مقالات

حكم المستبد العادل

أمام فشل ثورات الربيع العربي: هل يشكل حكم المستبد العادل حلاً؟

يقول أرسطو: “إن الغاية النهائية للطاغية كي يحتفظ بعرشه هي تدمير روح المواطنين وجعلهم عاجزين عن فعل أي شيء إيجابي”. ويصف أفلاطون المستبد بقوله: “المستبد يستولي على السلطة بالقوة ويمارسها بالعنف. بعد ذلك يسعى أولاً إلى التخلص من أخطر خصومه، ويكثر من الوعود، ويبدأ بتقسيم الأراضي مما يجعله شعبياً ومحبوباً، وهو ما ينفك يفتعل حروباً ليظل الشعب بحاجة دائمة إلى قائد. وهذه الحروب تنهك كاهل المواطنين من خلال ما يدفعونه من ضرائب باهظة، فيضطرون إلى زيادة ساعات العمل مما لا يبقي لديهم وقتاً للتآمر على المستبد”. من هنا، يمكن القول إن ظاهرة الاستبداد قديمة قدم التاريخ، وهي الظاهرة التي ما زالت تتعرض للنقد حتى يومنا هذا، وهي الدافع الرئيسي خلف ثورات الشعوب التواقة نحو الحرية، بل ربما كل الثورات التي شهدها العالم ليست في النهاية سوى ثورات على الاستبداد، أو كما يقول هيجل: “تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعي بالحرية”. فالاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله هو شيء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية. لأنه يقف على طرف نقيض من حرية الإنسان ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم، بل إنه يشل طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان، ويرهن سعيه للمجهول، ويجعله أسيرا بيد الجهل والتخلف. وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يفقد هذا الإنسان حريته لأنه يفقد معها كل شيء جميل في الحياة، إنه يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم، وبالتالي يكون مصيره الموت المحتم أو العيش على هامش الحياة والوجود”.

رغم ذلك، أي، رغم ثورات الشعوب التواقة إلى الحرية، ليس من المؤكد أن تنتهي تلك الثورات إلى الهدف الذي خرجت من أجله، بل لعل الثورات التي نجحت في تحقيق مرادها معدودة على الأصابع، وعلى سبيل المثال: في التاريخ المعاصر لم تكن الثورات التي أتت بأنظمة شيوعية في معظم بقاع الأرض سوى نكبات على الشعوب التي فجرت تلك الثورات، وبتاريخ أقرب، مازال يتحرك أمام أعيننا، يمكن للمتابع أن ينظر إلى ما آلت إليه ثورات الربيع العربي في الأقطار العربية التي حدثت فيها تلك الثورات. فالشعوب التي عاشت ردحاً طويلاً من الزمن في ظل أنظمة الاستبداد لا تستطيع بسهولة أن تواجه مشاكلها التنموية. فالنظم الاستبدادية تقتل في شعوبها إرادة التفكير والتطوير والإبداع وتخلق مجتمعاً متأزماً. فأسير الاستبداد كما يقول الكواكبي “يعيش خاملاً فاسداً ضائع القصد، حائراً لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته”.

مع الزمن، تصبح للشعوب طريقة في التعامل والسلوك تتناسب وطبيعة نظام الحكم السائد، أو كما يقول مونتيسكيو: “عادات الشعب المستعبد جزء من عبوديته، وعادات الشعب الحر جزء من حريته”. ومقاومة التغيير أمر متأصل في الكائنات الحية منذ ملايين السنين مروراً بالنبات ثم الحيوان ووصولاً إلى الإنسان. قد يكون من الصعب تغيير عادات بنيت على مر السنين. لذلك، فمن الطبيعي أن تجد الشعوب التي ثارت على المستبد ما زالت تحافظ على نفس العادات التي اكتسبتها خلال حقبة الاستبداد، فمن الطريقة في التعبير عن الولاء، إلى الطريقة في التعبير عن الرفض، إلى الأسلوب في التجمع، إلى طرائق التعبير عن الرأي، إلى أسلوب التفكير، وإلى ما هنالك من عادات تميز الشعوب المستعبدة عن الشعوب الحرة. لهذا فإن جعْل المجتمع يتخذ خطوة للأمام من أجل التغيير قد تكون عملية صعبة لكنها غير مستحيلة. إلا أن الأعمال الصعبة قد لا يوجد من يتطوع لممارستها سوى أقلية لا تجد لأعمالها نتائج ملموسة، وهو ما يدفع بعض دعاة التغيير إلى الشعور باليأس والإحباط، ويجعل هؤلاء يتخلون عن مطالبهم بنظام ديمقراطي إلى المطالبة بحكم المستبد العادل على أساس أن إمكانية التغيير لا يمكن أن تحصل إلا من خلال سطوة السلطة والقانون الذي يطبق على الجميع بشكل متساو، وأن الزمن كفيل بتغيير تلك العادات في ظل تلك السطوة.

عند التخلي عن النظرة الطوباوية الحالمة والاقتراب من الواقع بنظرة أكثر عقلانية؛ يبدو أن هذا الطرح ملائم للحالة السورية، ولكن السؤال الملح الذي يبقى بحاجة لإجابة: ما هي الضمانة أن يرث المستبد العادل مستبد عادل آخر، وهو السؤال الذي يحتاج لإجابة محكمة تحتاج إلى مزيد من التفكير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى