مقالات

القضية السورية في لقاء بايدن – بوتين المرتقب

كشفت مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية عن عزم الرئيس الأمريكي جو بايدن الضغط على الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” خلال القمة المرتقبة الأسبوع المقبل، وذلك من أجل المساعدات الإنسانية في سورية. وقالت الصحيفة: “إن بايدن يعتزم الضغط على بوتين، خلال قمتهما الأسبوع المقبل، لتوسيع دائرة توزيع المساعدات في سوريا”. من هنا، تعتقد الأغلبية أن القضية السورية سوف تكون حاضرة خلال لقاء الرئيسين الروسي والأمريكي.

في الواقع، القضية السورية سوف تطرح خلال القمة المرتقبة، ويعتقد أنها سوف تكون البداية للتعبير عن الموقف الأمريكي الجديد تجاه القضية السورية والذي عبر عنه الرئيس الأمريكي منذ أسابيع عندما مدد حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بسوريا، حيث قال: “تصرفات النظام السوري وسياساته تشكل تهديدا للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة، والنظام السوري يقوض الجهود الأمريكية والدولية لاستقرار وإعادة إعمار العراق. ندعو نظام الأسد وداعميه لوقف حربهم العنيفة ضد السوريين والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق”. هذا التصريح الذي مر في الشارع الثوري مرور الكرام يحمل في جعبته الكثير، وفي الأشهر القادمة، سواء من خلال القمة أو بعدها، سيكتشف الجميع أن الولايات المتحدة في عهد “بايدن” قد غيرت تصنيف الأحداث في سوريا من المستوى الهامشي إلى المستوى المهم، وهو ما يبنى عليه الكثير: سياسيا، وقانونيا، ودبلوماسيا، وربما عسكريا إن لزم الأمر.

ينقل “هاري آر. يارغر” مؤلف كتاب “الإستراتيجية ومحترفو الأمن القومي” عن “نوشترلين” تقسيم مستويات الأهمية على المصالح الأمريكية بقصد تبيان الحدود الحرجة والأولويات على الشكل التالي:

  • مستوى المحافظة على البقاء: إذا لم يتحقق فسيؤدي إلى دمار شامل فوري لواحد أو أكثر من الجوانب الرئيسية للمصالح الوطنية الجوهرية.
  • المستوى الحيوي: إذا لم يتحقق فسيترك عواقب فورية على المصالح الوطنية الجوهرية.
  • المستوى المهم: إذا لم يتحقق فسيؤدي إلى أضرار ستؤثر في نهاية المطاف في المصالح الوطنية الجوهرية.
  • المستوى الهامشي: إذا لم يتحقق فسيؤدي إلى أضرار لا يتوقع لها أن تؤثر في المصالح الوطنية الجوهرية.

لا شك أن التصنيف الأمريكي للأحداث في سوريا كان ضمن المستوى الأخير. أي الهامشي، وبدا ذلك واضحا من خلال التفاعل الأمريكي مع الثورة السورية منذ البداية. ويمكن تلمس ذلك في بعض مقولات المنظرين السياسيين الأمريكيين، ففي محاضره بعنوان “سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، ذكر “جون ميرشايمر” استاذ الخدمة المميزة في جامعة شيكاغو التالي: “السؤال هو ما هي المناطق التي تشكل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة؟ هذه هي المناطق التي في نظر أمريكا تحتاج أن تقاتل وتموت من أجلها. أهم منطقة من وجهة نظر الولايات المتحدة هي نصف الكرة الغربي، طبعا هذه هي حديقتنا الخلفية وباحتنا الخلفية، وخارج نصف الكره الغربي هناك ثلاث مناطق مهمه: أولها أوروبا، شمال شرق آسيا، والخليج الفارسي؛ السبب في أهمية شمال شرق آسيا أن هناك قوى عظمى أخرى، والولايات المتحدة تهتم بشأن القوى العظمى الأخرى لأنها الوحيدة التي تشكل لها تحديا وتهديدا خطيرا. المنطقة الثالثة هي الخليج الفارسي وهي مهمه ليس لأن فيها قوى عظمى، ولكن الخليج الفارسي مهم لوجود منابع النفط فيه”. وإجابه عن السؤال لماذا لم تتدخل الولايات المتحدة في سوريا بالشكل المتوقع منها قال: “بالنسبة للشرق الاوسط سوريا تشكل القيمة الاستراتيجية الأقل بالنسبة للولايات المتحدة إن ما يحدث في سوريا لا يهم أمريكا لأنه لا يوجد هناك نفط”.  وفي دراسة بعنوان “أمريكا المرتبكة” كان “ميرشايمر” أكثر تفصيلا حيث قال: “أضف إلى ذلك أن مصر وسوريا لا تمثلان أية مصالح استراتيجية حيوية، وما يحدث فيهما لا يعد مهما كثيرا للأمن القومي الأمريكي. طبعا، هذا لا يعني أنهما خارج السياق بالكامل”.  وإذا كان “ميرشايمر” يختصر منطقة الشرق الأوسط بمنطقة الخليج فقط، فالسياسة الأمريكية في عهد أوباما أظهرت أن المنطقة برمتها قد تراجعت أهميتها النسبية بالنسبة للولايات المتحدة ولم تكن إدارة ترامب تختلف عن سابقتها بالنسبة لتقييمها لأهمية المنطقة.

وفيما كان بعض المحللين يكاد لا يصدق هذا الطرح، ما لبثت أن أصبحت فكرة تراجع الأهمية النسبية لمنطقة الشرق الأوسط من المسلمات، وراح البعض يعدد الأسباب وراء هذا التراجع. فعلى سبيل المثال: نشرت صحيفة الفورين بوليسي الأمريكية مقالا تحليليا ذكرت فيه ستة أسباب لما أسمته تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ولسياساتها الخارجية، وأهم هذه الأسباب، حسب كاتب المقال “آرون دافيد ميلر”، الكاتب والمحلل الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، هي: انتهاء الحرب الباردة، وزوال فزاعة الإرهاب، وتدني أهمية النفط الخليجي، وخسارة أمريكا لحلفائها العرب، بالإضافة إلى قوة إسرائيل المتزايدة.

بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا يبدو أن تيارا داخل الإدارة الأمريكية كان معارضا للاستهتار الأمريكي في الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في سوريا، وعندما تلقى الرئيس الروسي دعوة من ملك الأردن؛ خرج أحد أعضاء الإدارة الأمريكية بتصريح يقول فيه: هذا ما كنا نحذر منه. على إثر ذلك، “في أكتوبر 2018، تم إنشاء “مجموعة دراسة سوريا” لدراسة ومراجعة وتقييم أهداف الولايات المتحدة، وتقديم توصيات إلى الكونغرس الأمريكي حول الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة في سوريا. وحول فكرة الاستهتار الأمريكي جاء في التقرير: “استهانت الولايات المتحدة بقدرة روسيا على استخدام سوريا كساحة للنفوذ الإقليمي. حقق تدخل روسيا. ابتداء من سنة 2015 هدفه المباشر المتمثل في الحفاظ على النظام كتحد لدعوة الولايات المتحدة ل “رحيل” بشار الأسد وذلك بتكلفة منخفضة نسبيا. في هذا السياق عززت روسيا مكانتها وهيبتها على نطاق أوسع في الشرق الأوسط”. وحول الكيفية التي تتجلى من خلالها أهمية الشأن السوري جاء في التقرير: “منذ بداية الأزمة السورية سنة 2011، استهان الأمريكيون بمدى استمراريتها وحدود خطورتها ومدى تأثيرها على أهم المصالح الوطنية للولايات المتحدة … وتجدر الإشارة إلى أن سوريا تشكل تهديدا على الولايات المتحدة من خلال خمسة مخاطر رئيسية:

أولا، يتواصل تهديد خطر الهجمات الإرهابية المتأتي من سوريا على الرغم من تحرير الأراضي السورية من قبضة تنظيم الدولة.
ثانيا، استغلت إيران انهيار سوريا بصورة ناجعة للمضي قدما في محاولتها للهيمنة الإقليمية وفتح جبهة جديدة في إطار حملتها التي شنتها ضد إسرائيل، ما زاد من خطر اندلاع صراع إقليمي على نطاق أوسع.
ثالثا، مثلت سوريا انتصارا استراتيجيا بالنسبة لروسيا، التي استفادت بالمثل من الحرب لتنصيب نفسها كوسيط منافس وذي نفوذ وموثوق به مقابل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
رابعا، أطلقت حملة العنف الوحشية المستمرة التي يشنها الأسد ضد الشعب السوري العنان لتدفق أعداد هائلة من اللاجئين، مشكلة مأساة إنسانية كانت لها آثار سياسة واجتماعية مزعزعة للاستقرار في عدة بلدان، بما في ذلك الدول الأعضاء في حلف الناتو.
خامسا، أدى الانتهاك المتواصل للمعايير الدولية الأساسية، التي لطالما دافعت عنها الولايات المتحدة على مر التاريخ، إلى تآكل التصورات عن مفاهيم القوة والمصداقية التي تشيد بها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم في نفس الوقت، منذرة بإمكانية نشوب نزاعات في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن هذه التهديدات متداخلة ويعزز بعضها بعضا. ومع ذلك، سعت السياسة الأمريكية إلى بلورة الأزمة السورية، حيث تمحور الاهتمام الأمريكي بنظام الأسد حول التهديد الإرهابي نظرا إلى الخطر الفريد من نوعه الذي تمثله سوريا والذي يحدق بالأراضي الأمريكية والمواطنين الأمريكيين”.

في الواقع، من قرأ هذا التقرير وراقب أداء إدارة الرئيس ترامب لاحظ أن هذه الإدارة اهتمت ببعض الجوانب والتوصيات التي وردت في هذا التقرير، لكن إدارة ترامب رحلت، وحلت مكانها إدارة جديدة برئاسة الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن”، والإدارة الجديدة حتى الأمس القريب بقيت شبه صامتة حيال القضية السورية، وهو ما خلق جوا من التشاؤم لدى المحسوبين على قوى الثورة والمعارضة.

ضمن هذا السياق، وبشكل مفاجئ؛ جاء تصريح الرئيس الأمريكي، آنف الذكر، فلم يلتفت إليه أحد رغم أنه يحمل الكثير من المعاني. لذلك، قد يقتصر طرح الرئيس الأمريكي خلال القمة على قضية المعابر، لأن القمة لن تتسع لطرح القضية السورية على نطاق أوسع، فهناك الكثير من القضايا العالقة بين الطرفين، وهي أكثر أهمية من الملف السوري، لكن قضية المعابر سوف تكون البداية، وأغلب الظن أن مظاهر التغير الفعلي في الموقف الأمريكي تجاه القضية السورية ستتضح معالمه بعد إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، حيث مازالت الإدارة الأمريكية تتجنب استفزاز إيران إلى أن تتمكن من العودة إلى الاتفاق النووي، والذي يعتبر من أهم أولويات إدارة بايدن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى