التقرير الرصدي من 15 ولغاية 30 تشرين الثاني 2019
يسعى هذا التقرير الى رصد أهم المواقف للدول الفاعلة في الشأن السوري على المستويين الإقليمي والدولي من خلال رصد أهم التصريحات الرسمية واللقاءات والاتفاقيات ذات الصلة، مع تقديم رؤية تحليلية تساعد القارئ على تركيب صورة ذهنية مترابطة حول تطورات القضية السورية وماهية أدوار الدول.
الولايات المتحدة:
بعد قرار الانسحاب من سوريا ثم التراجع عنه كشفت الولايات المتحدة عن ملامح استراتيجية جديدة في سوريا في المرحلة المقبلة من خلال وجودها العسكري هناك، وقال المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري خلال كلمته في الاجتماع الدولي لمحاربة تنظيم الدولة: لقد تم وضع خطة شاملة للمرحلة المقبلة بخصوص مواصلة الحرب على تنظيم الدولة مؤكداً أن وجود الولايات المتحدة العسكري في سوريا هدفهُ الأولى هو تقليص النفوذ الإيراني والقضاء عليه، وإيجاد حل سياسي سلمي للنزاع تماشياً مع قرارات مجلس الأمن.
ويذكر أن وزير الدفع الأمريكي “مارك أسبر” كان في وقت سابق قد أعلن عن نية بلاده الإبقاء على نحو600 عسكري بمناطق شمالي شرقي سوريا لحماية آبار النفط من قوات الأسد وروسيا.
وبعد مجزرة مخيم “قاح” للنازحين ، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية نظام الأسد بوقف الحرب على المناطق المدنية في إدلب ، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية: إن الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية يمثل انتهاكاً للقانون الدولي ويقوض العملية السياسية المحددة في قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأكدت أنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل سلمي في سوريا دون ضمانات بأن المسؤولين عن هذه الأعمال الوحشية سيخضعون للمسائلة، داعيةً المجتمع الدولي إلى التحدث بصوتٍ واحدٍ لمحاسبة نظام الأسد وحلفائه على سلسلته الطويلة من الفظائع والدمار واسع النطاق.
روسيا:
اعتباراً من 19/11/2019 استهلت التصريحات الروسية بالرد على تصريحات وزير الخارجية التركي “”مولود تشاوش أوغلو” بأن بلاده قد تواصل حملتها العسكرية شمال سوريا ضد القوات الكردية في حال لم تكمل الولايات المتحدة وروسيا تنفيذ كل ما هو وارد بشأن هذه المنطقة، حيث ردت وزارة الدفاع الروسية: إن إعلان تركيا عن عملية عسكرية جديدة محتملة في سوريا يدعو إلى الدهشة، وحذرت تركيا من مغبة أي تصعيدٍ عسكريٍ في شرق الفرات.
وفي 20/11/2019 وعلى إثر الغارات الإسرائيلية على بعض المواقع داخل سوريا، صرحت الخارجية الروسية أن الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا تتناقض مع القانون الدولي وتقود نحو تصاعد التوتر.
وبينما بدأ النظام السوري بتصعيدٍ عسكريٍ على جبهة إدلب بمساندة الطائرات الروسية التي قامت بتنفيذ قصفٍ عنيفٍ ومتواصل على قرى ريف إدلب الجنوبي، ظهر وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” ليقول: إن التصعيد العسكري في شمال غربي سوريا يجب ألا يعيق أعمال اللجنة الدستورية التي كان من المفترض أن تبدأ أعمالها في نفس الفترة، وفي تصريح آخر له بخصوص اللجنة الدستورية، حذر لافروف مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا من التدخل في عمل اللجنة الدستورية، وقال إن هناك مخاطر من التدخلات الخارجية لفرض حلول على السوريين.
تركيا:
تميزت التصريحات التركية في هذه الفترة بالتركيز على الاتفاقات التي أبرمت مع كلٍ من الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهةٍ أخرى بخصوص إبعاد القوات الكردية عن الحدود التركية، حيث توقفت عملية نبع السلام على إثر هذه الاتفاقات، ولوحظ عدم رضا تركيا عن التزام الأطراف بتنفيذ ما اُتفِقَ عليه؛ فقد هددت تركيا في أكثر من مناسبة باستئناف العملية، وتحدثت كثيراً عن الخروقات المستمرة من قبل قوات قسد.
وفي زحمة التصريحات والأخبار عن تسيير دوريات تارةً، واستمرار العملية العسكرية التركية تارةً أخرى، والإعلان عن الالتزام بالاتفاقات في بعض الأحيان، تواردت بعض الأنباءِ عن استخلاص بعض القرى وبعض المناطق من قبضةِ قسد، فيما يدل على أن العمل العسكري لم يتوقف تماماً وأن هناك بعض الترتيبات التي تقوم بها القوات التركية بوتيرةٍ منخفضة وبعيداً عن الضجيج الإعلامي.
سوريا:
في الداخل السوري وتحديداً في مناطق سيطرةِ النظام يمكنُ للأخبار القادمة من هناك أن ترسم صورةً عن الوضع المزري الذي تعيشه تلك المناطق. فقد ورد ما يلي:
- ميليشيا مقربة من ماهر الأسد توجه صفعةً قويةً لأمن النظام في حماة.
- وفي خبرٍ آخر: نظامُ الأسدِ يستدرج الشبابِ لجيشهِ بحيل جديدة.
- كذلك، نظام الأسد ينقلب على شقيق رجل الأعمال الموالي “سامر فوز” في طرطوس.
من جهةٍ أخرى وكاعترافٍ مسبق أن الحكومة لن تستطيع هذه المرة مواجهة موجة الهبوط الحاد في قيمة الليرة السورية تم منح الموظفين في الدولة زيادة على رواتبهم بمقدار عشرين ألف ليرة سورية قوبلت بالسخرية والاستهزاء من قبل الشارع السوري.
أما على الصعيدين السياسي والعسكري فقد اتسمت الفترة بالتصعيد العسكري على جبهة ريف ادلب الجنوبي، بالإضافة إلى التصعيد السياسي تجاه تركيا، وقد ظهر هذا جلياً في تصريحات الرئيس السوري من خلال إجاباته عن أسئلة المجلة الفرنسية “باري ماتش” في لقائه الأخير معها، هذا بالإضافة إلى قيام وسائل إعلام النظام بإطلاق تسمية “وفد النظام التركي ” على “وفد المعارضة السورية”، حيث امتد التصعيد إلى مباحثات اللجنة الدستورية السورية، فبعد إعلانه عن جولةٍ جديدة للجنة، بدأ المبعوث الأممي “غير بيدرسون” في 25/11/2019 بإجراء اجتماعات متتالية مع رئاسةِ وفدي المعارضة ونظامُ الأسد، ثم تتالت أنباء الانسحابات والاختلافات حول جدول الأعمال، وقد ظهر جلياً أن وفد نظام الأسد قد حضر إلى المفاوضات بهدف العرقلة فقط ، فقدم جدول أعمال لا علاقة له بالدستور، فقد أصر وفد النظامِ على أن يكون جدول الأعمال مخصصاً لما أسماه المرتكزات الوطنية بينما كان وفد المعارضة مصمم على البدء بخطوات عملية بعيداً عن المزاودات الوطنية وتبادل الطرفان الاتهامات بإفشال مفاوضات في جولتها الثانية التي انتهت دونما تحقيق أي تقدم.
رؤية تحليلية:
من خلال استعراض أهم التطورات حول القضية السورية يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- يبدو أن عدم تنفيذ الانسحاب الأمريكي هو نتيجة ضغط المؤسسات الامريكية وخاصة وزارة الدفاع على الرئيس الأمريكي؛ وعليه من المبكر جداً تحديد فيما إذا كان للولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية واضحة تجاه القضية السورية؛ ولكن ربط انسحابها بتحقيق حل سياسي يشير إلى أن انسحابها لن يكون في القريب العاجل.
- تسعى روسيا في هذه المرحلة الى شرعنة مكاسبها الميدانية وخاصة توسعها برفقة النظام في مناطق شرق الفرات.
- يبدو أن تركيا بدأت تستشعر بأن النتائج التي حصدتها من عملية نبع السلام محدودة جداً ولا تحقق مطالب تركيا الرئيسة من العملية؛ وعليه قد تسعى تركيا مستقبلاً لاستغلال أي فرصة لتحسين موقعها الحالي.
- يصر النظام على عدم الانخراط في أي جهد سياسي يفضي إلى حل سياسي للقضية السورية، وذلك من خلال سعيه الدائم لتعطيل هذه المسارات من خلال تفريغ أي مسار سياسي من محتواهُ عن طريق اللجوءِ إلى المراوغات الدبلوماسية والتصعيد على الأرض، الأمر الذي يدفع بطرف المعارضة لطلب توقف هذا التصعيد كشرط لاستمرار المسار، وفي النهاية يكون إفشال المسار.
- إن ما تم تحقيقه في الجولة الأولى والذي وصفه البعض بالنجاح يبدو أنه تبخر في هذه الجولة؛ وعليه لا بد من ترقب التوجه الروسي الحقيقي حيال اللجنة الدستورية ومدى جدية الروس في إيجاد حل سياسي للقضية السورية. فهم، إما سيمارسون الضغط على النظام للعودة إلى العمل بإيجابية في اللجنة الدستورية، وإما لن يفعلوا ذلكَ، وهو ما يشي بتناغمٍ روسيٍ سوري يهدفُ إلى الضغط على وفد المعارضة، أو إعاقة عمل اللجنة الدستورية.