مقالات

إدلب على رمال متحركة

تحتدم المعارك في منطقة خفض التصعيد الأخيرة (إدلب) خلال الأشهر الماضية، والتي غلب عليها رجحان كفة قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين متجسدة بزيادة الرقعة الجغرافية التي تم السيطرة عليها، وخاصة السيطرة على الطريق الدولي   “M 5″وما رافق ذلك من سيطرة على مدن رئيسية. مثل: خان شيخون و معرة النعمان وسراقب وريف حلب الغربي، ويفسر هذا التقدم بالأساس على أنه نتيجة اختلال ميزان القوة العسكري بين الأطراف لصالح النظام وحلفائه، وخاصة مع قدرة روسيا على تأمين غطاء جوي كثيف وعنيف جدا للقوات البرية المقتحمة على الأرض ، هذا الأمر دفع بتركيا للعمل على تعديل هذا الرجحان من خلال الزج بقوات عسكرية ضخمة في إدلب ، وهو ما ساهم في إيقاف حالة التراجع التي كانت تعاني منها قوات المعارضة المسلحة ، كما أطلقت تركيا عملية عسكرية باسم “درع الربيع” بهدف أساسي وهو إعادة النظام إلى خارج حدود اتفاقية سوتشي، وقد استطاعت تركيا توجيه ضربات مؤلمة للنظام  عسكريا من خلال قتل مئات العناصر وتدمير عشرات الأليات وتدمير عدة طائرات، وهو ما انعكس ارتفاعا في معنويات قوات المعارضة المسلحة، ونجاح في إعادة تحرير العديد من المناطق التي تقدم إليها النظام سواء في جبل الزاوية أو سراقب وما حولها. ولكن، البارحة استطاع النظام إعادة السيطرة على سراقب التي تعتبر عقدة أساسية للطريقين الدوليين إم 4 وإم 5 ، وطبعا، السؤال الذي يطرح نفسه: ماهي الأسباب التي أدت إلى هذا السقوط؟

من الطبيعي جدا إدراك أن سلاح الجو في وقتنا الراهن يعتبر عاملا حاسما في المعارك العسكرية، والخسائر التي تكبدها النظام خلال الأيام الماضية كانت نتيجة أساسية لنجاح تركيا في توجيه ضربات مركزة له عبر سلاح الطائرات المسيرة “بيرقدار”، وأن تقدم النظام إلى سراقب كان نتيجة تأمين الروس غطاء جوي كبير لقواته، وبالتالي، أصبح التنافس على الأجواء هو الذي يحدد بشكل كبير مسارات السيطرة على الأرض، وخاصة مع إظهار كل من تركيا وروسيا جدية واضحة في دعم كل منهما لحليفه على الأرض، وفي ظل هذا التنافس على شغل الأجواء في إدلب؛ ستكون أرض المعركة أقرب للرمال المتحركة، حيث تتمايل كثبانها بمقدار ما يحشد كل طرف من طائرات في الأجواء.

وفي ظل هذا الواقع ستعود تركيا لتعيش مشكلة العمل في الأجواء لتأمين قواتها على الأرض، أو لشن هجمات جديدة ضد النظام، وتركيا تسعى جاهدة لحصر معركتها بشكل واضح ضد النظام، حيث قامت تركيا بإسقاط ثلاثة طائرات للنظام خلال الأيام الماضية، كما زودت قوات المعارضة المسلحة بصواريخ محمولة على الكتف قادرة على إسقاط مروحيات النظام وتهديد طيرانه الحربي، ولكن تركيا غير راغبة حتى هذه اللحظة بتقييد سلاح الجو الروسي لإدراكها لخطورة هذه الخطوة في ظل غياب وجود دعم غربي حقيقي، لأن هذا الأمر قد يدخلها في احتمالية تصادم عسكري مع روسيا هي لا تريده.

إذا يمكن القول: إن بوتين يريد الوصول إلى لقاء يوم الخميس القادم مع أردوغان وفي يده أوراق قوة كبيرة وهي:

  1. ضمان السيطرة على الطريق “M 5″وهو ما يمكن فهمه من خلال الإصرار الروسي مع النظام للسيطرة على سراقب رغم تكبدهم خسائر كبيرة في سبيل ذلك.
  2. إبقاء عقدة حرية العمل في الأجواء لتركيا في إدلب والتي تحد من الخيارات التركية.
  3. إبقاء الضغط المتولد عن الحصار الذي تفرضه قوات النظام على نقاط المراقبة التركية.

وعلى الضفة المقابلة، فإن أردوغان يسعى للوصول إلى القمة وفي يده أوراق قوة مقابلة تتمثل بما يلي:

إذا، ستفرض نقاط القوة التركية والروسية نفسها على رمال إدلب وريثما نصل إلى القمة المقبلة سيسعى كلا الطرفين لمراكمة نقاط قوة إضافية تساعدهما في مفاوضتهما المقبلة، والتي يبدو واضحا أن طرفاها لا يقبلان طروح بعضهما بالمطلق، فلا تركيا تقبل بالطرح الروسي القائم على تطبيق اتفاقية اضنة بشرط حدود 5 كيلو متر، ولا روسيا تقبل بالطرح التركي بإخراج النظام خارج حدود سوتشي، وفي نفس الوقت فكلا الطرفين لا يريدان الدخول في صدام مباشر بهدف فرض رؤية أحدهما على الآخر، إذا سنكون في القمة القادمة أمام أحد السيناريوهين: إما التوافق بين الطرفين، ويعني التوافق هنا الوصول الى صيغة معدلة من كلا  الطرحين الروسي والتركي معا وهو الأرجح، خاصة لأن الأتراك طرحوا فكرة القبول بمنطقة أمنة بعمق من  “30”إلى “35” كيلو متر للخروج من عنق الزجاجة بموضوع التطبيق الكامل لسوتشي،  أو عدم الاتفاق، والذي يعني استمرار ارتفاع حدة المعارك وفتح المجال أمام سيناريوهات تصعيدية جديدة، وهو أمر وارد إذا شعر أحد من الطرفين أن التوافق سيعني خسائر أكبر له من الاستمرار في الوضع الحالي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى