مقالات

تجار غرفة دمشق وريفها للنظام بلغ السيل الزبى

بعد عام 2011 تفكك الاقتصاد السوري، ويمكن القول إننا اليوم أمام اقتصاد دولة فاشلة وما ملأ الفراغ اقتصاد حرب يفتقر إلى التماسك، ويعزّز نفوذ سماسرة الحرب والمنتفعين منها وأمرائها علاوة على المهرّبين، وهو اقتصاد عاجز عن سد الاحتياجات المطلوبة من النظام، خاصة وأن كرة ثلج العقوبات ما زالت في بدايتها، وطالما بقي النظام رافضا للتسوية السياسية فإن حجم الضغط الدولي عليه سيزيد، ومع أن النظام استعاد السيطرة على أجزاء كبيرة من البلد إلا أن قدرة مؤسساته على تقديم الخدمات تدهورت.

 لطالما عمل النظام على إيجاد معادلة استقرار قائمة على أن النظام يضمن للموظفين راتب حد الكفاف، مع تغاضيه عن انتشار الفساد وهو الباب الذي ربط الكثيرين بالنظام، ولكن الواقع الاقتصادي اليوم يشي بمعادلة مختلفة، فالراتب الوسطي للموظف في المؤسسات العامة لدى النظام لا يتجاوز 25دولار أميركي، وبالتالي، فحتمية اللجوء للفساد اليوم لا تتعلق بالبحث عن الغنى، بل بتأمين المستلزمات الأساسية للحياة. وعليه، بات النظام أمام خلل بنيوي لا يمكن إصلاحه، ومعادلة الاستقرار السابقة لم تعد صالحة بعد. 

في أيلول 2019 بدأ سعر صرف الليرة السورية بالانهيار؛ فتداعي رجال الاعمال المحسوبين على النظام وبضغط منه للتبرع بمبالغ مالية لدعم سعر صرف الليرة السورية الذي وصل حينها إلى حوالي 650 ليرة سورية، وفي حينها تبرع سامر فوز بعشرة ملايين دولار من أجل دعم الليرة السورية، بالإضافة لتبرعات أخرى من رجال الأعمال.

وبعد مرور عام كان مليئا بالصدمات الاقتصادية للنظام، وعلى رأسها إقرار قانون قيصر وما تبعه من عقوبات بحق النظام، اندلعت موجة حرائق كبيرة جدا في المنطقة الساحلية في سورية، وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “الأوتشا” عن حجم الأضرار والخسائر الناجمة عن الحرائق التي شهدتها سوريا، وأن النيران ألحقت الضرر بممتلكات حوالي 28  ألف أسرة أي 140 ألف  شخص، مشيرة إلى أن  ما يصل إلى 25 ألف  شخص نزحوا  بسبب الحريق، وفقاً لتقديرات أولية نشرتها “الأوتشا”. وأفاد بأنه خلال الفترة من 8 إلى 10 تشرين الأول، تم الإبلاغ عن 156 حريقا على الأقل، موضحا أن محافظة اللاذقية شهدت (95) حريقا وطرطوس (49) وحمص (12). وأوضح “الأوتشا” أن الحرائق تسببت بتدمير المنازل وإلحاق الضرر في الأراضي الزراعية وفقدان الكهرباء وإمدادات المياه ومحدودية الوصول إلى الخدمات مثل المستشفيات، مبينتاً أنه تم الإبلاغ عن تدمير أكثر من 9000 هكتار من الأراضي الزراعية والغابات. وبعد هذه الحرائق تداعى رجال الأعمال إلى إطلاق حملات تبرع لمساعدة المتضررين من الحرائق، وفيما يلي جدول يوضح ما قامت به غرفة صناعة دمشق وريفها وهي أقوى غرف التجارة في سورية من جمعه للمتضررين والبالغ حوالي 200 مليون ليرة سورية أي ما يعادل أقل من 100 ألف دولار أمريكي فقط.

تعطي هذه الأرقام دلائل مهمة جدا، إما لجهة عدم قدرة النظام على الضغط على رجال الأعمال لدفعهم للدفع وهو أمر مشكوك فيه لأن النظام ما زال يمتلك من وسائل الإجرام ما يخضع بها طبقة رجال الأعمال، أو أنه، فعليا، حتى رجال الأعمال باتوا أمام مأزق اقتصادي، ومن منقلب آخر، قد يكون رجال الأعمال الدمشقيين وبشكل لا إرادي فضلوا عدم مشاركة أموالهم مع من يعتقدون أنهم أصبحوا أثرياء من خلال الحرب في سورية، ومن وجود النظام، وهم غالبية سكان الساحل. وعليه، يمكن القول بأن رسالة رجال الأعمال للنظام واضحة؛ ومفادها بلغ السيل الزبى، ولعل المتابع لما ينطق به عموم السوريين في مناطق النظام وبعض النخب هناك خير مؤشر على ذلك، حيث كتب أحد الكتاب الصحفيين في مناطق النظام على صفحته عبارة من كلمتين توحي بحقيقية الوضع هناك عندما قال: ” تشيرنوبيل اجتماعي” في كناية على انفجار المفاعل النووي في تشيرنوبيل وما سببه من كوارث، ولسان حاله بأن المجتمع السوري أصبح نتيجة الضغوط أقرب إلى حالة تشرنوبل بانتظار انفجاره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى