مقالات

كورونا في الشمال المحرر

لا يخفى على أحد ما يشهده العالم اليوم من انتشار جائحة كورونا، والتي أصابت الدول المتقدمة قبل الدول المتخلفة، وفي سورية رغم انتشار الوباء في مناطق النظام وفق عدة تقارير رصدية إلا أن النظام لم يعلن عن أية حالة إلا يوم الأحد 22/3/2020، ويبقى الهاجس في المناطق المحررة يحوم كشبح أسود في مخيلة القاطنين في المنطقة، رغم عدم تسجيل أي إصابة مؤكدة لتاريخ كتابة هذه السطور.

وتمتلئ قنوات التليغرام ومجموعات الواتس آب بعشرات الكتيبات والصور، التي تساعد في نشر المعلومات حول هذا الوباء وسبل الوقاية منه ومنع انتقاله، والتي تجتمع في نقطة مركزية واحدة وهي: ” درهم وقاية خير من قنطار علاج”، ولكن الواقع المجتمعي لا يوحي بأن ما ينشر في مجال التواصل الاجتماعي له حيز واقعي في حياة الناس في الشمال السوري، فصحيح أن العملية التعليمية والمساجد والمطاعم وغيرها من أماكن تجتمع فيها الناس أغلقت أبوابها لمنع تجمع الناس، ولكن من يسير في شوارع المنطقة يكاد لا يلحظ وجود أشخاص يلبسون كمامات أو قفازات طبية، وترى التجمعات التقليدية كأصحاب المحلات التجارية أو الجيران مجتمعين بحلقات من خمسة إلى عشرة أشخاص يتبادلون الأحاديث وبشكل متلاصق، وحتى المحال التجارية لا تلمس فيها أي خطوات وقائية، سواء لجهة تعقيم المنتجات أو حتى أن يقوم البائع نفسه باتخاذ خطوات في هذا الاطار، ومما يزيد الطين بلة أن البعض القليل الذي يتخذ إجراءات وقائية يتلقى حملة استهزاء من المجتمع، وعلى سبيل المثال درجت العادة في حال رؤية أحد المواطنين يلبس كمامة فالسؤال الطبيعي الذي يوجه له ” هل أنت مكورن؟” وبدل أن ينظر له على أنه يتخذ الإجراءات المنطقية والعقلية في حماية نفسه والمجتمع، ينظر له بنوع من الاستهزاء، والأمر الأخطر بأن تصرفه يقابل في بعض الحالات باستهتار ملبس بلبوس ديني مغلوط وفق الآية الكريمة ” قل لن يصيبنا إ  لا ما كتب الله لنا” والتي تعني أننا تحت مشيئة الله وقدره، ومتكلين عليه، وتحقيق التوكل لدى العبد لا ينافي السعي والأخذ بالأسباب التي قدَّر الله عزّ وجل الأقدار بها، وجرت سنة الله في خلقهِ بذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر العبد بالأخذ بالأسباب، كما أمرهُ بالتوكلِ عليه سبحانه.

وفي الضفة المقابلة هناك من يحاجج بأن التشدد في اتخاذ الإجراءات الوقائية قبل انتشار الوباء في المنطقة قد يكون له تداعيات سلبية، منها: نشر الخوف والذعر، وما بين الوقاية المسبقة والتدرج في الأمر يمكن أن يوجد التخبط والاستهتار في التصرفات.

 وعليه، لا بد من ذكر بعض الأمور الأساسية:

  1. إن مناطق الشمال السوري المحرر هي مناطق ذات هشاشة عالية على كل المستويات، وخاصة في المجال الطبي، وبالتالي -لا سمح الله- إذا ما انتشر هذا الوباء فقدرة القطاع الطبي على الاستجابة ضعيفة جدا؛ لأنه لا يمتلك البنى والمرافق الصحية المناسبة، ولا الكوادر البشرية الكافية، ولا الموارد المالية، ويمكن تلمس حالة العجز هذه من تصريح وزير الصحة للحكومة المؤقتة الدكتور “مرام الشيخ”

الذي صرح بأن الوزارة وضعت خطة وقاية واستجابة من تهديد الوباء، ولكن هذه الخطة تتنظر التمويل.     وعليه، فحتى ولو كانت الخطة جيدة لكنها خطة غير فعالة لأنها لن تطبق إلا إذا توفر التمويل، وهذا الأمر لا يمكن الاعتماد عليه. 

  • رغم زيادة فاعلية المؤسسات المحلية العاملة في المنطقة، كالمجالس المحلية، والشرطة، والجيش الوطني، ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن هذه الأجسام مازالت فتية ولا يربطها رابط مركزي فعال لمواجهة الأزمات والكوارث.
  • الثقافة المجتمعية في مناطقنا تعتبر ثقافة ذات أبعاد خطيرة، فالاتكالية والاستهتار وعدم الالتزام ومخالفة القوانين هي أمور مترسخة في الثقافة العامة للمواطن.
  • إن الغالبية من المواطنين في المنطقة يقطنون المخيمات، وهي تجمعات بشرية كبيرة غير مفصولة ولا تمتلك مقومات الحماية الضرورية، وبذلك تحول هذه المخيمات لبؤر انتشار غير مقيدة أمر خطير جدا.
  • إن التواصل بين المنطقة وخارجها يعتبر ضعيف مقارنة مع أي منطقة في العالم، وهو عامل حاسم يجب الاستفادة منه بحده الأقصى.

وفق هذه العوامل فلابد لنا من دق نواقيس الخطر، وتغيير مقولة “درهم وقاية خير من قنطار علاج” إلى مقولة ” الوقاية ثم الوقاية” فقط. وعليه، فالتشدد في عوامل الوقاية هو السبيل الأنجع في المنطقة. وفي النهاية فيروس كورونا لا ينتشر إلا عن طريق التواصل مع منطقة مصابة؛ سواء بتنقل الأفراد أو نقل البضائع. وعليه، ما تم اتخاذه من إجراءات لمنع التواصل مع مناطق النظام وقسد، وتقييد التواصل مع تركيا، خطوات حاسمة جدا. ولكن، يجب إدراك أن الفيروس الذي انتشر في إيطاليا وإسبانيا وأدى إلى مقتل الآلاف؛ تم نقله من خلال أشخاص لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة. لذلك، نحن اليوم بحاجة للعمل وفق الخطوات التالية ريثما تنتهي هذه الجائحة:

  1. الجدية والتشدد بشكل حاسم بما يتعلق بضبط حركة الأفراد والبضائع، واتخاذ الإجراءات الصحية الكاملة لمنع انتقال الفيروس للمناطق المحررة.
  2. نشر الوعي بين الناس، والعمل على تغيير الثقافة المجتمعية السلبية في التعامل مع هذه الأمور.
  3. فرض حظر تجوال جزئي مما يجعل المواطنين يستشعرون خطر هذا الوباء.

وفي النهاية يجب إدراك الحقيقة التالية: إن عمر حضانة الفيروس هي مؤقتة ولا تتجاوز 14 يوما، وبالتالي إذا ما كان هناك ضبط قوي للمعابر، ومنع دخول الفيروس إلى المنطقة؛ فبعد 14 يوما إذا لم يظهر الفيروس في المنطقة حينها يمكن القول إننا تجاوزنا عنق الزجاجة وتم تحصين المنطقة بشكل جيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى