مقالات

تحرير المناطق دعائيا… وآثاره السلبية

تعتبر الدعاية السياسية، إحدى الظواهر البارزة في عالمنا المعاصر. فالمواطن في العصر الحديث يقع تحت الهيمنة شبه الكاملة للدعاية السائدة في مجتمعه. وهي التي تعبئ الجماهير وتغير من مواقفها.

وترتكز الدعاية لنجاحها على “دراسة سيكولوجية الجماهير” بحيث تتفق مع الاستعدادات النفسية والقيم والعقائد والمشاعر والأفكار السائدة لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الجمهور بفئاته واتجاهاته، والدعاية الهادفة “تختار اللحظات السيكولوجية” كالأوقات المناسبة والمواضيع المثيرة والأماكن الاستراتيجية، كترقب شن حرب، أو اكتشاف بترولي أو علمي، أو انتصار معين، أو قدوم زائر كبير، أو انعقاد مؤتمر هام، أو افتتاح مشروعات كبيرة، وتلبسها ثوب الدعاية لجذب جمهور المواطنين كأسلوب دعائي.

يرى البعض بأن استخدام الكذب مباح وضروي للوصول إلى دعاية أكثر فعالية، وبالتالي التأثير في سلوكيات وعواطف الافراد. إلا أن واقع الدعاية الحديث ينفي ذلك. فجميع خبراء الدعاية متفقين على أن الدعاية التي تلجأ إلى الكذب والمبالغة هي اسوأ أنواع الدعاية. فالدعاية الكاذبة مصيرها الفشل مهما حاول الخبير الدعائي أن يجند من طاقات مادية أو بشرية لإبقاء الحياة فيها.

وإذا ما راجعنا عموم تجربة إعلامنا الثوري نراها تتسم بحالة من العشوائية وعدم المهنية، في التعامل مع متطلبات العمل الإعلامي، ويمكن لنا تذكر الأخبار التي كانت توردها قنوات مثل: قناة ” الجيش السوري الحر” والتي تهدف إلى رفع المعنويات حسب اعتقادها، فكانت تتحدث عن معارك عسكرية وعمليات للجيش الحر أو اغتيالات لمسؤولين في النظام، ثم يظهر لاحقا بأن هذه الحوادث ليس لها وجود فعلي، وهو ما تسبب بحالة من فقدان الثقة ببعض الوسائل الإعلامية كما أدى إلى انتكاسات لدى متابعي هذه القنوات.

واليوم ما زال نفس الأسلوب شائعا، ولعل التركيز على معركة تركية محتملة في تل رفعت نموذجا عن هذا الأسلوب، فالمتابع للتصريحات الرسمية من المسؤولين الأتراك يجد التصريحات التالية:

أردوغان قال عقب الهجوم الذي أسفر عن مقتل شرطيين تركيين في منطقة أعزاز بريف حلب إن بلاده عازمة على القضاء على التهديدات القادمة من شمال سوريا، ووصف الهجوم بأنه “القشة التي قصمت ظهر البعير”.

كما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده ستفعل كل ما يلزم لتطهير مناطق شمال سوريا ممن وصفهم بالإرهابيين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، مضيفا أن واشنطن وموسكو مسؤولتان أيضًا عن الهجمات التي تنفذها الوحدات الكردية ضد القوات التركية في شمال سوريا.

نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أتراك أن أنقرة تستعد لشن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية شمال سوريا وقال مسؤول تركي ثالث إنه لا بد من دفع الوحدات الكردية إلى الوراء 30 كيلومترا أخرى على الأقل، وقالت رويترز: إن المسؤول التركي كان يشير إلى مدينة تل رفعت -التي تقع أيضا في ريف حلب- وعدة مواقع أخرى.

ومن خلال تتبع هذه الاخبار التي تحمل الطابع الرسمي من قبل مسؤولين أتراك من الفئة الأولى والثانية يتضح أن الجانب التركي يعتزم شن عملية عسكرية ولكنها غير محددة الوجهة يقينا، بل وربما يمكن تغليب وجهتها باتجاه باقي الشريط الحدودي التركي مع سورية وليس بمنطقة تل رفعت كجهة حصرية، كما أن هذه المعركة ستكون محكومة بعدد من العناصر التحضيرية الضرورية لحصولها ومن أهمها: الوصول إلى تفاهم تركي مع كل من أمريكا وروسيا، كما أن التجارب السابقة للعمليات العسكرية التركية تظهر بما لا يدع مجالا للشك مؤشرات واضحة لحدوث المعارك ووجهتها، ومنها:

  • زيادة واستمرار التصريحات التركية حول العملية العسكرية المرتقبة.
  • حشد قوات تركية في المنطقة الحدودية المقابلة للعملية العسكرية في الأراضي السورية.
  • إعلام قوات الجيش الوطني السوري لرفع الجاهزية وتحضير القوات التي ستشارك في العلمية العسكرية.

وعليه، فالمؤشرات لحدوث المعركة تكون واضحة وجلية، واستخدام الدعاية السياسية حول معركة في منطقة ما دون حصولها فعليا سيسبب صدمة نفسية وحالة من اليأس لدى سكان هذه المنطقة، ويتحمل مسؤوليتها من يقوم بالترويج لهذه المعركة دون التحري الكامل عن احتمال حصول هذه المعركة وتوقيتها، ولعل السبب الرئيسي في انتشار هذا النوع من الدعاية السياسية الضارة هو غياب المرجعيات الإعلامية الرسمية، فالدعاية السياسية عادة تكون من قبل قنوات إعلامية رسمية وغير رسمية يوجهها صانع القرار، وفي مجتمعنا؛ المجال الإعلامي يكتنز العشرات من القنوات الإعلامية الغير معلومة التوجه والغاية. وبالتالي، ما يظهر للعلن بأنه دعاية سياسية تخدم الثورة قد تكون نتائجه سلبية، سواء كان القائمون عليها واعين بذلك أم لا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى