مقالات

كورونا الهابط من السماء، أحدث وسائل النظام للضغط على قيصر

فجأة ومن غير سابق إنذار؛ امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات التي توحي إلى المتابع بتفشي الوباء في أوساط السوريين في الداخل المحتل من قبل العصابة وحماتها. ولعل الملفت للانتباه أن معظم هذه المنشورات تحتوي على مناشدات واستجداء لإنقاذ حالات على درجة عالية من الخطورة، وقصص عن حالات مأساوية تحصل داخل المشافي وعلى أبوابها، ومن ثم يتوجها بوق النظام الرخيص “شادي حلوة” بمناشدة باسم الإنسانية أن يُرفع الحصار عن سوريا، وتدعي وسيلة النظام الأخرى للاتصال بالجمهور “أمل عرفة” بأنها مصابة بكورونا.

الشارع الثوري كالعادة تناقل الأخبار بسرعة، البعض من باب الشماتة، والبعض من باب التشهير بالنظام السوري الفاشل، والبعض الآخر من باب التعاطف مع الشعب السوري الذي هو جزء منه. ولم يخطر على بال أحد أن يطرح القضية للتساؤل؛ فعلى سبيل المثال: متى كان النظام السوري يسمح لبعض موظفيه أو بعض أبواقه، بل وحتى بعض المواطنين بالتفوه بما يتنافى مع خطابه الرسمي؟ والتساؤل الثاني الذي كان من المفترض طرحه فيما لو اعتبرنا أن هذه الحرية أصبحت متاحة (حرية التعبير) يبقى السؤال عن كيفية هذا التفشي السريع من دون سابق إنذار، ومن غير وجود حالة التدرج في تفشي الوباء. أي أنه يبدو من خلال الحملة الإعلامية وكأن الأمر حدث في يوم وليلة وكأن الوباء هبط من السماء. وتبقى الملاحظة الأخيرة، والتي هي بحاجة إلى بعض الخبرة باللغة وطريقة الصياغة وإمكانية الإحساس بصدق التعبير من عدمه. وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة أن أغلب ما نشر من الداخل السوري يفصح عن لغة مبتذلة يبدو أن من كتبها استحضر شخصية “النواحة” قبل أن يكتب منشوره أو تغريدته.

 بكل تأكيد، ليست سورية عصية على الوباء، لكنها بشكل عام وبسبب الحرب هي من البلدان التي لا يأتيها الزوار من الخارج. أما بخصوص الميليشيات الإيرانية فعناصرها متواجدون  في سوريا  قبل انتشار الوباء، وهؤلاء  معظمهم  غير إيراني، وحتى لو

افترضنا أنهم إيرانيون فليس بالضرورة أنهم يذهبون إلى إيران ويعودون كل يوم، كما أن إيران وإن كانت تعتبر بؤرة للوباء في الشرق الأوسط إلا أن أحدا لا يمكنه أن يدعي أن كل إيراني يحمل الفيروس، أو أن إيران تسمح للمصابين بمغادرة البلاد. هذا بالإضافة إلى أن المعلومات عن تفشي وباء كورونا في إيران غير معروفة لأحد بشكل دقيق، وأغلب الظن أن القضية تتعرض للتسييس كما هو الحال لدى الأنظمة الاستبدادية بشكل عام. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية لم يصدر منها أي تصريح يشير من قريب أو من بعيد للحالة الكارثية التي يحاول البعض تصويرها في سوريا.

 سعى النظام السوري – كما كان متوقعا – أن يظهر بمظهر القوي المتماسك بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، فقام ببعض الحركات الخلبية، والاستعراضية ليوهم جمهوره، وجمهور الثورة أنه الجبل الذي لا يهزه الريح، لكن المنهار في الحقيقة، والمدعي بالصمود لا يستطيع أن يحافظ على هذا المظهر لفترة طويلة، وهو ما يحصل دائما، لكن الناس بحكم طبيعتها، تراقب الساعات والأيام الأولى من تاريخ الحدث، وهي الفترات التي اعتاد النظام أن يرسل رسائله أثناءها، فيصل إلى مراده ثم يبدأ بالتفاعل مع الحالة من موقف ضعف دون أن يشعر أحد بذلك، ويستطيع المراقب أن يلاحظ بسهولة كيف أنه رفع سعر الليرة مع الأيام الأولى لسريان مفعول القانون لكن سعر الليرة عاد إلى الهبوط من جديد. وعليه، يمكن القول: إن النظام السوري لعلمه بأن التظاهر بالقوة مكلف؛ انتقل إلى مرحلة الخلط بين التظاهر بالقوة ومحاولة استجرار العطف والاستجداء، بالإضافة إلى محاولة تجييش الشارع ضد العقوبات، وتكذيب مقولة الأمريكيين بأن العقوبات تستهدف أركان النظام وداعميه فقط.

 لا يدعي المقال خلو البلاد من الإصابات بفيروس كورونا، لكنه يشير إلى أن ما تم ترويجه مؤخرا ليس أكثر من حملة إعلامية مقصودة هدفها الضغط على قانون قيصر. خاصة وأنه سُبق بترويج إشاعة أخرى تقول إن العقوبات الأمريكية تستهدف الشعب ولا تستهدف النظام، علما أن المشرع الأمريكي حاول قدر استطاعته أن ينجز قانونا تكون تبعاته على أركان النظام حصرا، مع محاولة التخفيف من آثار العقوبات على المواطنين، ولكن المشكلة أننا أمام نظام لديه مقدرة هائلة على خلط الأوراق ونقل الآثار المدمرة لقانون قيصر إلى الشعب، والاستفادة من الاستثناءات التي أوجدت من أجل الشعب، ولديه المقدرة على إجبار الشعب أن يرقص على إيقاع الألم، وأن يبكي من غير ألم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى