تناقض أمريكي روسي.. قد يسرع الحل في سوريا
أثارت تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا “ألكسندر لافرنتييف” حول اللجنة الدستورية السورية، جدلاً واسعاً في الأوساط المعارضة، وخلفت مطالبات لوفد المعارضة بالإعلان عن موقف حاسم من المشاركة. وقد أتى تصريح “لافرنتييف” بعد أيام من مشاركته في أعمال الجولة الـ 17 من مؤتمر أستانا الذي أقيم في العاصمة “الكازاخية” “نور سلطان” بحضور وفدي المعارضة ونظام أسد، وممثلي الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران. وكان “لافرنتييف” قد اعتبر أن أي دستور سوري بجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في سوريا، مضيفاً أن “حكومة دمشق راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديله، وإذا رأت المعارضة ضرورة في ذلك يمكن النظر في المقترحات التي تهمها وطرحها على التصويت في استفتاء أو الموافقة عليه بأي صيغة أخرى”.
في الواقع، لم تخرج تصريحات “لافرنتيف” عن الموقف الروسي قيد أنملة، فالساسة الروس كانوا ومازالوا ينظرون إلى فكرة التخلي عن رأس النظام على أنها تعتبر بمثابة الهزيمة، فالروس متمسكون برأس النظام من أجل تكريس أطروحتهم أو عقيدتهم الفكرية الجديدة والتي تسمى “العقيدة النظامية” في مواجهة أيديولوجيا العولمة، والعقيدة الليبرالية التي يحاول الغرب تعميمها، وهم وجدوا في سوريا البوابة التي يجب العبور من خلالها لإقناع العالم أن روسيا عادت إلى الساحة الدولية بقوة. رغم ذلك، يمكن القول إن التصريحات التي أدلى بها “لافرنتييف” قد حُمِّلت أكثر مما تحتمل، حيث ذهب البعض إلى اعتبار هذه التصريحات بمثابة النسف للجنة الدستورية ونعوة للقرار الأممي 2254، ففي سياق الحديث نفسه رفض “لافرنتييف” تحميل النظام مسؤولية عدم تحقيق أي تقدم في عملية المفاوضات، قائلاً إنه “من الخطأ تحميل طرف واحد فقط المسؤولية، وهي تقع دائماً على عاتق الطرفين”. وفي هذا ما يدل على أن كلامه جاء في سياق دفاعه عن النظام السوري ودفع الاتهامات الموجهة له على أنه يتحمل وحده فشل أعمال اللجنة الدستورية.
من جهة أخرى، وبينما تشير تصريحات “لافرنتيف” بطريقة ما إلى ثبات الموقف الروسي تجاه النظام السوري، أكد المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، “جيمس جيفري” خلال لقاء أجرته معه صحيفة “الشرق الأوسط” أن روسيا غارقة في المستنقع السوري، وأن على إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” استثمار ذلك لإيجاد حل للصراع السوري، عبر فتح باب التفاوض معها. وأضاف “جيفري”، خلال لقاء أجرته معه صحيفة “الشرق الأوسط” أن الأدوات لا زالت قوية بيد بلاده للبدء بالتفاوض، وعلى رأسها الوجود العسكري للجيش الأمريكي في سوريا، والقصف الإسرائيلي المستمر على أهداف للإيرانيين، والوجود التركي في الشمال، و”قسد” في الشمال الشرقي، والعزلة، وإعادة الإعمار، والاستثمار، وقتال تنظيم الدولة، والدعم الأممي، والمساعدات الإنسانية. وأوضح المسؤول الأمريكي أن بلاده في موقف قوي للتفاوض مع الروس الغارقين في المستنقع السوري، إذ ليس بإمكان موسكو تغيير الواقع الذي وصلت إليه سوريا بمفردها. إلا أن المسؤول الأمريكي السابق تحدث عن موقف غير واضح من قبل الإدارة الأمريكية، ينم عن أحد أمرين، إما عدم الاهتمام بالقضية السورية، أو عن أمور لا تريد إدارة “بايدن” الإفصاح عنها.
صحيح أن معظم المراقبين يميلون إلى الاحتمال الأول. أي، عدم الاهتمام بالقضية السورية، إلا أن الاحتمال الثاني هو الأرجح رغم قلة المؤشرات التي تدعمه، فالإدارة الأمريكية الحالية لم تدلِ بأي تصريح واضح يمكن البناء عليه فيما يخص الملف السوري، باستثناء ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي في بداية الشهر العاشر من هذا العام عندما وافق على التمديد لحالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بسوريا، حيث قال وقتها: “تصرفات النظام السوري وسياساته تشكل تهديدا للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة، والنظام السوري يقوض الجهود الأمريكية والدولية لاستقرار وإعادة إعمار العراق”. ورغم أن هذا التصريح يعتبر متقدما بالقياس إلى رؤية إدارتي الرئيسين “أوباما” و”ترامب”، لم يتوقف أحد عنده لأنه جاء منفردا ووحيدا دونما رصد للموارد التي تدعمه. هذا وقد حصل ما يشبه ذلك إبان الانسحاب الأمريكي من “أفغانستان” عندما ذكر الرئيس الأمريكي إن ما يحصل في سوريا وشمال إفريقيا أهم من “أفغانستان. ومؤخرا، صادق الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” على مشروع قانون يستهدف رئيس النظام السوري وعائلته، والعائلات المرتبطة به، وذلك ضمن موازنة العام المقبل. ويتضمن القانون “1605” في بعض بنوده تقصي ثروة بشار الأسد وعائلته، ومصادر دخلهم.
يواصل الروس تعنتهم في موقفهم الداعم للنظام السوري معتمدين على بعض الإشارات التي أرسلتها الإدارة الأمريكية حول نيتها الانسحاب من العراق وسوريا، لكن هذا لن يحصل، خاصة وأن تواجد قواتها في سوريا كثير الفاعلية ضعيف التكلفة. لذلك، سيجد الروس أنفسهم في الفترة القادمة بعد أن يتيقنوا من أن الولايات المتحدة لديها ما تخفيه حيال الملف السوري، وأنها غير مستعجلة من أمرها في مقابل تخبطهم في المستنقع السوري؛ سيجدون أنفسهم مضطرين لإعادة حساباتهم. وقد يدفعهم هذا إلى ممارسة المزيد من الضغوط على القوات الأمريكية وحلفائها في سوريا لدفعهم إلى الانسحاب، ونتيجة الوضع الضاغط قد يلجأ الروس إلى سلوك يحمل نوعا من التهور والمجازفة. وهو ما سوف يعني في النهاية أنها المحاولة الأخيرة؛ فإما ينجح الروس بطرد الأمريكان ومن ثم الاستفراد بفرض الحل على طريقتهم، وإما يتلقون ردا عنيفا يعيدهم إلى جادة الصواب، وهو الأرجح.
لن تتجه القضية السورية نحو الحلحلة ما لم يصل التأزم ذروته بين الروس والأمريكان، ومتى يحصل هذا، لا أحد يعلم، لكن استمرار التناقض في السلوك والتصريحات يعد مؤشرا مهما لاقتراب الموعد.