التقرير الرصدي للفترة الواقعة بين 15 – 31 يناير / 2020
يسعى هذا التقرير إلى رصد أهم المواقف للدول الفاعلة في الشأن السوري على المستوى الإقليمي والدولي من خلال رصد أهم التصريحات الرسمية واللقاءات والاتفاقيات ذات الصلة، مع تقديم رؤية تحليلية تساعد القارئ في تركيب صورة ذهنية مترابطة حول تطورات القضية السورية وماهية أدوار الدول.
روسيا:
تزامنا مع الهجمة الشرسة على ريف إدلب؛ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يقول: تمت إزاحة التهديد الإرهابي في سوريا ويجب أن تصبح مثالا لمنع محاولات تحديد مصير المنطقة من الخارج، وأن روسيا تدعم العملية العسكرية للنظام، كما لفت لافروف لوجود تقارير مقلقة بأن قوات سوريا الديمقراطية تطلق سراح الإرهابيين مقابل رشوة. وأضاف أن هناك أكثر من 10 آلاف إرهابي شرق الفرات في سوريا.
وعلى صعيد آخر استنكرت روسيا إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على البقاء في سوريا. فيما ذكرت وكالات الأنباء أنه للمرة الثالثة خلال أسبوع الروس يصطدمون بالدوريات الأمريكية شرقي سوريا، وفي نفس السياق صرحت وزارة الدفاع الروسية أن واشنطن تعرقل استعادة الحياة الطبيعية في سوريا.
وفي سياق دفاعها المتواصل وحمايتها للنظام السوري في مجلس الأمن والأمم المتحدة؛ مندوب روسيا الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية خلال اجتماع في نيويورك لمناقشة التقرير الذي تحدث عن استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما؛ ذكر المندوب الروسي: تحقيقات المنظمة بمزاعم استخدام سلاح كيميائي في مدينة دوما السورية غير كاملة ومنقوصة وتشوبها ثغرات كثيرة.
وأخيرا، وكرد على اتهامات تركية لروسيا بعدم الالتزام باتفاقات سوتشي وأستانا صرحت الدبلوماسية الروسية بأن تركيا لم تنفذ التفاهمات المبرمة بخصوص إدلب، وأن روسيا ملتزمة بالاتفاق الموقع في سوتشي.
الولايات المتحدة:
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: إن أمريكا تؤمن النفط في سوريا، وأخبرت تركيا أن عليها الدفاع عن حدودها. وعقب الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأمريكي و التركي ذكرت الأخبار القادمة من واشنطن أن واشنطن تتوافق مع أنقرة على وقف إطلاق النار في ليبيا وإدلب.
وفي الداخل السوري ذكرت بعض الأنباء أن واشنطن تضيق الخناق على الروس في الحسكة، وأن القوات الأمريكية تتناوب على الطريق الدولي m4 بتل تمر منعا لأي تحرك للقوات الروسية وقوات النظام بأي اتجاه سوى الطرق الحدودية مع تركيا.
وأكد الممثل الأميركي للشأن السوري المبعوث الخاص إلى التحالف الدولي، جيمس جيفري، أن واشنطن أوضحت مرارا للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه لا يمكن الوثوق بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وذلك على خلفية هجوم روسيا والنظام السوري المستمر على إدلب.
تركيا
بعد أن تجاوزت قوات النظام بعض نقاط المراقبة التركية من خلال الهجمات الأخيرة في محيط مدينة إدلب؛ وزير الدفاع التركي يصرح: لن ننسحب من نقاط المراقبة في إدلب وقد جرى تعزيزها. فيما صرح الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان: سنتناول موضوع إدلب بشكل موسع في اجتماع برلين.
وعقب اللقاء الذي جمع رئيس المخابرات التركية مع مدير الأمن الوطني لدى النظام السوري علي مملوك في موسكو، وكتعبير عن فشل اللقاء في التوصل إلى نتائج إيجابية؛ ذكرت وسائل الإعلام أن الرئيس التركي أبلغ فصائل الثورة السورية “استعدوا للمعركة الكبرى”.
وبعد خرق روسيا والنظام السوري وعدم الالتزام بالاتفاقات؛ ظهر الرئيس التركي مصرحا أنه لم يتبق شيئا من مسار أستانا؛ علينا نحن تركيا وروسيا وإيران إحياؤه مجددا والنظر فيما يمكن أن نفعله. وأضاف في حال التزمت روسيا باتفاقيتي سوتشي وأستانا فإن تركيا ستواصل الالتزام بهما، وروسيا لم تلتزم إلى الآن بالاتفاقيتين، لقد أبلغنا روسيا بنفاذ صبر تركيا تجاه استمرار القصف في إدلب. فيما تواردت أنباء عن دفع الجيش التركي بمزيد من التعزيزات إلى الحدود مع سوريا.
وصرح أردوغان يوم الجمعة 31/1/2020 بأن نظام الأسد ما زال يريق الدماء في إدلب، وأن تركيا موجودة في سوريا بسبب اتفاقية أضنة وستبقى تحارب الإرهابيين هناك وقد تلجأ إلى عملية عسكرية أخرى إذا لم يتم حل الوضع في إدلب بشكل سريع.
سوريا:
تواصلت المظاهرات في مدينة السويداء احتجاجاً على غلاء المواد الغذائية وتدهور الأوضاع المعيشية، وقائد فوج مغاوير البعث يهدد المتظاهرين بالقتل ويصفهم بعملاء أمريكا. فيما لايزال التصعيد مستمراً في محافظة درعا ومجهولون يغتالون طبيبا، ويستهدفون عنصري أمن، وفي نفس السياق قوات النظام اقتحمت بالدبابات بلدة رنكوس وقامت بتصفية مجموعة من شبان البلدة.
وفي مواجهة التدهور الكبير في سعر الليرة أصدر رأس النظام مرسوماً يقضي بمنع التعامل بغير الليرة السورية. أما مندوب النظام الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري فقد ذكر في تصريح له: إن سوريا وحلفاءها انتصروا ميدانيا وفي مجلس الأمن، كما أضاف الجعفري في نفس التصريح أن القرار السوري بتحرير إدلب نهائي ولا رجعة عنه. وعلى المستوى الميداني استطاع النظام احتلال عشرات القرى في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، كما استطاع احتلال مدينة معرة النعمان التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في محافظة إدلب، بينما بقيت المناطق التي استطاع النظام التقدم إليها في ريف حلب الغربي محدودة بالمجمل.
كما قام الجيش الوطني السوري بإرسال تعزيزات عسكرية لجبهات إدلب ويف حلب الغربي لتعزيز خطوط الجبهات والعمل على إيقاف تقدم قوات النظام.
رؤية تحليلية:
((وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه على ما يبدو أنه ليس صامداً بشكل كبير مما قد يوحي بانطلاق جولة تصعيد جديدة))
هذه الخلاصة التي تم الإشارة لها في التقرير الرصدي السابق، وقد أتت تطورات الأحداث في هذا السياق، فالنظام حاسم خيارته لجهة طموحه للسيطرة على كامل الأراضي السورية وهو في سبيل ذلك يستفيد من المساحات المتاحة نتيجة التضارب في المواقف بين تركيا وأمريكا من جهة وتركيا وروسيا من جهة أخرى وبالاستناد على حليفيه الروسي والإيراني، وقد يكون هدف النظام الحالي هو ليس السيطرة على كامل المناطق المحررة؛ بل اعتماد نفس الاستراتيجية القائمة على القضم المتتالي للمناطق ولكن ضعف الجبهات قد يزيد من شهية القضم أكثر لدى النظام، ويظهر أن التصريحات التركية بقيت في مجال التصريحات دون ترجمة فعلية على الأرض، وهو ما قد تكون تركيا عاجزة عنه إذا كان ذلك سيدخلها في حالة صدام مع روسيا إلا إذا كان ذلك بتفاهم مع أمريكا، وهو ما يزال غير متوفر حالياً، ولذلك من المتوقع أن تطور الأحداث بأحد الاحتمالين التاليين:
الأول: تخفيض حدة الصراع حيث ستسعى تركيا وروسيا في الفترة القادمة للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار جديد للتخفيف من الارتدادات المحتملة للعملية العسكرية للنظام، وقد تكون روسيا مستعدة لذلك لمنع انهيار التفاهمات مع تركيا في سوريا بشكل كامل، والنظام قد يكون له مصلحة في ذلك لتحصين المناطق الجديدة والاستعداد لجولة عسكرية جديدة.
الثاني: زيادة حدة الصراع حيث يمكن ان تنتقل قوات المعارضة السورية المسلحة وبعد انكشاف الأفق المسدود لمسار أستانا وبتنسيق مع الأتراك، أو دون تنسيق من حالة
الدفاع إلى حالة الهجوم وذلك وفق خطوط معارك جديدة قد تمتد من جبهة الساحل وصولاً لجبهة حماة وحلب المدينة وتل رفعت والباب وحتى منبج،
وهو احتمال وارد في ظل التصريحات التركية الأخيرة، والتي تحمل في طياتها ملامح معركة عسكرية وخاصة اذا ما ارتبطت باستدارة أمريكية باتجاه تركيا، وفي نفس الوقت لرغبة قوات المعارضة السورية المسلحة بتغيير شكل الصراع الحالي.