تقرير حول ندوة

تقرير حول ندوة: المليشيات الإيرانية في سورية وأثرها على الواقع السوري

عقد مركز نما للأبحاث المعاصرة بتاريخ 20/11/2021 ندوة بعنوان “المليشيات الإيرانية في سورية وأثرها على الواقع السوري” حيث تم استضافة الأستاذ نوار شعبان الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية وقد تركز النقاش حول القضايا التالية:

أولا: واقع المليشيات الإيرانية من حيث العدد ومراكز تواجدها.

بدأت إيران التدخل العسكري في سورية مع بداية الثورة عام 2011 عن طريق الخبراء العسكريين، وكان التواجد الميليشياوي الإيراني في تلك الفترة محدودا واقتصر على أداور تقنية واستشارية، ولكن معركة القصير عام 2013 شكلت تحولا في طبيعة مشاركة إيران عبر مليشيا حزب الله فهذه المشاركة شكلت عامل الحسم في تحديد نتيجة المعركة، ومع انحسار قدرة النظام على السيطرة العسكرية وزيادة تمدد قوى المعارضة العسكرية عملت إيران على ملئ هذا الفراغ بتسهيل من قبل النظام الذي كان بأمس الحاجة لهذا الدور عسكريا وأمنيا.

وقد تركز التواجد الميليشياوي في تلك الفترة على الحدود اللبنانية، ولم يقتصر الأمر فقط على مليشيا حزب الله بل أيضا كان هناك تنظيم آخر لا يتم تسليط الضوء عليه وهو مليشيا الصابرون، أما الميليشيات الأفغانية والباكستانية والعراقية فكانت تتواجد في دمشق وريف دمشق بالإضافة إلى التواجد في الجبهة الجنوبية، ولاحقا برز تواجدها في ريف حلب الجنوبي حيث زادت عدد القواعد الإيرانية، وكانت المليشيات في تلك الفترة متحررة من أي قيود لجهة مدى ظهورها، فمثلا مليشيات بدر كانت تبث تدريباتها العسكرية على مواقع التواصل الاجتماعي ، وقد غلب العنصر الأجنبي على تشكيل هذه الميليشيات، مع تزويد هذه المليشيات بسلاح يعتبر نوعي، وقد لعبت إيران عن طريق تواجدها العسكري المباشر دورا تفاوضيا في بعض الاتفاقيات التي حصلت كما حصل بملف المدن الأربعة.

بعد عام 2014 بدأت إيران تعزيز تشكيل المليشيات المحلية، وإيران باتت تدرك بأنها مستهدفة، وخاصة أن تواجدها العسكري بأدوات أجنبية يعتبر غير مشرعن ويسهل استهدافه، ولتجاوز هذا الأمر عملت على تعزيز التشكيلات المحلية ودمجها بأجهزة الدولة السورية مثل الجيش والأمن، خاصة وأن روسيا بعد تدخلها العسكري حاولت ضبط هذه المليشيات على قاعدة عجز روسيا عن الاستغناء عن دورها. وبالتالي، يجب العمل على تطويع هذه الأدوات.  كل هذه الأمور دفعت المليشيات إلى تخفيف حدة ظهورها الهوياتي المنفصل؛ فكل المواقع الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي تم ايقافها وأصبحت المؤسسات العسكرية والأمنية السورية هي الغطاء الفعلي لعمل هذه المليشيات، ويظهر أن المليشيات تحاول إخفاء تواجدها في جبهات مثل ريف دمشق وحلب، بينما في جبهات أخرى ليس لديهم مشكلة من الظهور مثل جبهة دير الزور.

وقد سعت روسيا لتجاوز هذا الأمر من خلال محاولة ملء الفراغ في المناطق التي تم السيطرة عليها من خلال المصالحات والقوى المعارضة التي قبلت التفاوض مع روسيا، ولكن روسيا عجزت عن تحقيق نتائج في هذا الأمر مما جعل الروس أمام واقع عدم القدرة عن الاستغناء عن الدور الإيراني.

ثانيا: كيف يتم تمويل وإدارة المليشيات الإيرانية؟

كان هذا الامر غير واضح قبل 2013 وأغلبه محصور بحزب الله، وخاصة أن الحزب كوّن دورة اقتصادية خاصة به، كما أن طبيعية التجنيد التي قامت به إيران سهل عليها في الفترة الأولى التخفيف من حجم التكاليف؛ فطريقة تجنيد إيران للعناصر في المليشيات ليست معقدة وليست سهلة في نفس الوقت، فهي تتم  عبر ما يسمى “الجهاد الشريف” أي؛ الاعتماد على التحريض العقائدي لتجنيد مقاتلين مؤمنين عقائديا بقتالهم فلا يصبح لدى هؤلاء العامل المالي ذو أهمية كبيرة، لذلك تركز التمويل في هذه المرحلة على تمويل اللوجستيات و الرواتب كانت رمزية والمصروفات كان غالبيتها  على السلاح، وقد استفادت إيران من علاقتها بالحشد الشيعي العراقي لتدريب ميليشياتها في سورية وتزويدهم بالسلاح، ولكن بعد أن انتقلت إيران لتجنيد المليشيات المحلية وجدت نفسها بحاجة للرواتب  بشكل أكبر، وقد عملت إيران على توفير جملة من المحفزات المالية والاغاثية والحماية كتوليفة تتضمن ولاء هذه المليشيات، فحتى عندما كانت إيران غير قادرة على دفع الرواتب وخاصة بعد عودة العقوبات على إيران فإنها كانت تهدد أي حركة رافضة للوضع الحالي برفع الحماية عن هذه الجماعة مما يجعلها ترضخ للإرادة الإيرانية.

كما عملت إيران على رعاية إنشاء دورات اقتصادية تمويلية ذاتية للمليشيات بما يسهل عملية تمويل هذه المليشيات، فمثلا: تم السماح للواء الباقر في دير الزور بالتحكم بحركة العبور مع مناطق قسد بما سهل لها فرض أتاوات والاستفادة من عمليات التهريب بين المناطق، كما استفادت إيران من موضوع المنظمات المحلية لتأمين النقل اللوجستي ولتمويل المقاتلين المحليين، ويمكن الاستدلال على أن إيران تجاوزت مشكلة التمويل من خلال محافظتها على مستوى انتشارها في الجغرافية السورية.

ثالثا: كيف ساهمت المليشيات في دعم النظام بعد عام 2011؟ وكيف تأثرت بالهجمات الإسرائيلية؟

انعكس وجود المليشيات كعامل مساعد على بقاء النظام والحفاظ على السيطرة الإقليمية بانتظار تغيير المعادلات، ومنذ عام 2016 بدأت إسرائيل بالاستهداف لمواقع المليشيات الإيرانية، ولكن يمكن تسجيل ملاحظة، تكرر الاستهداف لنفس المواقع مثل مطار T4   ومركز البحوث العلمية، الضربات دائما تسبب أذى لحظي وليس أذى على المستوى الاستراتيجي حيث تحصر المقاربة الإسرائيلية بعملية منع إيران من نقل مقدرات عسكرية قادرة على تغيير كبير في موازين القوى العسكرية. لذلك، في المجمل تُعنى إسرائيل باستهداف شحنات السلاح، أكثر من استهداف الوجود الإيراني بشكل كامل.  وعليه فرغم أن إيران مازالت تتلقى الضربات الإسرائيلية، إلا أنها لم تشعر بأنه تحت ضغط يجبرها على إحداث تغيرات استراتيجية.

رابعا: قدرة المليشيات على التغلغل في المجتمعات المحلية.

لعب العامل الجغرافي دورا محوريا في تحديد استراتيجية التموضع الإيراني، حيث ارتبط التدخل الإيراني بداية بالتواجد في الاحياء الشيعية الموجودة داخل وبمحيط دمشق، وقد تجلى دور المليشيات في هذه الفترة  بالدور الأمني والعسكري ،ولكن هذا اختلف بعد التغلغل في حلب وريفها حيث بدأ يظهر دورا خدميا للمليشيات بهدف  تعزيز التقرب للمجتمع، والمثال الأبرز في هذا المجال هي دير الزور ولعل الدمار الذي لحق بمنطقة دير الزور نتيجة الحرب مع داعش والتي أدت إلى إفقار المجتمع المحلي بشكل كبير، وهو ما  استغلته ايران كمدخل  للولوج في المجتمع، ولكن هذا لا يعني قبولا دائما  من المجتمع ولكنه تحول إلى نوع من القبول المصلحي.

ورغم أن الكثير من المراقبين يركزون على موضوع التشييع باعتباره أداة رئيسية تستخدمها إيران في تحويل المجتمعات المحلية إلى مجتمعات مؤيدة لإيران، ولكن يظهر أن هذه الاداة ما زالت محدودة القدرة فلم تشهد مناطق سيطرة إيران انتشارا واسعا للتشيع، ولكن هذا لا يلغي أن إيران باتت تستخدم أداة ثقافية لا تقل خطورة، وهي محاولة ربط المجتمع المحلي ثقافيا بإيران من خلال انتشار المراكز الثقافية والتي تقوم بأنشطة في هذا المجال  مثل تنظيم مسرحيات باللغة الفارسية وتقديم مكافآت  مالية للجيل الجديد مقابل تعلم اللغة الفارسية، وهي اللغة التي قد تشكل حافزا للعديد من الشباب كعنصر يساعدهم في العمل المستقبلي في المنظمات الإيرانية العاملة في المنطقة والتي تقدم رواتب تعتبر مغرية .

خامسا المستقبل المتوقع للمليشيات الإيرانية

للأسف لا يمكن القول بأن  الوجود والنفوذ سيختفي، فقد استطاعت بناء مجموعة من المليشيات الإيرانية  القادرة على التكيف بشكل كبير ،هذه المليشيات التي تعمل على حماية الدور الإيراني كما أن تجربة إيران في كل من العراق ولبنان تنبئ بقدرة إيران على تحويل قسم من المجتمع المضيف إلى مجموعة حليفة لإيران وتدار من قبلها ، وحتى لو قامت بعض الدول بالسعي لإخراج ايران من سورية فإن إيران استطاعت التغلغل في أجهزة الأمن والجيش  ومجلس الشعب والمنافذ الحدودية والشركات الاقتصادية،  بالإضافة لشركات الأمن الخاصة وهو ما يجعل إخراجها أمرا أكثر صعوبة، ولكنه ليس بالمستحيل، ولكن صعوبته تزداد كلما زادت المساحة الزمانية التي تعمل بها إيران في هذا السياق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى