تجربة الدورية الروسية التركية الاولى
اليوم وبعد مرور أكثر من عشرة أيام على قمة موسكو يمكن القول: إن الأمور أصبحت أكثر وضوحا، فمن خلال اللقاء المطول الذي استمر لأكثر من ست ساعات لم يتمكن الطرفان التركي والروسي من الاتفاق على كل شيء، إنما تم التوصل إلى تفاهم حول بعض النقاط الرئيسية يمكن البناء عليها مستقبلا من خلال لقاءات تجريها بعض اللجان المختصة، والتي أنتجت التوقيع من قبل هذه اللجان على تنفيذ الاتفاق كما صرح وزير الدفاع التركي، ورغم تعقيدات المسألة كنا سابقا قد توقعنا -وخلافا للأغلبية -أن يستمر هذا الاتفاق، وأن يتم البناء عليه معتمدين في هذا التنبؤ على عدة مؤشرات منها:
أولا – لجوء الطرفين إلى جعل الاتفاق مكتوبا بعد أن كان أشبه بتفاهم غير مدون.
ثانيا – السعي لاستصدار بيان أممي داعم لهذا الاتفاق، رغم أن هذا الأمر لم يتم.
ثالثا – إحساس الطرفين بأن هناك جهات أخرى تنتظر تفسخ العلاقات بينهما.
رابعا – وهو الأهم، إن خيار الوصول إلى اتفاق أصبح هو البديل الوحيد عن خيار الصدام المباشر بعد إطلاق تركيا لعملية “درع الربيع”.
في التفاصيل التي أعقبت القمة التزم الطرفان بوقف إطلاق النار في موعده المحدد، وبعد سلسلة من اللقاءات بين لجان عسكرية ممثلة للجانبين التركي والروسي جرت في أنقرة حسب ما هو مخطط له جاء موعد تسيير الدوريات المشتركة على الطريق (m4)، بتاريخ 15 أذار. وبالفعل، ففي صبيحة الخامس عشر من آذار تناقلت المحطات الإعلامية خبر البدء بتسيير هذه الدوريات، وسرعان ما جاءت الأخبار اللاحقة أن الدورية التي انطلقت في يومها الأول اختصرت المسافة بسبب وجود بعض المعتصمين على الطريق المذكور الرافضين لعبور الدوريات الروسية، وهو ما دعا موسكو إلى الاحتجاج معلنة منح تركيا مهلة إضافية لتأمين الطريق.
يمكن القول إن السياق العام الحاكم اليوم للاتفاق هو سعي كل من تركيا وروسيا لعدم تدمير الاتفاق الموقع، ولإدراك لماذا تم اختصار مسار الدوريات لا بد من سرد السيناريوهات المحتملة للدوريات صبيحة يوم الخامس عشر من اذار وتبعات كل سيناريو:
أولا- قيام روسيا بإلغاء المهمة متذرعة بعجر تركيا عن الالتزام بتعهداتها.
ثانيا- تسيير الدورية كما هو مقرر لها والاصطدام مع المعتصمين الذي قد يشكل خطرا على الجنود الروس وهو ما يعتبر حجة دامغة عن عجز تركيا بالوفاء بالتزاماتها.
ثالثا- تسيير الدورية للبرهان أن الاتفاق يسير كما هو مخطط له، ومن ثم اختصار المسافة المقررة لتجنب بعض المشاكل التي قد تحدث وتتسبب تداعياتها في انهار ما اتفق عليه. وهو ما حصل بالفعل.
وعليه، فإن لجوء الطرفين إلى الخيار الثالث يعتبر مؤشر إضافي على أن تركيا وروسيا جادتان في محاولة السير قدما في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بينهما، كما يعتقد أن التهديدات الروسية التي أعقبت حادث قطع الطريق وإعلانها منح مهلة أخرى لتركيا من أجل تأمين الطريق ليست أكثر من محاولة للضغط على تركيا من أجل الإسراع في تنفيذ المطلوب منها، أو ربما دعما لتركيا في موقفها في مواجهة المعترضين. وعليه، فكل المؤشرات حتى الآن تقول إن الطرفين يبديان الكثير من الجدية في محاولتهما إنجاح اتفاق سوتشي وما تم الاتفاق عليه في قمة موسكو.
إن وجود بعض القوى المعارضة لهذا الاتفاق والتي تتمنى انهياره والتي يأتي في مقدمتها النظامان السوري والإيراني، بالإضافة إلى بعض القوى الموجودة في إدلب، لا يعني أن الاتفاق سوف ينهار، فهذه القوى لا يمكنها أن تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل الاتفاق ما دامت القوى الأكبر راغبة في إنجازه.