أردوغان – بوتين…. إدلب على الطاولة وشرق الفرات في المفاوضات
ماذا سيحمل الاجتماع التركي الروسي القادم؟ هو ما يشغل الباحثين والمهتمين في الشأن السوري، ففي 29 أيلول سيجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين، وقد أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أهمية القمة، وقال للصحفيين من “البيت التركي” في نيويورك الأمريكية إن الخطط المطروحة تقضي بعقد محادثات ثنائية بين الرئيسين دون حضور أي مسؤولين آخرين، مؤكدا أن أجندة اللقاء ستشمل مستجدات الوضع في منطقة وقف التصعيد في محافظة إدلب السورية وواقع العلاقات الثنائية. وتابع: “لن نتحدث عن إدلب وحدها بل سنناقش أيضا العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا والوضع في سوريا، وما وصلنا إليه في سوريا وما سنحرزه هناك في المستقبل”.
هذا الاجتماع يعتبر الأول بين الزعيمين بعد اجتماعهما الشهير في آذار من عام 2020 والذي أفضى إلى الاتفاق القائم إلى يومنا هذا في إدلب، وعليه ووفق ما صرح أردوغان فإن إدلب ستكون حاضرة على الطاولة، ولعل الرسائل الروسية لإحضارها إلى الطاولة كانت واضحة في الميدان، فخلال شهري آب وأيلول ازداد حجم القصف الروسي كما ونوعا لمنطقة إدلب، وشمل القصف مواقع لفصائل مقربة من تركيا في منطقة غصن الزيتون، كما كانت الرسائل الروسية السياسة أيضا واضحة المعالم من خلال التصريح الروسي بعد اللقاء مع بشار الأسد بأن مشكلة سورية هي الوجود الأجنبي، هذه الرسائل دفعت تركيا لتجهيز ردودها الميدانية والسياسية حيث قامت تركيا بالدفع بالمزيد من القوات إلى إدلب بما فيها منظومات دفاع جوي، وعل المستوى السياسي يأتي اللقاء التركي مع الائتلاف للتذكير بأن الائتلاف هو ممثل شرعي للشعب السوري كورقة سياسية يمكن اللجوء لها في حال المحاجة بشرعية الوجود التركي في سورية ،كما أن اتفاق أضنة يقدم لتركيا سندا قانونيا يدعم وجودها في شمال سورية ، وتصريح السفير التركي لدى الأمم المتحدة: بأن هناك “تسعة ملايين سوري يعيشون بالاعتماد على الدعم التركي وأولويتنا هي حماية المدنيين ” هو أيضا رسالة واضحة لمدى تأثير الفاعل التركي في سورية، ومدى أهمية القضية السورية له، وعلى الضفة الأخرى تدرك تركيا حجم التغيرات التي واكبت القضية السورية منذ عام 2011 وحتى عام 2021 بما فيها تراجع أهمية هذه القضية دوليا وقدرة النظام من خلال الدعم الروسي الاستمرار في الحكم. لذلك باتت تركيا تركز اهتمامها ليس على كامل سورية بل على القسم الشمالي من سورية على اعتبار شمال سورية يعتبر قضية أمن قومي لتركيا، وهو ما يفسر التصريح من طرف أردوغان، حيث قال في مؤتمر صحفي بعد صلاة الجمعة 24/9/2021: إن “نظام الأسد يشكل تهديدا لتركيا من حدودها الجنوبية”، متوقعا أن يفعل بوتين “شيئا حيال ذلك”.
إذا، روسيا أحضرت ملف إدلب إلى طاولة المفاوضات، ولكن هل تمتلك تركيا وروسيا ما تتفاوضان عليه فعلا في إدلب؟ فالوضع الراهن تم الوصول إليه بعد تدخل عسكري مباشر تركي وصدام بين الطرفين كاد أن يودي إلى حالة حرب، وخاصة بعد استهداف الجنود الأتراك، كما أن أي معركة واسعة النطاق في إدلب ستعني إطلاق موجة هجرة غير مضبوطة نحو تركيا وأوروبا، خاصة أن نسبة كبيرة من السوريين باتت ترى في الهجرة باب نجاة لها بغض النظر عن مستقبل سورية السياسي، كما أن تعقيدات الأوضاع الداخلية في إدلب تصعب التفكير بحلول ناجعة لها، فإدلب اليوم تضم عددا من القوى العسكرية المصنفة على لوائح الإرهاب العالمية، وبالتالي أي عملية عسكرية قد تعني انفلاش هذه القوى على دول المنطقة، وهو ما يشكل خطرا كبيرا، وبالتالي يمكن القول إن إدلب عقدة ليس لها حل قريب، ولو حضرت إدلب على الطاولة فلن تحضر في المفاوضات، والأرجح أن يبقى الوضع على ما هو عليه وأن تبقى إدلب للأسف صندوق بريد توجه روسيا عبره رسائلها القاسية لتركيا، وهو واقع لن يعجب النظام كثيرا، لذلك ستسعى روسيا إلى ابتزاز تركيا لاستحصال بعض المكاسب ولعل مدخلها في لذلك هو تركيزها على ضرورة تنفيذ اتفاق 5/3/2020 وربما تطرح روسيا فكرة القيام بعملية عسكرية محدودة في جنوب أم4 رغم أن حجم النقاط التركية المتركزة هناك يظهر بأن تركيا أقامت عقبات في وجه مثل هذا الأمر، وحتى فكرة إجراء عملية مبادلة بين بحيث تسيطر روسيا والنظام على جنوب الأوتوستراد في إدلب وتسيطر تركيا على تل رفعت وما حولها تبدو صفقة لها مقومات الوجود نظريا، ولكن عمليا فالأمر أعقد مما يتصوره البعض، وعليه فالمفاوضات الحقيقية بين تركيا وروسيا بما يتعلق بالقضية السورية لن يشغلها ملف إدلب بل سيشغلها الملف الحاضر في أروقة النقاش الدولي السياسي، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو ملف شرق الفرات، ويمكن القول بإن هذه الاجتماع هو ليس اجتماع المناقشات التفصيلية، ولكن اجتماع رسم التوجهات العامة للتوافقات بين الدولتين لمقاربة القضية السورية في ظل ضبابية الموقف الأمريكي الجديد، هذا الموقف الذي سيكون أبرز الحاضرين في الاجتماع من خلف الستار.