مقالات

إدلب.. وعقدة التصنيف الدولي

ملف الحركات المسلحة المتشددة هو ملف حاضر دائما، ويلقي بظلاله على المناطق المحررة دائما، ويوسم مناطقها بسمة الإرهاب؛ نتيجة لتصنيف بعض المجموعات المسلحة المهيمنة في إدلب على قوائم الإرهاب الدولي، فكل قرار أممي أو اتفاق دولي كان يستهدف إيقاف دائرة الصراع كان يحتوي على لغم يفجر القرار أو الاتفاق من داخله، وهو ألا يشمل وقف إطلاق النار هذه المجموعات المصنفة على لوائح الإرهاب الدولي، وهو ما استثمر به النظام وحلفاؤه، وخاصة الروس في تبرير ومهاجمة المناطق المحررة. ولعل نموذج حلب الشرقية والغوطة الشرقية خير مثال على ذلك، فوجود هذه المجموعات شكل ذريعة ومبررا أمام المجتمع الدولي فبتاريخ 22 تموز 2017 وقع الروس مع فيلق الرحمن اتفاق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية، وقد تضمن أحد بنود الاتفاق فتح ممر آمن لإخراج عناصر هيئة تحرير الشام من الغوطة، وهو ما عمل فيلق الرحمن على إنجازه خلال الأشهر التالية، وقد تم في حينها تسجيل أسماء 221 منتسبا لهيئة تحرير الشام للخروج من الغوطة، وهذا العدد كان يشكل النسبة الغالبة من أعضاء الهيئة، وعند الوصول لتاريخ فتح المعبر بنهاية شهر كانون الأول 2017 لم يلتزم الروس فعليا بإدخال الباصات المسؤولة عن اخراج أعضاء هيئة تحرير الشام، وهو مؤشر- في حينها- عن نية الروس الفعلية بشن هجوم لاستعادة الغوطة الشرقية، والحاجة لوجود ذريعة مضافة في حملتهم العسكرية. وطبعا، لا يعني هذا أن الحملة العسكرية كانت فقط بسبب وجود هيئة تحرير الشام، بل هناك أسباب سياسية وعسكرية هي المفصل في هذه الحملة، ولكن وجود الهيئة كان يشكل ذريعة مضافة وغطاء للروس.

والمقارن اليوم بين منطقة إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون يلحظ دون مواربة، أن هناك تفاوت في الظروف الأمنية بين هذه المناطق، وهناك تفاوت في جرأة الروس والنظام على شن هجمات عسكرية على هذه المناطق مقارنة بمنطقة إدلب. وعليه، بات المواطنون في المناطق المحررة يعتبرون مناطق درع الفرات وغصن الزيتون مناطق استقرار نسبي مقارنة بمنطقة إدلب. وطبعا، يجب إدراك أن النظام لو استطاع السيطرة على منطقة إدلب؛ فلن يجد ما يثنيه عن التفكير بنقل الهجوم باتجاه باقي المناطق. ولكن التدخل العسكري التركي المباشر حال دون ذلك، ولو أن تركيا تركت الأمر لمعادلة توازن القوى ما بين النظام وحلفائه من جهة، وفصائل الثورة والفصائل المتشددة من جهة أخرى؛ لكنا اليوم أمام مشهد مأساوي في إدلب. وعليه، يجب إدراك أن التدخل التركي شكل مفصلا أساسيا في مسيرة الحفاظ على منطقة إدلب كمنطقة خارجة عن سيطرة النظام،

 وقد تم تثبيت الوجود التركي في إدلب عسكريا بالانتشار الضخم للجيش التركي هناك، ومن خلال الاتفاق التركي الروسي الأخير. ولكن هذا الاتفاق يتضمن التزامات على الجانب التركي أن يفي بها؛ من أبرزها فتح الطريق الدولي M4، وهو ما يعني ضمنا: إبعاد الجماعات المتشددة عن هذا الطريق، وإظهار تركيا كفاعل ومتحكم فعلي في المنطقة، وهو -على ما يبدو-  لا يروق للجماعات المتشددة التي يتنافى جوهر خطابها مع فكرة الاستقرار والسلام،  فالوصول إلى حالة استقرار في المنطقة باتفاق دولي قد يشكل ضغطا على هذه الجماعات لجهة تراجع مستوى قدرتها على استخدام الخطاب المتشدد لتحشيد المؤيدين لها، وفي نفس الوقت ضمان استقرار منطقة إدلب سيفرض على تركيا لاحقا البحث عن معالجة ملف هذه الجماعات لما قد يشكله وجودها من مخاطر على تركيا وعلى الاتفاق الموقع مع الروس أساسا، كما سيتطلب من تركيا إعادة تنظيم المنطقة مدنيا وتنظيما وإلغاء حالة التنظيم الحالية ممثلة بحكومة الإنقاذ، مما قد يعني حصر الموارد الاقتصادية في المنقطة بشكل التنظيم الإداري الجديد. لقد اثبتت المعركة الأخيرة بأن قدرة فصائل الثورة والفصائل المتشددة في الوقوف بوجه النظام وحلفائه ضعيفة جدا، وأنه لا بد من وجود سند دولي. واليوم باتت تركيا بجيشها موجودة في المناطق المحررة. لذلك، يعتبر العمل على تمتين التحالف مع تركيا والانفتاح على الدول الغربية لموازنة النظام وحلفائه هي مصلحة أساسية للثورة في هذه المرحلة، ريثما يتم الوصول لاتفاق سياسي قد يحمل في طياته ما يخرج الشعب السوري من محنته الحالية، أما ما تقوم به بعض الجماعات المتشددة في إدلب من عرقلة للمساعي التركية فهو أقرب إلى المشي على حافة الهاوية، والتي قد تؤدي -لا سمح الله- إلى دفع المناطق المحررة نحو الهاوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى