على ذلك.
تبعاً لذلك قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنقل ملف الأسلحة النووية في سوريا إلى مجلس الأمن، مشيرة إلى عدم تعاون الدولة السورية مع فريق التحقيق والتفتيش الذي أرسلته. في حزيران 2011 أشار مجلس الأمن في جلسته إلى عدم تعاون سوريا في هذا المجال وضرورة وضع حد لانتشار الأسلحة النووية فيها، اعترضت الحكومة السورية على ذلك واعتبرت بأنه قد تم تحت تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبأن فريق التفتيش والتحقيق لم يكن يضم متخصصين ولم يعملوا بحيادية واعتمدوا على أفراد في جمع المعلومات.
في نهاية القسم الأول من الرسالة المخصص للمنظمات الدولية والنزاع السوري، أوضح الباحث أنه بسبب مشاركة عدة دول في النزاع السوري لا يمكن اعتبار هذا النزاع شأناً داخلياً فقط، ولا يقتصر فقط على تدخل محدود للمنظمات الدولية، بل إن انعكاسات النزاع السوري على المنطقة تشكل البعد الخارجي له، لكن ما هي هذه الانعكاسات؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي إيجاد أجوبة فعالة عليها؟ للإجابة على هذه التساؤلات خصص الباحث القسم الثاني من رسالته لتداعيات النزاع السوري على الصعيد الإقليمي.
الباب الثاني: النزاع السوري وتداعياته على الصعيد الإقليمي
لم يقتصر النزاع السوري على الأراضي السورية فقط، بل انتشر في العالم وبشكل خاص في الشرق الأوسط، وبسبب انقسام سوريا نتيجة لهذه الحرب، خضعت عدة أجزاء من الأراضي السورية لسيطرة المعارضة وظهر تنظيم الدولة الإسلامية على قسم من هذه الأراضي.
بناء على ذلك قسم الباحث دراسته لهذا الباب إلى فصلين: خصص الأول لدراسة الاضطرابات الناشئة عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، والثاني لدراسة تغيير حدود الدول في الشرق الأوسط وانعكاساته.
الفصل الأول- الاضطرابات الناشئة عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية
في هذا الفصل يتكلم الباحث أولاً عن النزاع السوري ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ثم يبحث ثانياً في النزاع السوري ومسألة تدفق الهجرة، لأنه يعتبر أن الهجرة نتجت بشكل أساسي عن ظهور تنظيم الدولة في سوريا.[9]
أولاً- النزاع السوري ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية
يبدأ الباحث هنا بالتساؤل فيما إذا كانت الدولة الإسلامية تشكل دولة من وجهة نظر القانون الدولي؟ يجيب على هذا التساؤل بالنفي، لأن الدولة الإسلامية لا تتوافر فيها الشروط المطلوبة لقيام الدولة من وجهة نظر القانون الدولي، وهذه الشروط هي: الشعب، الإقليم، الحكومة، والقدرة على الدخول في علاقات مع دول أخرى (الاعتراف الدولي). والشعب هم ” الأفراد المرتبطون بالدولة برابطة قانونية هي الجنسية”، بينما تنظيم الدولة الإسلامية يضم أفراداً ينتمون إلى جنسيات مختلفة. ومع ذلك يمكن اعتباره دولة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، كونه يقوم على مبدأين هما الهجرة والبيعة.
ومن جهة أخرى، الهجمات العسكرية من دول مختلفة ضد تنظيم الدولة لا تسمح له بتشكيل دولة حقيقية. هذه الهجمات يمكن تقسيمها إلى قسمين:
- هجمات قامت بها دول حليفة للنظام السوري: وهي روسيا وإيران، تجد أساسها القانوني في قبول الدولة السورية بها.
- هجمات قامت بها دول أخرى (فرنسا وبريطانيا) دون تنسيق مع النظام السوري: تجد أساسها القانوني في الدفاع المشروع ضد هجمات تنظيم الدولة ومنع انتشاره وامتداده خارج الأراضي السورية، كما أوضحت فرنسا وبريطانيا في رسائل موجهة إلى مجلس الأمن. وقد اعترضت الحكومة السورية على هذا التدخل الفرنسي- البريطاني على أراضيها دون تنسيق معها واعتبرته اعتداء على سيادتها الوطنية، لكنه حظي بموافقة غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بذريعة مكافحة الإرهاب ومنع امتداده.
مع تزايد قوة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق ثارت مشكلتان قانونيتان جديدتان، الأولى تخص قيام التنظيم بتدمير المواقع الأثرية في سوريا والعراق، والثانية تخص الحرب الإعلامية التي قام بها تنظيم الدولة مستخدماً مواقع الإنترنت ووسائل الاتصالات الحديثة.
- فيما يخص قيام التنظيم بتدمير المواقع الأثرية في سوريا والعراق: إلى جانب تدمير مواقع أثرية دينية في الموصل قام التنظيم بتدمير موقع أثري في تدمر (المسرح)، الأمر الذي أثار انتقادات كبيرة من المجتمع الدولي، خاصةً أن هذا المسرح موجود في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، ولذلك وصفت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا هذا الفعل بأنه “جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”، وهو ما أكده مجلس الأمن لاحقاً. لكن ظهر في الواقع العملي عجز معاهدة حماية المواقع الأثرية لعام /1954/ في حال النزاعات المسلحة عن التطبيق وحماية التراث السوري، فمنذ عام /2013/ عدة مواقع أثرية دُمرت أو سُرقت محتوياتها، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة إيجاد حل قانوني فعال لوقف هذه الاعتداءات.
لذا يتكلم الباحث عن ضرورة تدخل مجلس الأمن وإقرار مبدأ المسؤولية الجماعية لكل الأطراف عن حماية التراث، وهو ما أشار إليه مجلس الأمن في توصيته رقم /2139/ لعام /2014/، عندما دعا جميع الأطراف ” لاتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مواقع التراث العالمي الموجودة في سوريا”.
- فيما يخص الحرب الإلكترونية التي قام بها تنظيم الدولة: أوضح الباحث أن محاربة تنظيم الدولة لا تقتصر فقط على الأرض، لأن المجال الإلكتروني الافتراضي تم استخدامه بشكل كبير من قبل التنظيم. وتبدو صعوبة مكافحة الحرب الإلكترونية للتنظيم من ناحيتين: الأولى هي صعوبة تكييف الحرب الإلكترونية كنزاع في إطار القانون الدولي، والثانية هي عدم نجاح مجلس الأمن بإيجاد حل فعال لمكافحة ما أسماه (الإرهاب الإلكتروني)، رغم كون المجلس المسؤول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين.
ثانياً- النزاع السوري ومسألة تدفق الهجرة
في كل البلاد التي تقوم فيها حرب تبدو قضية الهجرة مسألة جوهرية تحتاج إلى حل قانوني. وفيما يخص النزاع السوري، فقد أدى إلى مغادرة أكثر من خمسة ملايين شخص إلى البلدان المجاورة، أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. ويرى الباحث بأنه يمكن دراسة موضوع النزاع السوري ومسألة تدفق الهجرة من خلال موضوعين: الأول حول القانون الدولي وحماية المهاجرين السوريين، والثاني حول الاتفاق التركي- الأوربي بخصوص المهاجرين السوريين.
- فيما يخص القانون الدولي وحماية المهاجرين السوريين
هناك عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية حول موضوع حماية اللاجئين، ومنها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، ومعاهدة منع التعذيب، لكن اتفاقية جنيف /1951/ تشكل الأساس القانوني لحماية اللاجئين.
حتى يُعتبر الشخص لاجئاً وفقاً للاتفاقية المذكورة يجب أن يحقق الشروط التالية: – أن يكون موجوداً خارج بلده. – أن يتعرض لخطر حقيقي. –يتمثل الخطر في اعتداءات خطيرة. –ينتج هذا الاعتداء عن ضعف الحماية من بلده. – حاجة الشخص إلى حماية عاجلة. ودون الدخول في تفاصيل هذه الشروط من الواضح أنها تنطبق على غالبية المهاجرين السوريين الذين فروا من بلادهم بسبب الحرب الدائرة فيها.
رغم ذلك نجد بأن بعض تصرفات بعض البلدان تجاه المهاجرين السوريين لم تكن شرعية وفقاً لاتفاقية جنيف المذكورة وقواعد القانون الدولي، ونذكر على سبيل المثال ما قامت به هنغاريا، حيث صرح رئيس وزرائها فيكتور أوربان بأن: “الغالبية العظمى من السوريين والعراقيين الذين يصلون إلى أوربا ليسوا لاجئين، وإنما هم مهاجرون اقتصاديون يأملون بتأمين حياة أفضل في دول الاتحاد الأوربي”. تبعاً لهذا التصريح والتدفق الهائل للمهاجرين السوريين نحو أوربا اعتمدت هنغاريا قانوناً يعاقب بالسجن لمدة ثلاث سنوات كل شخص يحاول عبور حدودها بشكل غير شرعي. هذا الموقف من هنغاريا فيه مخالفة صريحة لنص المادة /31/ من اتفاقية جنيف /1951/ لحماية اللاجئين، التي تمنع الدول الموقعة عليها (ومنها هنغاريا) من إقرار عقوبات على الأشخاص المهاجرين بسبب دخولهم إليها بشكل غير شرعي، طالما أنهم أتوا من دولة تعرضت فيها حياتهم للخطر.
وفي انتهاك آخر لاتفاقية جنيف /1951/ وصف رئيس الوزراء الهنغاري المهاجرين السوريين إلى أوربا بأنهم “مسلمون مهاجمون”. وهذا الوصف فيه تمييز مخالف لنص المادة /3/ من الاتفاقية المذكورة: “تطبق الدول الموقعة بنود هذه الاتفاقية على اللاجئين دون تمييز يتعلق بالعرق أو الدين أو بلدهم الأصلي”.
يشير الباحث أيضاً إلى المفوضية العليا للاجئين، والتي من مهامها تأمين استقبال السوريين في بلاد المهجر، وتأمين العودة الآمنة الطوعية لهم إلى بلادهم الأصلية. والمهمة الأخيرة هي الأهم وما تسعى إليه المفوضية بخصوص اللاجئين السوريين، إلا أن عدد السوريين العائدين إلى بلادهم لا زال محدوداً جداً، ويعود سبب ذلك إلى عدم توقف إطلاق النار واستمرار المعارك، ولذلك صرحت المفوضية عام /2018/ بأنها لا تنصح السوريين بالعودة إلى بلادهم، وتدعو جميع الأطراف لتحمل مسؤولياتهم في تأمين بيئة ملائمة للعودة.
- فيما يخص الاتفاق التركي-الأوربي حول المهاجرين السوريين
نتيجة للتدفق الهائل للمهاجرين السوريين إلى أوربا، عقدت تركيا والاتحاد الأوربي اتفاقاً في 18/3/2016، بهدف إبطاء تدفق اللاجئين السوريين إلى أوربا، بموجب هذا الاتفاق التزمت تركيا بقبول العودة السريعة إلى أراضيها لكل المهاجرين السوريين الذين ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، ممن يغادرون أراضيها باتجاه اليونان. وفي مقابل ذلك دفع الاتحاد الأوربي إلى تركيا مبلغ ثلاثة مليارات يورو، مع عودة المفاوضات بين الطرفين حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي وإلغاء دول الاتحاد الأوربي التأشيرة المطلوبة لدخول المواطنين الأتراك إلى أراضيها.
المشكلة القانونية التي يثيرها هذا الاتفاق أنه قائم على أساس الإرجاع الجبري للاجئين من دول الاتحاد الأوربي إلى تركيا والتمييز بينهم على أساس جنسياتهم (السوري يرجع وغيره يبقى)، وهذان الأمران لا يتفقان مع اتفاقية جنيف لحماية اللاجئين لعام /1951/، الأمر الذي دفع الفقه إلى وصف الاتفاق التركي-الأوربي بأنه سياسي وليس قانوني، ومما يدل على ذلك أن هذا الاتفاق قد تم دون مراعاة الإجراءات المطلوبة لعقد الاتفاقات وفقاً لنظام الاتحاد الأوربي. وقد أكدت محكمة العدل في الاتحاد الأوربي عدم اختصاصها في نظر أي خلاف حول تطبيق الاتفاق بين الاتحاد الأوربي وتركيا، مؤكدة بأن اتفاق 18/3/2016 “تم بين رؤساء دول أوربية والسلطات التركية، ولم يعقد مجلس الاتحاد الأوربي ولا أي لجنة تابعة له أي اتفاق مع الحكومة التركية بخصوص قضية الهجرة”. وهكذا أكدت المحكمة أن هذا الاتفاق سياسي وليس قانوني.
يتكلم الباحث بعد ذلك عن الإجراءات التي قامت بها تركيا لاستيعاب اللاجئين السوريين في أراضيها وأهم هذه الإجراءات هو نظام الحماية المؤقتة. طبقاً لهذا النظام تقدم تركيا للسوريين الموجودين على أراضيها خدمات في ميادين متنوعة، كالتعليم والصحة والإعانات الإغاثية، إلا أن هذه الحماية المؤقتة لا تسمح لتركيا بمنح رخصة عمل للسوريين، لذا تبقى محدودة.
بعد ذلك انتقل الباحث إلى الفصل الثاني من الباب الثاني، وهو الفصل الأخير في رسالته، حيث خصصه لدراسة أثر النزاع السوري على تغيير حدود الدول في الشرق الأوسط وانعكاساته.
الفصل الثاني- تغيير حدود الدول في الشرق الأوسط وانعكاساته
قسم الباحث هذا الفصل إلى قسمين: عالج في الأول مسألة المستقبل غير المؤكد (الغامض) لسوريا، وفي الثاني المسألة المتعلقة بصعوبة إقامة دولة كردية مستقلة في سوريا وما حولها.
أولاً: المستقبل غير المؤكد لسوريا
يرى الباحث بأن مستقبل سوريا غامض من عدة نواح وبشكل خاص من حيث مستقبل نظام الحكم فيها من ناحية أولى، وإمكانية تشكيل محاكم لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب فيها من ناحية ثانية.
- فيما يتعلق بمستقبل نظام الحكم في سوريا
ما زالت حكومة نظام الأسد تحظى باعتراف في العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، ومع ذلك اتهمت عدة دول هذه الحكومة بارتكاب جرائم حرب، وطالبت بعزل رئيسها ومحاسبته على ارتكاب هذه الجرائم والخروقات للقانون الدولي الإنساني، بل إن بعض الدول (كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وعدة دول غربية) هددت بعملية عسكرية ضد النظام السوري، الأمر الذي يراه الباحث متعارضاً مع الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن مبدأ عدم استخدام القوة ضد بلد ذو سيادة ترد عليه عدة استثناءات ومنها الدفاع الشرعي والتدخل الإنساني، لذلك يمكن تبرير تهديد الدول الغربية باستخدام القوة ضد نظام الأسد بخروقاته ضد القانون الدولي الإنساني وارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، هذا التهديد في حال تحوله إلى حقيقة قد يعجل بسقوط هذا النظام. لكن تبدو المشكلة في اشتراط موافقة مجلس الأمن على استخدام القوة ضد النظام السوري، الأمر الذي يعيق إصدار قرار بالموافقة مع استمرار حليفي النظام السوري (روسيا والصين) باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مقترح قرار ضد النظام.
يثير الباحث تساؤلاً حول إمكانية إطلاق وصف (الدولة) من وجهة نظر القانون الدولي على المجلس الوطني السوري؟
يجيب بأنه رغم اعتبار هذا المجلس منذ تأسيسه في إستانبول عام /2011/ الممثل الرئيسي للمعارضة، واعتراف بعض الدول بشرعيته كممثل للشعب السوري (كفرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية)، فإنه لا يتضمن العناصر الجوهرية (الشعب- الإقليم- الحكومة المتمتعة بسلطة) التي تسمح بالاعتراف به كدولة من وجهة نظر القانون الدولي. فعلى سبيل المثال فيما يخص عنصر الإقليم، لا يحقق المجلس الوطني السوري هذا العنصر، لأن أعضاءه يقيمون خارج الأراضي السورية، كما أن علاقته مع الجيش السوري الحر (وهو القوة العسكرية الرئيسية للمعارضة التي تسيطر على أجزاء من أراضي سوريا)، تعيق وجوده الفعلي على الأراضي السورية، وسبب ذلك أن الجيش السوري الحر، بعد اعترافه بالمجلس الوطني السوري في بداية تأسيسه عام /2011/، لم يعد يعترف به كممثل شرعي للشعب السوري، فإذا كانت المعارضة السورية لا تعترف بالمجلس كممثل لها فمن باب أولى استحالة حصوله على الاعتراف الدولي وتعامل الدول والمنظمات الدولية معه كدولة من وجهة نظر القانون الدولي.
- فيما يتعلق بتشكيل محكمة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا
يثير هذا الموضوع مسألتين: الأولى تخص مسؤولية مرتكبي جرائم الحرب، والثانية تتعلق بالمحاكم الجنائية المختصة لمحاكمتهم.
ففيما يخص مسؤولية مرتكبي جرائم الحرب في سوريا: يرى الباحث أن النظام السوري والجماعات المعارضة مسؤولون عن الجرائم المرتكبة في سوريا، إلا أن هذا الأمر يثير مشكلتين أساسيتين: الأولى تتعلق بمسؤولية رئيس الدولة عن جرائم نظامه، والثانية تتعلق بمسؤولية جهات غير معترف بها دولياً عن ارتكاب جرائم.
ففيما يخص مسؤولية رئيس الدولة عن جرائم نظامه: يذكّر الباحث بمبدأ “الحصانة الشخصية لرئيس الدولة”، الذي يرافق الرئيس طيلة فترة حكمه ويمنع محاكمته من أي جهة خارجية، ويجد هذا المبدأ تبريره في مسألة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة واحترام سيادتها كون الرئيس هو الذي يمثل هذه السيادة.
إلا أن حصانة رئيس الدولة تزول عند قيامه بارتكاب جرائم، وبشكل خاص جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وقد تم اتهام نظام الأسد بارتكاب عدة أنواع من هذه الجرائم منذ قيام النزاع في سوريا، ومنها على سبيل المثال جريمة التطهير العرقي المتهم بها النظام بعد قصفه مدينة دوما بالأسلحة الكيماوية في 7/4/2018، وهو ما أكدته مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، إلا أن النظام السوري كان دائماً يحاول الدفاع عن نفسه بنفي ارتكاب مثل هذه الجرائم ويتهم المعارضة بها.
فيما يخص مسؤولية جهات غير معترف بها دولياً عن ارتكاب جرائم في سوريا: عند قيام نزاع مسلح بين الدولة ومجموعات أخرى يجب على جميع أطراف النزاع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، والامتناع عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أي أن هذا الالتزام لا يقتصر فقط على الدولة بل يشمل المجموعات الأخرى أيضاً.
فيما يخص المحاكم الجنائية المختصة بمحاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا: مما لا شك فيه أن جرائم وحشية حدثت في سوريا، ومنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها الدولة السورية أو المجموعات الأخرى المحاربة، هذه الجرائم تُعتبر جرائم ضد الأمن والسلم الدولي، ولذلك فإن محاكمة مرتكبي هذه الجرائم ستساعد على إعادة الأمن إلى سوريا. ومع ذلك فإن تحديد المحكمة المختصة لمحاكمة هؤلاء المجرمين ليس أمراً سهلاً من عدة نواح:
فمن ناحية أولى: لا يمكن الاستعانة بالمحكمة الجنائية الدولية، المختصة بمحاكمة مرتكبي الجرائم الجماعية (كالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب)، لمحاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا، لأن سوريا غير منضمة إلى معاهدة روما لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك يمكن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن، وهو ما اقترحه منذ تموز 2012 السيد نافي بيلاي، المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إلا أن حق النقض (الفيتو) من قبل الدولتين الدائمتي العضوية (روسيا والصين) أعاق ذلك أكثر من مرة. لكن تبقى إمكانية الرجوع إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا من حاملي جنسيات الدول المنضمة إلى اتفاقية روما، كعناصر تنظيم الدولة من حملة الجنسية الفرنسية أو البلجيكية، وهذا الاختصاص ليس رئيسي بل احتياطي، بمعنى أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحاكم الأشخاص المذكورين إلا إذا كانت محاكم بلدانهم غير مختصة لمحاكمتهم وفقاً لقانونها الجنائي الداخلي، أو أنها لم ترغب بمحاكمتهم وفقاً لقانونها وأمام محاكمها الداخلية. وهو ما فعلته فرنسا في /2018/ حين صرح وزير دفاعها فلورنس بارلي بأن “حكومة بلاده لا ترغب بمحاكمة مواطنيها المنتمين إلى تنظيم الدولة من مرتكبي جرائم في سوريا والعراق، بل تترك محاكمتهم للدولة التي ارتكبوا الجرائم على أراضيها”، ومع عدم وجود محاكمة لهم في سوريا وصعوبة محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية بقي مرتكبو الجرائم في سوريا دون محاكمة.
ومن ناحية ثانية، لم يكن ممكناً تشكيل محكمة خاصة بالجرائم المرتكبة في سوريا، لأن هذا الأمر يحتاج إلى موافقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهذه الجمعية تضم كل بلدان المجتمع الدولي، وقسم منها يعارض ذلك، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في /21-12-2016/ قراراً بتشكيل “لجنة دولية محايدة ومستقلة مهمتها التحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي في سوريا منذ آذار 2011، والمساعدة على محاكمة الأشخاص المسؤولين عنها”. وقد اعترض ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري على تشكيل اللجنة المذكورة واعتبرها تدخلاً واضحاً في الشؤون الداخلية لدولة عضو في الأمم المتحدة. ومع ذلك بدأت اللجنة المذكورة في عملها وما زالت مستمرة. ويعتبر بعض الفقهاء أن تشكيل لجنة التحقيق الدولية يشكل خطوة في طريق تشكيل محكمة خاصة بالجرائم المرتكبة في سوريا.
ختاماً، يتساءل الباحث عن إمكانية الرجوع إلى مبدأ (الاختصاص العالمي) لمحاكم دول أخرى، الذي يسمح لها بملاحقة مرتكبي الجرائم الوحشية في سوريا؟ ويجيب بأن ذلك ممكن لكنه سيبقى محدوداً، لأن الدول لا تستطيع أن تلاحق أو تحاكم إلا الأشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم الموجودين على أراضيها، ولا يمكنها إحضار المتهمين الموجودين خارج أراضيها إلا بموافقة الدولة التي يقيمون فيها، وإلا كان في ذلك تدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى. رغم ذلك بدأت عدة دول (كفرنسا، النرويج، ألمانيا، بلجيكا، والسويد) بمحاكمة الأشخاص الموجودين على أراضيها من اللاجئين المتهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا.
بعد ذلك انتقل الباحث إلى الموضوع الأخير في بحثه حول إقامة دولة كردية في سوريا.
ثانياً- صعوبة إقامة دولة كردية
بعد فقدان الدولة السورية سيطرتها على عدة أجزاء من أراضيها ظهرت من جديد فكرة الانفصال عند الأكراد لتشكيل دولة كردية مستقلة. في دراسته لهذا الموضوع عالج الباحث نقطتين: الأولى تتعلق بمدى تناسب تأسيس دولة كردية مع أحكام القانون الدولي، والثانية تتعلق بالتساؤل عما إذا كان الأكراد في سوريا يشكلون بالفعل دولة وفقاً للمفهوم الدولي.
- مدى تناسب تأسيس دولة كردية مع أحكام القانون الدولي
لا يبدو تشكيل دولة كردية في سوريا متناسباً مع أحكام القانون الدولي لعدة أسباب:
- يتبين من خلال تحليل ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ وحدة أراضي الدولة استحالة القبول بانفصال الأكراد لتشكيل دولة كردية جديدة مستقلة، خاصةً أن أحكام القانون الدولي لا تقبل الانفصال إلا في حالة (إنهاء استعمار دولة لأخرى)، وهذا الأمر غير متحقق في الحالة السورية، لأن النزاع السوري دائر في أرض دولة واحدة وليس فيه دولة تحتل أخرى.
- تؤكد أحكام القانون الدولي على احترام حدود دولة في لحظة استقلالها وإنهاء الاستعمار أو الانتداب عليها، وبالنسبة لسوريا كانت مستعمرة فرنسية، وقد تم التأكيد في لحظة خروج فرنسا من سوريا على استعادة سوريا أراضيها كدولة موحدة لا تقبل الانقسام.
- فيما يتعلق بمبدأ (الانفصال العلاجي) الذي طرحه البعض لتبرير انفصال أكراد سوريا وتأسيسهم دولة مستقلة، هذا المبدأ هو غير مؤكد بعد في القانون الدولي، كما أن عناصر تطبيق هذا المبدأ ليس من المؤكد اجتماعها في حالة أكراد سوريا، خاصة أنه لم يثبت تعرضهم (كعرق بشري) إلى انتهاكات خارقة لحقوق الإنسان تبرر لهم الانفصال، وذلك خلافاً لأكراد العراق، الذين حققوا شروطاً سمحت لهم بالانفصال.
- العناصر المكونة للدولة الكردية
العناصر الأساسية المكونة لأي دولة في نظر القانون الدولي هي الشعب-الإقليم-الحكومة. إن توحيد كل الأكراد الذين يعيشون في البلدان الأربعة (تركيا-إيران-العراق-سوريا) لتأسيس دولة واحدة يبدو مستحيلاً بسبب ثقافاتهم المختلفة وممارسة تركيا وإيران لسيادتهما بتوحيد أراضيهما ورفض انفصال أي جزء منها. بالمقابل: فيما يخص كردستان العراق وكردستان سوريا، نحتاج إلى دراسة تحليلية لنرى هل تتوافر في كل منهما العناصر الضرورية لتكوين دولة أم لا.
فيما يخص كردستان العراق: يتبين من خلال الدراسة التحليلية أن كردستان العراق تتوافر فيها العناصر الثلاثة الضرورية للاعتراف بها كدولة مستقلة من وجهة نظر القانون الدولي: حيث لديها شعب من عرق واحد يتكلم لغة خاصة موحدة، وتمتلك إقليماً محددة أراضيه بشكل قانوني، وعندها حكومة مستقلة يعترف بها المجتمع الدولي.
ومع ذلك فإن العائق الوحيد أمام كردستان العراق هو عدم قدرتها قانوناً على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى، إلا أنها أقامت بشكل ضمني علاقات غير رسمية مع عدة دول (منها بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا)، مع ملاحظة أن الدول المذكورة لم تمنح الحصانة الدبلوماسية لممثلي كردستان المستقلين العاملين لديها.
فيما يخص كردستان سوريا: بخلاف نظيرتها العراقية، لا تمتلك كردستان سوريا العناصر اللازمة للاعتراف بها كدولة من وجهة نظر القانون الدولي.
رغم كون النزاع السوري فرصة نادرة لأكراد سوريا لبحث مسألة استقلالهم، إلا أن تعقيدات المنطقة ومعارضة المجتمع الدولي تعيق هذه المسألة. وبتحليل العناصر الثلاثة المطلوبة لتكوين دولة عند أكراد سوريا نجد شعباً غالبيته من الأكراد، وإقليماً يسيطر عليه الأكراد، وهكذا يتوافر عنصران من عناصر الدولة لديهم، لكن العنصر الثالث (الحكومة) يفتقر إلى الأساس القانوني، رغم وجود الإدارة الذاتية التي نصّبت نفسها لإدارة مناطق أكراد سوريا، والتي تملك سلطات إدارية وعسكرية تسمح لها بأن تكون دولة، إلا أن أحداً لم يعترف بها، وحتى الدولة السورية المركزية في دمشق لم تعقد معها أي اتفاقية فيما يخص المناطق التي تسيطر عليها. ورغم ذلك صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أيلول 2018، جواباً على سؤال حول إمكانية استقلال دولة كردية في سوريا “يريد أكراد سوريا نوعاً من الاستقلال ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية، هذا الطلب قابل للتفاوض ويمكن أن يكون محلاً لحوار”.
بعد هذه الفقرة الأخيرة انتقل الباحث إلى خاتمة رسالته التي أوضح فيها أهم ما توصل إليه بحثه من نتائج.
خاتمة
نجد في النزاع السوري تطورات في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين على الصعيدين القانوني والمؤسساتي:
- على الصعيد القانوني: تظهر أولاً محاولة إعادة تعريف مصطلح (السيادة) المذكور في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، في رأي غالبية الفقه الدولي السيادة هي للشعب وليس للدولة، وخاصة في حالة ارتكاب الدولة لجرائم خطيرة، الأمر الذي يقود إلى إثارة مبدأ المسؤولية الدولية عن حماية الشعوب في حالة الحروب أو النزاعات، خاصةً في ظل ارتكاب جرائم فظيعة ضد الإنسانية في سوريا.
ورغم عدم تطبيق هذا المبدأ بسبب تعقيدات النزاع السوري، إلا أن الاقتراحات المتعلقة بعدم جواز استعمال حق النقض (الفيتو) في حالة ارتكاب جرائم محرمة دولياً، أو عودة تطبيق مبدأ (الاتحاد من أجل السلام) المتعلق بدور الجمعية العامة للأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، يمكن أن تُعتبر تطورات في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين في النزاع السوري.
تبدو ثانياً مشكلة استعمال أسلحة محظورة دولياً (كالأسلحة الكيماوية) من قبل الدولة السورية وأطراف النزاع الأخرى، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر في فعالية المواد القانونية المتعلقة باستخدام الأسلحة وبخاصة في الدول التي فيها حروب.
تبدو ثالثاً إشكالية مبدأ (حق الدفاع المشروع)، الذي استندت إليه عدة دول غربية لشن عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة في الأراضي السورية، ودون موافقة الدولة السورية، بحجة قيام عناصر ينتمون إلى هذا التنظيم بهجمات على أراضيها. إذا كان هذا الحل مقبولاً في القانون الدولي وفقاً للتفسير الواسع لمبدأ حق الدفاع المشروع منذ اعتداءات 11 أيلول 2001، فإن الأمر يحتاج إلى نقاشات واعتماد قوانين تبيح ذلك بنصوص صريحة.
يبدو رابعاً التدفق الكبير للمهاجرين السوريين نحو أوربا ودول الجوار وخاصةً تركيا، والذي يشكل موضوعاً آخر ناتجاً عن النزاع السوري، لأن عدة دول لم تحترم مبدأ (عدم إعادة اللاجئ) فيما يخص المهاجرين السوريين، رغم أنه مبدأ من مبادئ القانون الدولي، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر في اتفاقية حماية اللاجئين /1951/، خاصة في ظل عدم احترام الكثير من الدول لبنودها، رغم كونها طرفاً فيها.
- على الصعيد المؤسساتي: تدخلت عدة مؤسسات دولية (منظمات) لمحاولة حفظ السلم والأمن في سوريا، ومنها جامعة الدول العربية التي فرضت عقوبات اقتصادية وهددت بتدخل عسكري ضد نظام الأسد، إلا أن دورها بقي ضعيفاً.
من التطورات الهامة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين في سوريا تدخّل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتدمير السلاح الكيماوي السوري.
في مواجهة هدم المواقع الأثرية في سوريا، قام مجلس الأمن بخطوة تشكل تطوراً هاماً في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، عندما وصف هدم هذه المواقع بأنه يشكل جريمة حرب وتهديداً ضد السلم والأمن الدوليين، واعتمد توصية بذلك (رقم 2170).
فيما يخص مسألة محاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة التحقيق الدولية المحايدة والمستقلة، إلا أن دور هذه اللجنة يبقى محدوداً، ولتحقيق العدالة لا بد من إيجاد حل يضمن محاكمة مجرمي الحرب في سوريا أمام محاكم وطنية أو دولية.
فيما يخص السؤال حول مستقبل سوريا والشرق الأوسط فإنه يبدو معقداً، في الوقت الذي كان فيه سقوط نظام الأسد وشيكاً قبل التدخل الروسي عام /2015/، جاء هذا التدخل لينقذه ويمكّنه من استعادة السيطرة على عدة مناطق في شمال، شرق، وغرب البلاد، وساهم انسحاب قسم كبير من القوات الأمريكية في إضعاف قوات سوريا الديمقراطية (المسيطرة على مناطق الأكراد). كما أدت الحروب المتكررة في سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية لإضعافه، وصبّ كل ذلك في مصلحة نظام الأسد.
بالإضافة إلى ذلك غيّرت عدة دول عربية موقفها من الحكومة السورية كل هذه العوامل تؤكد أن المغادرة السريعة لبشار الأسد ليست متوقعة في الوقت الحالي.
أمر آخر يثير الشك حول إحلال الأمن والسلم في سوريا هو اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية خطة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وباعتبار أن إيران حليفة للنظام السوري، فإن هذا الأمر يهدد الأمن في المنطقة، خاصة مع تهديد الرئيس ترامب بشن حرب على إيران، الأمر الذي لن يسمح بحل سلمي للنزاع، لا في سوريا ولا في الشرق الأوسط بأكمله.
إضافة إلى ذلك، فإن انسحاب القوات الأمريكية وتدخل القوات التركية في الأراضي السورية بمبرر إنهاء وجود القوات الكردية على الحدود التركية وتأسيس منطقة آمنة لاستقبال 3.6 مليون سوري، هو سبب آخر لعدم وضوح مستقبل سوريا.
[1] وهي متوفرة على الرابط التالي: https://hal.archives–ouvertes.fr/tel–02512440
[2] تجنب الباحث ذكر النظام باعتباره الطرف المسؤول عن هذه المجازر.
[3] تعرض المراقبون الدوليون لعدة حالات قصف من قبل القوات الحكومية، فمثلاً تعرضت بعثة المراقبين في 16 أيار 2012 لهجوم في خان شيخون بإدلب واحتمى اثنان من أفراد البعثة لدى الجيش السوري الحر.
[4] في تلك الفترة انسحب المراقب الجزائري أنور المالك من البعثة على خلفية تزوير التقارير الصادرة عن بعثة الجامعة العربية بشأن الأحداث الواقعة على الأرض.
[5] ولكن ذلك لا يلغي بأن لجان التحقيق المستقلة الدولية أصدرت عدة تقارير تدين النظام بارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، كما تم إصدار عدة تقارير تدين النظام باستخدام أسلحة الدمار الشامل الكيماوي.
[6] للأسف كانت غالبية التقارير الصادرة عن لجنة التحقيق الدولية تحاول تغطية جرائم النظام بالحديث (بشكل عام) عن جرائم المعارضة والمجموعات المسلحة، دون تحديد للمقصود بها.
[7] كل هذه الإجراءات كانت إجراءات شكلية ليس أكثر، ولم يتغير شيء على أرض الواقع.
[8] العائق كان دائماً الفيتو الروسي- الصيني.
[9] أخطأ الكاتب عندما رد سبب هجرة السوريين خارج بلادهم الى تنظيم الدولة وحده، رغم أن هذا التنظيم كان له أثر في ذلك إلا أن لجوء السوريين واضطراراهم للخروج خارج سورية بدأ منذ عام 2011 وقبل ظهور تنظيم الدولة في سوريا بسبب سياسات النظام الإجرامية، وأكبر موجات الهجرة كانت بعد التدخل الروسي وكانت من المناطق التي يسيطر أو سيطر عليها النظام لاحقاً.