الأسد واللعب على سوء الحسابات
في العلم العسكري وخاصة بما يتعلق بأسباب اندلاع الحروب يعتبر سوء الحسابات واحد من أبرز أسباب الانزلاق نحو الحرب، ولعل واحدة من عمليات سوء الحسابات تكون نتيجة انزلاق كرة ثلج لمتوالية أحداث تبدأ بحدث بسيط مثل إطلاق جندي على خط التماس النار ولو بالهواء مما قد يعتقده الطرف الآخر إطلاق نار معادي، فيرد على مصادر إطلاق النار وتنزلق الاحداث ككرة ثلج تدحرجت من أعلى جبل باتجاه الواد، وقصة الحرب العالمية الأولى تعطينا درسا في ذلك، حيث أدت حادثة اغتيال الأرشيدوق فرديناند في 28 يونيو 1914 في سيراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، إلى متوالية أحداث لاحقة أدخلت العالم في حرب مدمرة، وبالعودة إلى الواقع السوري نجد أن النظام دخل في مأزق بعد الاتفاق التركي الروسي في 5 آذار 2020 فاستراتيجية النظام هي أشبه بخيمة عمادها الرئيسي هو الاستمرار في الحل العسكري والتلاعب بالمسار السياسي لتحقيق نصر عسكري ينهي أي آمال بتغيير سياسي. وعليه، عندما أتى التدخل العسكري التركي في عملية درع الربيع وما تلاه من انصياع روسي للواقع الميداني الذي فرضته تركيا على الأرض وفشل الحملة العسكرية الروسية مع النظام، بات هذا العمود مهلهلا بما يشي بقرب انهيار الخيمة التي يتظلل بها النظام، وعليه، فسعي النظام الأساسي يرتبط بتدمير التفاهم التركي الروسي خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها النظام، لذلك يمكن –جزئيا- تفسير المماطلة والتعطيل من قبل النظام في مسار اللجنة الدستورية بهدف الضغط على الروس بأن المسار السياسي هو لاحق للحسم العسكري، ولكن النظام يدرك بأن خيار انفكاك الروس عن تفاهمهم مع الأتراك والدخول بموجة من الصراع العسكري وكسر العظم مع تركيا ليس خيارا مرغوبا او خيارا سهلا من قبل روسيا، لذلك يسعى النظام إلى تعقيد وتشبيك هذا التفاهم بسلسة من الألغام الميدانية التي قد تخلق سلسلة متواترة من الأحداث قد تدفع روسيا للانزلاق في صراع مع تركيا تراه روسيا ضروريا نتيجة الواقع الذي تعيشه، وعليه فاستهداف الدوريات التركية الروسية في إدلب وخلق حالة من عدم الاستقرار في المناطق المحررة نتيجة التفجيرات التي تشهدها المنطقة والادعاء بأنه يوفر معابر لخروج المدنيين من مناطق سيطرة القوى المصنفة إرهابية، كلها عوامل تساعده في سوق حجج لشن عملية عسكرية جديدة كما أن نقل قوات باتجاه منطقة الباب والعمل على التصعيد الميداني أيضا بهدف إيجاد الحادث رقم 1 لسلسة احداث متتالية، ولكن يبدو أن الروس والأتراك يرون أن تثبيت اتفاقيتهم السابقة هي مصلحة مشتركة لحد الآن وهو ما ظهر من خلال اجتماع أستانة الماضي، لذلك فالنظام سيعسى إلى إدخال ألغام جديدة على أمل اللعب على سوء الحسابات لدى كل من تركيا وروسيا بما يسمح لها بالعودة إلى الخيار العسكري، والنظام يدرك بشكل حاسم لو أنه يستطيع العودة لهذا الخيار بشكل منفرد او بالشراكة مع إيران فقط في وجه تركيا لما كان توقف كل هذه المدة وهو يعيش أزمة اقتصادية باتت تُلفظه أنفاسه الأخيرة.