قراءة في القمة الرباعية المنتظرة , تجدونها في الرابط التالي :
يختلف المراقبون والمحللون في تحديد ماهية الأهداف الروسية من الحملة العسكرية التي يخوضها النظام في إدلب وبغطاء جوي روسي كامل، ومن أجل ألا نتهم بالبعد عن العلمية والمنطق، سنقول إن الهدف الأكثر وزنا _ وليس الهدف الوحيد _ بالنسبة لروسيا من التصعيد الأخير في إدلب هو خلق أزمة إنسانية تهدد من خلالها الدول الأوربية الرافضة للانخراط في الأزمة السورية من الباب الذي اختارته موسكو: باب المساهمة في إعادة الإعمار. فالمعادلة الروسية المطروحة: إما عودة اللاجئين بصحبة أموال الإعمار، وإما موجات أخرى من اللاجئين. وأغلب الظن أن هذه المعادلة لا تروق كثيرا للنظام السوري الذي يتخوف من أن تساوم روسيا على رأسه من خلال المفاوضات التي قد تحدث حول القضية.
إن اعتبار الهدف الرئيسي لروسيا من الحملة الأخيرة على إدلب هو لي ذراع دول الاتحاد الأوربي عن طريق تهديدها بموجات هائلة من المهجرين ليس ضربا من الخيال وإن كانت أغلب التحليلات تذهب باتجاه آخر، فمثل هذا الاعتقاد يمكن تلمسه لدى الأطراف المعنية أيضا، فبالأمس ومن خلال كلمتها في مجلس الأمن في الجلسة المخصصة لمناقشة الأزمة في إدلب، ذكرت مندوبة بريطانيا أن بلادها دفعت الكثير في سوريا وعلى موسكو أن تعيد إعمار ما تقوم بتدميره. وقبل ذلك بفترة وجيزة ذكر الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” أن بوتين يحاول ابتزاز العالم من خلال قضية اللاجئين، ويمكن تلمس ذلك أيضا في التعنت الروسي الشديد والتصلب في المواقف من خلال جولات التفاوض التي حصلت بين الجانبين التركي والروسي لدرجة بدت معها الأمور وكأن العلاقات بين البلدين ذاهبة إلى القطيعة رغم الحجم الكبير للمصالح المشتركة بينهما؛ لكن القبول الروسي بالوساطة الألمانية الفرنسية المشتركة والاتفاق على عقد قمة رباعية في إسطنبول تجمع رؤساء كل من تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا في الخامس من آذار المقبل توحي بأن روسيا كانت تنتظر ما يشبه هذه الوساطة.
مبدئيا، بعد أن قررت القمة الرباعية وحدد موعدها؛ يمكن القول إن روسيا حققت جزءا مما تصبو إليه بانتظار ما سوف يتمخض عنه ذلك اللقاء أو تلك القمة، ويمكن القول إن الموعد النهائي (نهاية شباط الجاري) الذي حدده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كمهلة نهائية للقوات السورية للانسحاب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية قد أصبح في مهب الريح، أو أنه أصبح مؤجلا إلى ما بعد لقاء القمة كحد أدنى. فهل تنجح القمة الرباعية المنتظرة بنزع فتيل الأزمة رغم تعقد المشهد وتضارب المصالح وغياب أهم اللاعبين الدوليين “أمريكا “؟
يعتقد بعض المراقبين أن الدول الأوربية ومعها الكثير من القوى الإقليمية بدأت تشعر بالضعف والإرهاق وهي تتابع الأزمة في سوريا ونتائجها التي أصبحت تلقي بظلالها بشكل متصاعد على تلك البلدان، وأن هذه القوى أصبحت مستعدة لتقديم التنازلات في سبيل إنهاء هذه الأزمة، إلا أن الفيتو الأمريكي هو الذي يقف حائلا بين هذه الدول وبين الانصياع للرغبات الروسية،وهذه قضية حساسة تستحق الوقوف عندها مطولا، فالولايات المتحدة من جهة تمارس الضغوط على حلفائها من أجل عدم التطبيع مع النظام السوري وتهددهم بالعقوبات، ومن جهة أخرى لا تقوم بأي خطوات فعالة من شأنها أن تردع روسيا في موقف يشوبه الكثير من الغموض.
وأمام هذه الحالة كيف تستطيع الدول الأوربية أن تتصرف وهي المهددة بشكل مباشر من تفاقم أزمة اللجوء، وهي التي تحمل إرثا تاريخيا سمته الخوف من روسيا؟ فالمخاوف الأوربية ليست محصورة في أزمة اللجوء فقط؛ بل تتعداها إلى التخوف من الخطوات التالية التي قد يلجأ إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما لو نجح في مغامرته السورية، فالرئيس الروسي الذي يدعو إلى إرساء نظام دولي متعدد الأقطاب تكون فيه روسيا أحد أهم أقطابه لن يتوانى عن غزو أوكرانيا في حال لم تتخذ الخطوات الكفيلة بعرقلة انطلاقته العنيفة.
إذن، ستكون الولايات المتحدة في هذه القمة هي اللاعب الحاضر الغائب، فهل يمكن لكل من ألمانيا وفرنسا أن تتجرأا على التمرد على الإملاءات الأمريكية والسير في طريق تقديم التنازلات لروسيا؟ وهل ستنجح روسيا بدفع ألمانيا وفرنسا إلى التموضع بالقرب منها بما يشبه التموضع التركي الذي نتج عن موقف شبيه من قبل الولايات المتحدة. أي، موقف عدم المبالاة، فالدول الأوربية لوحدها غير قادرة على لجم روسيا، وإن لم تلجأ الولايات المتحدة إلى تغيير جذري في طريقة تعاطيها مع الأزمة السورية سنجد دول الاتحاد الأوربي _ إن لم يكن الآن ففي المستقبل القريب _ تنشد بيت شعر لأبي الطيب المتنبي الذي سبق لتركيا أن أنشدته:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد
ليست القمة الرباعية مجرد لقاء عابر من أجل حل مشكلة بسيطة أو للفصل في سوء تفاهم، فالقضية بالنسبة لروسيا أكبر من إدلب وأبعد منها بكثير، وكذلك هي بالنسبة لتركيا أبعد من أن تكون مسألة حدود، فهي قضية أمن قومي بكل ما تعني الكلمة من معنى. أما بالنسبة للوسطاء فالتصعيد يستهدفهم بالدرجة الأولى، وهم أقل وزنا من الجهة القادرة على الربط والحل. وعليه، فالقمة الرباعية ليست أكثر من خطوة أولى لحل أزمة دولية وصلت إلى مراحل متقدمة من التعقيد والتصعيد.