مقالات

النظام السوري: كورونا كشف المستور!

الخوف، والدعاية، والشائعة، والبروباغندا الإعلامية، تلك هي الخلطة السحرية التي استطاع من خلالها النظام السوري إقناع معظم السوريين على أنه قادر كل شيء. وهذه القناعة هي التي جعلت قسما كبيرا من السوريين يصطفون إلى جانب النظام منذ الأيام الأولى للثورة على اعتبار أنه نظام يستحيل أن يهزم. وعليه، فالقفز إلى قاطرة المنتصر منجاة.

مع الأسف الشديد معظم السوريين ينسب للنظام مقدرات خارقة وإن كان بطريقة غير مباشرة. فمثلا، ينتظر المؤيدون أن يجهز النظام على الثورة لكي يعيد سوريا أفضل مما كانت، بدل أن يتخوفوا من بقائه الذي سوف يعني استمرار العزل السياسي، واستمرار العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه أثناء الثورة، واستمرار العيش في بلد بنيته التحتية مدمرة. ففي بلد مثل سوريا كان يعاني من الفقر أيام الرخاء، وهو متأخر عن جواره الإقليمي على كافة المستويات، ويعتمد على المنح والمساعدات الخارجية لكي يبني سدا هنا، ومحطة كهرباء هناك، يتوقع أن تحل به المجاعة والفقر المدقع فيما لو استمر هذا النظام في الحكم، إلا أن المؤيدين لا يخشون ذلك؛ لأنهم يؤمنون أن هذا النظام قادر على تخطي كل هذه العقبات، فهو إذن، قادر على كل شيء.

ونتيجة لشدة مقاومته وعناده، ونتيجة لشدة اليأس والإحباط والشعور بالخذلان؛ ازدادت الشريحة المؤمنة بالقدرات الخارقة للنظام السوري لتشمل قسما كبيرا من الشارع الثوري، ونستطيع أن نتلمس آثار ذلك من خلال التعليقات التي ترد على أي كلام أو قول أو حديث يشير إلى ضعف النظام السوري، أو المخاطر التي تنتظره، كأن يعلق شخص مثلا: العقوبات الاقتصادية لن تؤثر عليه، أو لن يستطيع أحد منعه من السيطرة على إدلب، أو هذا النظام غير مكترث بأحد ولا يهمه شيء، وهكذا. إذن، فمقولة القادر على كل شيء كان لها القول الفصل منذ اليوم الأول للثورة، واستمرت حتى اليوم، وأخذت تتمدد، فهل لفيروس كورونا رأي آخر؟

 ليس الحديث عن فيروس كورونا من قبيل الشماتة، فهذه ليست من حق أحد، وهي (الشماتة) لا تليق بإنسان سوي، إنما هي محاولة لزعزعة إيمان المؤمنين بأن النظام السوري قادر على كل شيء، فعلامات التعب والإرهاق على هذا النظام أصبحت واضحة للعيان، وهي مؤشر على قرب الانهيار، وأزمة كورونا وكيفية تعاطي النظام السوري معها ليست أول المؤشرات أو علامات الضعف، وإنما هي أزمة مستجدة تراكمت على ما قبلها من أزمات كأزمة الغاز، وأزمة المحروقات، وأزمة المواد الغذائية، وأزمة التضخم وغيرها من أزمات، إلا أنها على ما يبدو كشفت المستور، فهذا وسيم الأسد ابن عم رأس النظام السوري يدعو المواطنين من خلال تسجيل مصور نشره على صفحته في فيس بوك إلى التزام منازلهم وعدم الخروج؛ لأن النظام لن يستطيع السيطرة على كورونا إذا انتشر في سوريا بسبب عجزه الاقتصادي كما ذكر، وأضاف أن الاقتصاد لا يكفي إلا لجيش النظام والموظفين وبعض المشاريع. وهذا وزير خارجية إيران جواد ظريف يعلن أن إيران لا تمتلك الموارد الكافية لمحاربة

فيروس كورونا بسبب العقوبات الأمريكية، وإيران هي البلد الرئيسي الذي يعول عليه النظام السوري لتجاوز أزماته.

وباء كورونا الذي وصفه مدير منظمة الصحة العالمية، “تيدرسون أدنوهام” بأنه أسوأ أزمة صحية تواجه العالم، والذي جعل العالم في حالة تأهب قصوى لمواجهته، اكتفى النظام السوري بالإعلان عن خلو البلاد من أية إصابة بفيروس كورونا مبقيا حدوده مفتوحة مع دول الجوار التي مازالت تتعامل معه، وبالرغم من اعتبار إيران بؤرة الوباء في الشرق الأوسط لم يتخذ النظام أي إجراء لوقف الرحلات المستمرة بين البلدين، وهو ما دعا “عبد النصير أبو بكر” رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأمراض المعدية إلى القول: إن المنظمة قلقة إزاء الوضع في سوريا واليمن، موضحا أن عدم تسجيل سلطات البلدين أي إصابات بفيروس كورونا المستجد حتى الآن ربما لا يكمن في عدم انتقال المرض إليهما، بل في ضعف نظام الرعاية والرقابة الصحية، وأضاف “عبد النصير”: عاجلا أم آجلا، قد نتوقع انفجارا في أعداد حالات الإصابة هناك، مشيرا إلى أن غالبية حالات الإصابة بفيروس كورونا مرتبطة بالسفر إلى إيران.

لم يكن تصريح السيد “عبد النصير” وحده المهين والمستخف بالنظام السوري، بل سبقته الحكومة اللبنانية التي أغلقت الحدود مع سوريا على الرغم من إعلان النظام السوري خلو البلاد من الإصابات بفيروس كورونا، واعتراف الحكومة اللبنانية بوجود بعض الإصابات في لبنان. أي، كانت خطوة بالاتجاه المعاكس تنم عن عدم ثقة بما يقوله النظام السوري. كما سبق تصريح السيد عبد النصير حملة من السخرية أطلقها السوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعقيبا على الإجراءات التي أعلن عنها النظام السوري لمواجهة وباء كورونا. كل هذا وغيره يشير بشكل واضح إلى أن النظام السوري وصل إلى مرحلة العجز التام، فهو وإن كان يستخف بحياة المواطنين، إلا أنه لا يحب أن يظهر بمظهر الضعيف العاجز، فتلك الصورة تتعارض مع مقولة “القادر على كل شيء” التي يستمد منها شريان الحياة.

مؤخرا، وأمام هذا الكم من الإهانات والتشكيك بمعلوماته؛ تواضع النظام السوري على لسان وزير الصحة ليعترف بعدم خلو البلاد من فيروس كورونا، إلا أنه ادعى أنها إصابة واحدة لفتاة قادمة من لبنان، وقد سجل السوريون الكثير من الملاحظات على تصريح وزير الصحة، وأهم هذه الملاحظات كثرة التناقضات في حديثه عندما تكلم عن تفاصيل وملابسات الإصابة، وهو ما يوحي بأن الأزمة تشكل إرباكا كبيرا للنظام السوري، وأنه أمام ضعف الموارد المتوفرة لم يتوصل حتى الآن إلى الصيغة المناسبة لمواجهة هذه الأزمة، فهل يكون فيروس كورونا القشة التي ستقصم ظهر البعير؟ أم أنه يكتفي في هذه المرحلة بإقناع بعض السوريين أن النظام السوري ” لم يعد قادرا على شيء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى