قراءة في حدث

مجزرة الدويلة …. رسالة أعمق مما يعتقد البعض

قامت الطائرات الحربية الروسية يوم الاثنين 26-10-2020 بتنفيذ ضربات عسكرية في عمق المناطق المحررة وعلى المقربة من الشريط الحدودي التركي قرب مدينة سلقين وبالتحديد في جبل الدويلة، وقد أتت هذه الهجمات خارج السياق المعتاد للفعل الروسي خلال الفترة الماضية، ومما زاد من غرابة الأمر أكثر هو أن الضربات  استهدفت معسكراً لفيلق الشام ذهب ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح معظمهم من المتدربين الذين كان يُفترض أن يتم تخريجهم خلال أيام، ومن المعلوم أن فيلق الشام مصنف من فصائل المعارضة المعتدلة التي وقّعت على اتفاق وقف إطلاق النار في أستانة حسب وزارة الدفاع الروسية نفسها التي قامت بقصف فيلق الشام. كما أن فيلق الشام يعتبر من الفصائل المقربة من تركيا. وعليه، فهذه الضرية العسكرية التي أدت إلى مجزرة بحق أفراد فيلق الشام تتعدى الفيلق بحد ذاته ليكون لها أبعاد أعمق لابد من التوقف عندها.

فروسيا لم تحاول التنصل من الضربات فقد نشرت وكالة “ANAA”  الروسية صورًا جوية للضربة العسكرية تظهر تجمع عناصر فيلق الشام  في المعسكر، ثم استهدافهم، وبالتالي، الروس حاولوا بذلك إرسال رسالة واضحة أنهم يدركون ماهية الهدف، ويريدون إظهار تقصدهم بتوجيه هذه الضربة وفي هذا ما ينفي بشكل قاطع احتمالية أن يكون قد مُرر للروس معلومات مغلوطة عن طبيعة هذا المعسكر.  ومن جهة أخرى، الضربة أتت في سياق هدوء عسكري عام في المنطقة بعد الاتفاق التركي الروسي الموقع في 5 اذار 2020،وبالتالي، لا يمكن فهم سياق التصعيد في إطار الصراع داخل القضية السورية فقط، بل الأمر يتعدى ذلك، فالمراقب للتطورات السورية وباقي الملفات الإقليمية يلحظ بأن التوتر والعض على الأصابع هو الطاغي على هذه العلاقات، ومرد هذا التوتر أساسا: زيادة الشعور الروسي بمحدودية الإنجازات الفعلية في المنطقة؛ ففي سورية وصلت روسيا، تقريبا، لحائط مسدود، خاصة، بعد التواجد العسكري المباشر الأمريكي والتركي في سورية. وبالتالي، لم تستطع استثمار انتصاراتها العسكرية في دعم النظام انتصارا سياسيا، فروسيا كانت تمني النفس بحسم الصراع عسكريا لتكون المتحكم الفعلي في دولة شرق أوسطية، والمتحكم في ملف إعادة الإعمار، ولكنها بعد 5 سنوات من التدخل العسكري باتت مسيطرة على الجزء المنبوذ عالميا، والذي يعاني من مشاكل اقتصادية بنيوية جعلته عبئا على روسيا أكثر منه جائزة. وإذا ما انتقلنا إلى ليبيا نرى أيضا أن روسيا بنت تفاهما مع حفتر لجهة حسم الملف الليبي، ولكن أيضا، التدخل العسكري التركي المباشر في اللحظات الأخيرة فوت الأمر على روسيا، وحتى الجبهة الثالثة وهي جبهة أذربيجان ففي هذه المرة لم تكتف تركيا أن تقوم بردة الفعل كما حصل في كل من سورية وليبيا، بل هي التي بادرت هذه المرة وأمسكت عجلة القيادة، وإذا ما كان الوضع  في ليبيا وسورية قد فرض نفسه ومعادلته بشكل مسبق بما قد يدفع البعض للمحاججة بعدم قدرة هذه الملفات على تفسير الضربة بشكل واضح، ولكن التطورات في إقليم “ناغورنوا كاراباخ” قد تدعم هذا التحليل بشكل حاسم حيث أن التطورات العسكرية خلال الفترة الماضية القريبة باتت تميل بشكل واضح لجهة أذربيجان مقابل أرمينا، وتدرك روسيا بأن تركيا هي التي غيرت المعادلة العسكرية بين الدولتين، وبالتالي فروسيا تدرك بأن حسم نتائج نشاطها في المنطقة يصدم دائما بالدور التركي، لذلك سعت روسيا لتوجيه هذه الضربة، وهي ضربة لا تشمل فيلق الشام فقط، بل تركيا أساسا، ويمكن القول إن الجانب المأزوم هو الذي يحاول الخروج عن النطاق المعتاد، وبالتالي روسيا تشعر وكأنها مأزومة في الفترة الحالية. ولكن يبقى السؤال: لماذا لم يكن الرد في ليبيا أو أذربيجان؟

 للأسف، يمكن القول إن قدرة الحركة الروسية في سورية في ظل الغطاء الذي يقدمه النظام للروسي في سورية، كما أن النظام السوري يدرك حساسية ملف شمال سورية بالنسبة لتركيا، لذلك تحاول لي الذراع التركي في أكثر المناطق حساسية لتركيا، فضيق المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة والتواجد العسكري الروسي المباشر وغياب التفاهم الكامل مع أمريكا حول سورية جعل تركيا في سورية محصورة أكثر مقابل حرية الحركة في أذربيجان وليبيا. وبالتالي فهذه الضربة هي رسالة واضحة من الروس لتركيا بقدرة روسيا على تنفيذ الضغط العالي على تركيا في مناطق تمس الأمن القومي التركي، وهو ما يجب أن يفرض نفسه على صانع القرار التركي للتفكير مليا في سبل التحرر من هذا الواقع، ولعل زيادة قدرات الردع لدى فصائل المعارضة، والعمل على تصحيح وضع العلاقات التركية الامريكية، وإيجاد تفاهم بين المناطق الخارجة عن سيطرة النظام قد يكون المدخل الأكثر فاعلية لمواجهة الغطرسة الروسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى