مقالات

الأسد سعيد بانتخاباته

أطلق النظام البرنامج الزمني لانتخاب منصب رئاسة الجمهورية في سورية، وقد ترافق هذا الإعلان مع جملة من المواقف الدولية الرافضة لهذه الانتخابات، كما أنها ترافقت مع حملة سخرية واستهزاء من عموم السوريون المعارضين للنظام، ولكن هل الاستهزاء والاستهتار هو الرد الأمثل للتعامل مع الانتخابات الرئاسية القادمة التي يجريها النظام؟

في أكثر الأنظمة التسلطية يوجد نوع من الانتخابات الدورية، فهي حالة ضرورية تعتمدها هذه الأنظمة لإيجاد نوع من المداخل الشرعية الوهمية لشرعنة سلطتها والادعاء بأنها موجودة بحكم إرادة المواطنين، وليس نتيجة عناصر قهرية أخرى، وفي الحالة السورية لم تكن الانتخابات بهدف إيجاد نوع من الشرعية السياسية للأنظمة فقط، بل كان لها غاية إضافية وهي ترسيخ مركزية وفردانية القائد السياسي للوصول إلى حالة من التقديس السياسي وهي الحالة التي كانت سائدة خلال فترة حكم حافظ الأسد، وقد استمرت في فترة بشار الأسد، لذلك فالنظام اعتمد طريق  الاستفتاء كسبيل لشغل منصب الرئاسة، فآل الأسد كانوا مرشحين دون منافس وهو ما يتماشى مع فكرة التقديس، إذ ليس من المناسب أن يقترن اسم الرئيس صاحب المكانة المحلقة فوق الجميع باسم شخص آخر ممن هم من مرتبة الرعية، وهي المرتبة التي تشمل الجميع من دون استثناء.

ولكن، بعد عام 2011 اضطر النظام وتحت الضغوط التي احدثتها الثورة إلى تبني إصلاحات سياسة شكليه ومنها تعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة، مما أضطر النظام إلى تبني خيار الانتخاب لرئاسة الجمهورية من عدة مرشحين، وقد اعتمد النظام استراتيجية ألا توجد شخصيات أخرى تتساوى مع الأسد بصفة مرشح، فهذا يتعارض مع فكرة التقديس والعلو. لذلك، من أجل التخلص من هذه المعضلة كان لابد من أن يكون باقي المرشحين أمعات. كذلك، لابد أن يكون الجمهور يعلم أنهم أمعات، ويجب أن يكون هؤلاء موضع سخرية الجميع. وهذا ما يحصل بالضبط، وهذا ما يجعل الأسد سعيدا.

والأسد لا يستمتع بسخرية السوريين من الشخصيات المرشحة بمقابله فقط، بل هو أيضا يستمتع بسخريتهم من العملية الانتخابية برمتها، فهو يستهدف إيصال رسالة داخلية وخارجية مفادها أنه سينظم العملية الانتخابية كما يريد هو، ويخرجها بطريقة هزلية، فهو المتحكم بالواقع السياسي في مناطقه، بمعنى أنه لن يخضع للضغوط الخارجية، وخاصة بما يتعلق برؤيته لطريقة إدارة السلطة، علما أن هذا الإخراج للانتخابات -حسب منظور الأسد-قد يعزز رؤية الدول الفاعلة المعارضة للنظام بعدم القدرة على إيجاد حل سياسي بوجود الأسد نفسه.

قد تثير المقاربة الأسدية في طريقة إدارة الانتخابات تساؤل البعض؛ فلماذا الأسد مضطر لإجراء الانتخابات من الأساس؟ وهنا يجب ملاحظة العقل الشيطاني الذي يفكر الأسد من خلاله، فهو يرسل رسالة واضحة بأنه يمثل الدولة السورية ودستورها، وأن هذا الدستور قائم ويُعمل به، ويتم الالتزام ببنوده، كما أن بشار الأسد -وأن كان زورا-يريد الظهور بمظهر “الرئيس الشرعي”، الذي يستمر في الحكم بموجب عملية انتخابية. وطبعا، هذه الانتخابات تتوافق مع استراتيجية النظام القائمة على إيجاد وقائع على الأرض واستثمارها سياسيا في وقت لاحق.

على الضفة الأخرى، نرى أن الشارع الثوري اعتمد الاستهزاء طريقا لمقاربته للانتخابات القادمة، وهو أمر مفهوم ومبرر، ولكن غير المفهوم هو تلك السلبية من قبل مؤسسات المعارضة السياسية في تعاملها مع هذا الملف، فسياسيا الأسد يريد إرسال رسالة واضحة بأنه رئيس منتخب لولاية دستورية جديدة. أي، لمدة سبع سنوات، وهو ما يجب على مؤسسات المعارضة السياسية تعطيله، ولكنها على ما يبدو عاجزة عن فعل ذلك لعدم امتلاكها أدوات ذلك، ولكن هذا الأمر لا يدعها في حل من العمل على إضعاف النتائج السياسية المرجوة من هذه الانتخابات.

قد يجادل البعض بأن المعارضة السياسية غير قادرة على فعل شيء. ولكن يعتقد أن هذا الرأي يجانب الصواب، ولنطرح التالي على سبيل المثال: النظام أوعز إلى سفاراته بتنظيم انتخابات للسوريين الموجودين في الخارج، والمعارضة لا تملك القدرة على منع ذلك. ولكن، رغم ذلك، أليس من المفروض عليها العمل على توعية السوريون في الخارج بمخاطر مشاركتهم في هذه الانتخابات؟ أليس بإمكانها تنظيم وقفات احتجاجية بالقرب من السفارات لإظهار عدم شرعية هذه الانتخابات؟

مثال أخر يمكن أن يوضح المساحة التي يمكن العمل من خلالها؛ فقد عمل النظام على توقيع عريضة ممهورة من أكثر من مليوني سوري في مناطقه تأييدا لبشار الأسد، وهي فكرة كان من الممكن أن يكون لها نشاط مضاد يتمثل بتوقيع عريضة من قبل سكان الشمال المحرر والسوريون في بلاد المهجر رافضة لوجود بشار الأسد، وهي فكرة اقترحها بعض الناشطين لكنها لم تجد من يتبناها.

لا شك أن الأثر الناتج عن هذه الأنشطة وما شابهها محدود في ظل معادلة سياسية –للأسف-تميل كفتها لصالح النظام وإجرامه، ولكننا نتصارع مع النظام في حلبة واحدة، وغياب النشاط المعارض له في أي جولة كانت، يعني بالنهاية انفراده في هذه الحلبة وتحقيقه لنتيجة ربحية كاملة، فغياب الخصم تماما؛ سيجعله أكثر سعادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى